أدار الحوار/ هاني صلاح
ـ ما تعرض له المسلمون في أفريقيا الوسطى جريمة ضد الإنسانية تمت بتواطؤ ودعم دولي وإقليمي
ـ إعادة المسلمين إلى وضعهم السابق يتطلب عددا من البرامج والمشروعات الضرورية
ـ الإسلام في أفريقيا الوسطى معترف به عرفاً وليس قانوناً
ـ الأزمة من حيث الجانب السياسي في طريقها إلى الحل، ووضع المسلمين لن يكون كما كان قبل الأحداث الأخيرة
ـ إرادة الشعب الأفرووسطي الذي عانى الأمرين ستسهم في القضاء على العصابات المسلحة
ـ المفاوضات الجارية اليوم والتي قد تفضي إلى تشكيل حكومة وحدة جديدة ستسهم بإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد..
شدد د. محمد البشير أحمد موسى -الباحث في الدراسات الأفريقية والقانونية والذي صدر له عدد من المؤلفات التي تعنى بالشأن الأفريقي- على أن ما تعرض له المسلمون في أفريقيا الوسطى جريمة ضد الإنسانية تمت بتواطؤ ودعم دولي وإقليمي، وأن إعادة المسلمين إلى وضعهم السابق يتطلب عددا من البرامج والمشروعات الضرورية..
وعلى الرغم من كل ما جرى، فقد تفاءل صاحب كتاب “مسلمو أفريقيا الوسطى.. ألم وأمل ” بمستقبل المسلمين في هذه الدولة التي تقع في قلب القارة السمراء، ووصفه بأنه: سيكون “مزدهرا جداً”، مرجعا ذلك إلى أن الأزمة “من حيث الجانب السياسي في طريقها إلى الحل”، مؤكداً على أن: وضع المسلمين “لن يكون كما كان قبل الأحداث الأخيرة”..
جاء ذلك في سياق حوار: (المسلمون في أفريقيا الوسطى.. بين تحديات الواقع وتطلعات المستقبل)، وهو الحوار الثاني على الموقع الإلكتروني لـمجلة (المجتمع) بالتشارك مع “مبادرة حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والذي يُجرى على الصفحة العامة للحوارات بعنوان: “الإسلام والمسلمون في العالم”.
كما تطرق الضيف خلال حواره مع الجمهور إلى نبذة سريعة عن واقع الأقليات المسلمة في أفريقيا بشكل عام.
وإلى الحوار..
المشاركة الأولى.. من: هاني صلاح ـ منسق الحوار ـ وتتضمن سؤالين تعريفيين بالحوار:
1 ـ المحور الأول: التعريف بجمهورية أفريقيا الوسطى والمسلمين بها
أ ـ رجاء التكرم بالتعريف بجمهور أفريقيا الوسطى..
ـ الدولة والشعب .. كم عدد سكانها وما هى أبرز العرقيات التي يتشكل منها شعبها؟ وما أبرز الديانات هناك؟
أفريقيا الوسطى، بلد صغير لا تتجاوز مساحته (622,984كم2) يتوسط القارة الأفريقية، أصبح يشكل في السنوات الأخيرة بؤرة للصراعات الإقليمية والدولية، وأصبح يضاف إلى قائمة الدول الأقل استقراراً في القارة الأفريقية بسبب التهافت الدولي على أراضيه، لأنه يمتلك احتياطياً كبيراً من النفط والغاز والألماس والذهب.
عُرِفت أفريقيا الوسطى تاريخياً ضمن مجموعة أفريقيا الاستوائية، التي تتكون من الكاميرون والجابون والكونغو برازافيل وتشاد، فقد كانت تشكل معها ما يعرف بإقليم ” أوبانقي شاري”، قبل أن تتكون الدولة الحديثة فيها عام 1938م، وتشكل جمهورية أفريقيا الوسطى بدلاً من المسمى القديم ” أوبانقي”.
ومنذ تكون الدولة الحديثة في أفريقيا الوسطى عام (1938) ونيل استقلالها ضمن المجموعة الفرنسية في (13/8/1960)، بدأت تشهد أزمات بين نخبها السياسية، حيث وضعتها فرنسا تحت سيطرتها الكاملة باعتبارها مخزوناً استراتيجياً لها، لما تتمتع بها من خيرات هائلة.
المسلمون في أفريقيا الوسطى:
تعدُّ أفريقيا الوسطى من ضمن الدول التي يشكل المسلمون فيها أقلية، حيث يتراوح نسبتهم ما بين 17-20% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم (4.487.000) حسب إحصائية عام 2011م، ويتوزع المسلون في عدد من المدن والمحافظات الرئيسة، أهمها العاصمة بانقي حيث يوجد قرابة خمسمائة ألف مسلم قبل أحداث ديسمبر 2013م، ومدينة بيربرتي، ومدينة إنديلي في الشمال، وقد انتشر الإسلام بنزوح عدد من سلاطين مملكة باقرمي الإسلامية في جنوب تشاد بعد سقوط مملكتهم إلى المنطقة الشمالية من أفريقيا الوسطى وخاصة مدينة إنديلي، وأنشأوا سلطنة إسلامية في نهاية القرن السابع عشر الميلادي في هذه المنطفة،فساهموا بشكل كبير في نشر الإسلام وسط الوثنيين هناك امتداداً لدورهم السابق في أسلمة جنوب تشاد، كما أن لسلطنة دارفور الإسلامية أثر كبير في أسلمة الجزء المتاخم للحدود السودانية الأفروسطية.وقد ساهمت الهجرات التي صاحبت الحروب الأهلية في تشاد، في دفع أعداد كبيرة من القبائل التشادية إلى الهجرة إلى أفريقيا الوسطى، مما ساهم في نشر الإسلام بصورة كبيرة في عدد من أهم المدن الأفروسطية وأكبرها العاصمة بانقي، حيث بنوا عددا كبيراً من المساجد والزوايا، والخلاوي القرآنية.
إلا أنَّ أقلية مسلمي أفريقيا يتميزون بصفات لا تتوافر لدى الأقليات المسلمة الأخرى في القارة، مما كانوا عرضة لانتهاكات منذ الاستقلال، بل معظم الذين تولوا سدة الحكم في أفريقيا الوسطى كانوا من القساوسة وذلك لمعرفة الكنيسة لأهمية هذه المنطقة ودورها في التغيير، بل اضطرت الكنيسة وفي أكثر من موقف أن تستجلب رؤساء من خارج إطار القبائل المعروفة في هذه الدولة ممن تربوا في كنفها كما في حالات بوكاسا وبوزيزي الذين قاد الحرب الشرسة الأخيرة ضد المسلمين، وذلك لعدم إتاحة الفرصة لهذه الأقلية من التمكين الديني والاقتصادي والسياسي.
القبائل والإثنيات المختلفة:
من أشهر القبائل التي تقطن في أفريقيا الوسطى القبائل الآتية:
- قبيلتا: قولا، ورونقا، ويسكنون في شمال البلاد، وكلهم مسلمون بحكم أنهم أساس السلطنة الإسلامية في شمال البلاد، كما أنهم يشكلون الأغلبية في حركة “سيلكا” للدفاع عن المدنيين المسلمين، وتعد معظم النخب المتعلمة المسلمة في البلاد منها.
- القبائل العربية في شمال البلاد التي هاجرت من تشاد، والسودان، ومن أشهرها : ” السلامات، والتعايشة ” .
- قبيلتا: الفلاتا، والهوسا، في غرب البلاد على الحدود مع الكاميرون.
- قبائل أفريقية: من أشهرها: الماندا والبايا، والسارا وهي التي كانت تحكم البلاد منذ الاستقلال، وتوجد معظمها في شمال البلاد. قبيلتا: الباندا، والسر، في الحزام الوسط، وجزء من الشرق، وقبائل: الزاندي، والأوبنجي، والأقزام في جنوب البلاد.
- جماعات أخرى صغيرة موزعة في الوسط والجنوب.
ما أهميتها السياسية والاقتصادية.. وما مدى علاقاتها بالعالم الإسلامي؟
تعد أفريقيا الوسطى من حيث المسمى في قلب القارة الأفريقية، وهذا ما يجعلها من الدول ذات الأكثر تأثيراً في العلاقات بين المجتمعات المسلمة في الشمال، ومجتمعات الوثنيين والنصارى في الجنوب، مما جعلتها من حيث الأهمية السياسية ذات موقغ جغرافي مهم، وخاصة تواجدها في خاصرة كل من جمهورية تشاد، وجمهورية السودان متاخم لإقليم دارفور مما تعد دولة ذات أهمية استراتجية للدول المسلمة حولها. ما أن الكنيسة وضعت خطاً وهمياً للفصل بين الشمال المسلم وجنوبه حيث الوثنيين والنصارى واعتبار أفريقيا الوسطى ذاك الخط الوهمي الفاصل.
ومن حيث الإمكانيات الاقتصادية فهي تعيش على مخزون وفير من المياه العذبة، وكذلك احتياطي كبير من النفط والألماس والغاز واليورانيوم وغيرها من المواد الخامة وخاصة في جزئها الشمالي حيث غالبية المسلمين، ولذا لم تعش تلك المناطق منذ الاستقلال أية حالة من حالات الاستقرار، حتى اجتياح المسلمين للعاصمة وسقوط العاصمة بانقي مما كان مهيئاً أصلا لمرحلة أخرى أكثر خطورة وهي استئصال المسلمين جميعاً من هذه الدولة، ولكن باءت وبحمد من الله عز وجل تلك المحاولات الفرنسية والغربية بالفشل والخزلان.
ب ـ كذلك برجاء التكرم بإلقاء الضوء على مسلمي أفريقيا الوسطى من خلال توضيح:
ـ الخريطة العرقية لمسلمي أفريقيا الوسطى
يشكل المسلمون من الذين ينتمون إلى قبيلتي (القولا والرونقا) أكثر الإثنيات انتشاراً في شمال البلاد، ومن ثم القبائل ذات الأصول العربية التي تنتشر في الحد الشمالي الغربي مع جمهورية تشاد والمتمثل امتداداً طبيعياً لإقليم السلامات في جمهورية تشاد، وخاصة قبيلة السلامات، ويتواجدون أيضاً في الحد الشرقي المتاخم لجمهورية السودان حيث إقليم دارفور تحديداً قبائل مثل الرزيقات والمسيرية والتعايشة وغيرها من القبائل التي تنتشر في هذه المنطقة من العشائر التي وفدت من السودان، حيث إن هنالك عشائر أخرى انداحت من جنوب تشاد أيضاً من نفس القبائل، أما التواجد الآخر للمسلمين في المنطقة الغربية المتاخمة لدولة الكاميرون حيث التواجد الكثيف لكل من قبائل الفلاتا والبرنو والكانمبو، حيث استقرت مجموعات كبيرة من قبائل الفلاتة أثناء هجرتهم إلى الحج من المناطق الحدودية إلى شرق البلاد حيث حدود جمهورية السودان في شريط طويل يمر بالعاصمة وتنتهي في الحدود، تقل النسبة من مدينة إلى أخرى، ولكنهم في المدن الغربية يعدون الأكثرية المسلمة هناك، وفي الشمال أيضاً توجد قبائل الباقرمي، تلك المجموعات التي ساهمت في نشر الإسلام فيما يعرف اليوم بدولة أفريقيا الوسطى وكذلك القبائل المشتركة بين تشاد وأفريقيا الوسطى كالوداي والتاما وغيرها من القبائل المسلمة في الشمال، أو الشمال الشرقي من البلاد.
ـ الخريطة الجغرافية لمناطق تواجدهم في أفريقيا الوسطى
مما سبق ذكره بخصوص التقسيمات العرقية للمسلمين، يتبين لنا بشكل بسيط الخريطة الجغرافية لتواجد المسلمين، والشاهد في ذلك أن تمركز المسلمين يزداد في المناطق الشمالية والشرقية والغربية، ويقل كلما اتجهنا جنوباً.
ـ الخريطة الاجتماعية للمسلمين: الوضع التعليمي والوظيفي والإقتصادي بأفريقيا الوسطى
المسلمون في أفريقيا الوسطى من حيث الوضع التعليمي، فإن المستوى التعليمي ضعيف، وذلك لعدد من العوامل أهمها أن الهيمنة الكنسية للتعليم كانت أحد الأسباب الرئيسة، كما أن هنالك عوامل أخرى، بعضها مرتبطة بوضع المسلمين أنفسهم.
أما الجانب الاقتصادي فإنّ المسلمين كانوا هم الغالبية التي تمسك زمام اقتصاد البلاد، ولذا كانت الحملة موجهة لهم بشكل مباشر في الحرب الأخيرة، حيث دمرت البنية الاقتصادية للمسلمين، ومن ثمّ كان دماراُ لاقتصاد البلاد، ولذلك مع تأزم الوضع الاقتصادي، طلبت فرنسا والحكومة الانتقالية والحالية كبار التجار بالعودة والمساهمة في بناء الاقتصاد، بل خطت الحكومة خطوات كبيرة في اتجاه ذلك بتعيين وزير من المسلمين وزيراً للتجارة، لمعرفتها ومعرفة الدولة المستعمرة بأثر المسلمين في التنمية الاقتصادية في البلاد.
2 ـ المحور الثاني: التعريف بضيف الحوار
أستاذنا الفاضل/ د.محمد البشير.. نرجو التعريف بكم لجمهورنا قبل البدء في الحوار، من خلال:
أ ـ تعريف إنساني واجتماعي ووظيفي ودعوي..
الاسم / محمد البشير أحمد موسى، من جمهورية تشاد، عملت في العمل الخيري منذ أكثر من (16) سنة مع عدد من المنظمات الإنسانية والطوعية، وما زلت عضوا في بعضها حتى الآن، أحمل درجة الدكتوراه في القانون الدولي، باحث في الشأن الأفريقي والقانوني وخاصة القانون الإنساني، لي عدد من المؤلفات التي تعنى بالشأن الأفريقي، مثل كتاب : ” تشاد مقاربة لبناء دولة حديثة “، مسلمو أفريقيا الوسطى ـ ألم وأمل ” وغيرهما من المؤلفات، بالإضافة إلى عدد من المقالات المنشورة في عدد من المجلات الإسلامية والصحف .
ب ـ ما هى أهم المهام التي تقومون بها حالياً؟
إدارة عدد من المنظمات الإنسانية في كل من أفريقيا الوسطى، وزيمبابوي، وجمهورية تشاد .
ج ـ وما هى أبرز المسئوليات التي قمتم بها سابقاً؟
الإشراف على المؤسسة التشادية للتعليم والتدريب والتنمية البشرية.
المشاركة الثانية.. من: Bassam Hassan ـ وتتضمن ثلاثة أسئلة:
3 ـ ما تقييمكم لدور الدول والمؤسسات الإسلامية في التعاطي مع أزمة المسلمين في أفريقيا الوسطى؟
بحمد لله وتوفيقه ومن ثم بتعاون المنظمات الإسلامية الطوعية كان الاهتمام من قبل عدد من الدول الإسلامية بهذه القضية وكانت مواقفها مشرفة سواء أكانت من دول الجوار لدولة أفريقيا الوسطى أم دول الخليج وغيرها من الدول الإسلامية، بل خروج آلاف من المسلمين من ماليزيا إلى السنغال في مسيرات تضامنية كانت لها الأثر الأكبر في رفع معنويات المسلمين هناك وخاصة في مخيمات اللوجوء.
4 ـ هل أخطأ المسلمون في أفريقيا الوسطي باستعجالهم السيطرة على السلطة من خلال حركة سيليكا .. أم أن هذه الحركة ليس لها علاقة بالمسلمين وهي مجرد حركة معارضة مسلحة؟
هنالك خلط بين ما تعرض له المسلمون ووصول حركة سيلكا إلى سدة الحكم، الأمر كان مخططا له منذ سنوات بل كانت هنالك مجزرة كبيرة للمسلمين في عام 1993م، إلا أن الإعلام حينها لم يتعرض لها لعدم معرفة كثير من المسلمين بهذه الدولة أصلاً، وكذلك عدم توافر وسائل الإعلام الحديثة وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت الدور الأكبر لإبراز المجزرة الأخيرة للعالم؛ لذلك فإن الأمر مخطط له مسبقاً، وهذه الحركة سياسية تناضل من أجل حقوق المناطق المهشمة فيها المسلم وغير المسلم، وليست حركة إسلامية كما يعلن عنها في بعض المنابر من حيث النشأة والتأسيس، حيث كانت حركة لمعارضة، ومأخوذة من الكلمة ” سيلكا ” أي العقد بلغة السنغو المحلية، أي تعاهدوا على إسقاط النظام وهم ذو مرجعيات فكرية مختلفة.
5 ـ كيف يمكن تفعيل دور المسلمين غير الرسمي في التعامل مع مثل هذه الأزمات؟
عبر دعم جهود المنظمات الإنسانية والإعلامية المحلية والدولية وعكس الحقيقة التي تعبر عن الوضع الحقيقي لما يحدث في هذه الأزمة، وعدم التهوين أو التهويل للأحداث، والمساهمة الفاعلة في البرامج والمشروعات التي تسهم في تخفيف الأزمة عن المسلمين، وقد كان للدور الشعبي في العالم الإسلام الأثر الأكبر في تعريف العالم بقضية المسلمين، والدور الإنساني والخيري الذي ساهموا به في نجدة إخوانهم في أفريقيا الوسطى، فنسأل الله رب العرش العظيم أن يتقبل منهم ما قدموه لإخوانهم في موازين حسناتهم.
المشاركة الثالثة.. من: زكريا يونس ـ من أفريقيا الوسطى – بانجي ـ وتتضمن سؤالا:
7 ـ ما هي الرؤية المستقبلة لمسلمي أفريقيا الوسطى، وكيفية انتشالهم من براثن التنصير والذوبان في الثقافة المسيحية بعد التطهير العرقي والتهجير؟
هذا من الأسئلة المهمة، شكر الله الأخ زكريا، لا يخفى عليكم إخوتي الكرام أنّ ما تعرض له المسلمون في أفريقيا الوسطى أمر فظيع وهو بحق جريمة ضد الإنسانية، حيث تمثلت في التطهير الديني، والتهجير القسري، بتواطئ ودعم دولي وإقليمي، وذلك فإن إعادة المسلمين إلى وضعهم السابق يتطلب عدد من البرامج والمشروعات الضرورية، والتي لا تسعف هذه السانحة لعرضها، ولكنها بالإجمال تكمن في النقاط التالية:
- قضية العودة الطوعية، ضرورة أساسية للحفاظ على الكيان المسلم في هذه الدولة.
- التوعية الدينية القوية في مخيمات اللجوء، وخاصة وسط الشباب عبر برامج ومشروعات تسهم في الحفاظ على هويتهم الدينية وتمسكهم واعتزازهم بدينهم.
- إيجاد برامج ومشروعات صغيرة تسهم في ملء الفراغ الذي يعاني منه الشباب في مخيمات اللوجوء ومناطق النزوح حتى لا يكونوا عرضة للمنظمات التنصيرية وخاصة تلك التي تعمل تحت لواء الأمم المتحدة، وتحديداً في مخيمات جنوب تشاد حيث الغالبية العظمى من اللاجئين.
- إيجاد برامج في السلم الاجتماعي بين المكونات الإسلامية وغيرها من المكونات وخاصة في الحي المتبقي للمسلمين ” حي كيلو 5″، حيث ما زالت بعض المجموعات الوثنية والنصرانية تعيش بين المسلمين منذ الأزمة ولم تجد مكاناً آمناً إلا وسط المسلمين، فلا بد من تحقيق التعايش معم.
- بخصوص الشباب في الداخل وخاصة في العاصمة لا بدّ من إيجاد برامج ومشروعات تسهم في تحويلهم من الحالة الثورية التي كانوا عليها بسبب الدفاع عن أهلهم وإخوانهم إبان الأزمة من قبل المليشيا الإرهابية ” أنتي بلاكا” إلى الحالة التي يساهمون في بناء مجتمعهم المسلم، حيث التحويل صعب ويحتاج إلى تضافر جهود عدد من المؤسسات والكيانات، بالإضافة إلى الدولة نفسها، وهؤلاء الشباب اليوم إن لم يتم استيعابهم فقد يستغلون من قبل المنظمات المشبوهة ومن المنظمات التنصيرية أو عصابات المخدرات وغيرها، وخاصة للأسف أن بعض القوات الدولية المرابطة في حي المسلمين تسهم بشكل سيء للترويج للمخدرات والمسكرات وغيرها من الموبقات وسط الشباب المسلم في هذا الحي عبر هذه العصابات.
المشاركة الرابعة.. من: بكر العطار ـ صحفى مصرى مهتم بشئون الأقليات حول العالم ـ وتتضمن 7 أسئلة:
7 ـ بالنظر إلى تاريخ الاستعمار الفرنسى نجد أن أفريقيا الوسطى تعتبرها فرنسا مستعمرة تابعة منذ 1959 تقريبا.. فهل لفرنسا دور فيما يحدث للمسلمين اليوم هناك؟ ولماذا من وجهة نظركم؟
لعل الدور الفرنسي في الأزمة الأخيرة كان بارزاً، بل غطتها قنوات إعلامية فرنسية معارضة إبان الأزمة، وتحشيد الكنيسة ودفعها دفعاً بتحشيد نصارى العالم وعبر التصريحات التي صرّح بها كبير الكنيسة الكاثولويكية في الفاتيكان بأن هناك تطهيراً للمسيحين في أفريقيا الوسطى وأن على العالم نصرتهم، فقد كانت هذه التصريحات وغيرها فرصة للحكومة الفرنسية في التحرك بقوة لإعادة همينتها بعد إحساسها الحقيقي بأن هناك قوى أخرى ستدخل إلى هذه الدولة وتحديداً الصين، ولعل ما كشفته “ويكيليكس أفريقيا الوسطى” – نشرت تحت عنوان : الحرب القذرة الجديدة من أجل اليورانيوم والألماس في أفريقيا الوسطى- عبر وثائق كثيرة تبين الدور الفرنسي والتواطؤ الغربي والدعم الكنسي للأزمة الأخيرة ضد المسلمين في هذه الدولة. ولعل هذه الصورة تعكس بجلاء الدور الفرنسي في ذلك.
8 ـ من المعروف فى أفريقيا الوسطى أن الحاكم يكون نصرانيا كاثوليكيا، وذلك بالنظر إلى نسبة النصارى فى البلاد التى تتجاوز 50%.. فكيف صعد المسلمون إلى الحكم فى عام 2013؟ وهل يوجد نسبة محددة، (جهة رسمية)، لعدد المسلمين فى البلاد؟
لا توجد جهات رسمية معنية بتعداد المسلمين، ولكن من خلال الانتخابات وغيرها من الفعاليات السياسية التي يشارك فيها المسلمون تعرف النسبة عبر الدوائر التي يعد المسلمون فيها أغلبية، كحي كيلو خمسة، وحي مسكين الذي دمر مثلا في العاصمة، أو مدن الشمال ذات الغالبية المسلمة، وهكذا يتم الرصد، ولكن لا توجد حتى نسب للنصارى، وحتى الـ(50) نسبة غير صحيحة لأن أعداد الوثنيين أعلى من النصارى في البلاد، إلا أن الثقافة النصرانية الغربية هي السائدة لذا يحسبون هذه النسبة ولكن لا توجد لا للنصارى ولا للمسلمين جهات ترصد الأعداد الحقيقية، ناهيك عن أن الدولة علمانية لذا لا تكتب الديانة في الأوراق الرسمية.
9 ـ نريد إلقاء الضوء عن الأحداث التى وقعت بين المسلمين والمسيحيين فى 2010، وهل بالفعل كانت هذه الأحدث مختلقة؟ وما هو الهدف من ورائها؟
يصعب في هذه العجالة ذكر التاريخ السابق للأحداث، ولكن يمكن للأخ الكريم مراجعة المقالات المنشورة في كل من مجلة قراءات أفريقية والمجتمع والبيان والبلاغ وغيرها من المجلات التي تناولت الأحداث في بدايتها، وكذلك ما ذكر في هذه المقابلة أعتقد يعطي تصوراً ولو جزئياً عما ذكر في السؤال.
10 ـ هل الإسلام كديانة ليس معترفا بها فى أوساط البلاد؟ وهل يتمتع المسلمون بنفس الحقوق (مدنية وسياسية وعسكرية) كالتى يتمتع بها أصحاب الديانات الأخرى؟
الإسلام في أفريقيا الوسطى معترف به عرفاً وليس قانوناً حيث يحضر معظم الرؤساء أو رؤساء الحكومات الأعياد الخاصة بالمسلمين أي عيدي الفطر والأضحى، كما أنّ المسلمين يعملون في عدد من الدوائر الحكومية ولكن التهميش واضح في التوظيف والدراسة وغيرها، لذا لجأ بعض الآباء بتحويل أسماء أبنائهم في شهادات الميلاد كيوسف إلى جوزيف وغيرها حتى يتسنى له إيجاد فرصة في التعليم ولاحقاً في الوظيفة العامة، فسياسة التهميش التي وضعتها فرنسا مع الكنيسة ظلت سارية وتفاقمت بشكل كبير بعد مرور خمسين عاماً على الاستقلال مما أدى هذا التفاقم إلى الوضعية التي وصلت إليها البلاد اليوم .
11 ـ حصلت فرنسا على تفويض من مجلس الأمن للتدخل في أفريقيا الوسطى، وأصدرت الأمم المتحدة قرارا بتثبيت الحكومة الجديدة (بعد الانقلاب على الرئيس المسلم)، فهل كانت جميع هذه القوات عاجزة عن حماية المسلمين ومنع إرقة دماء المسلمين؟
فرنسا دخلت إلى أفريقيا الوسطى قبل الأحداث في الخامس من ديسمبر، ومن ثم طلبت الشرعية لأعمالها التي قامت بها بعد التدخل والتي كانت في بعضها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية فلا بد من إيجاد شرعية قانونية من مجلس الأمن تحميها من منظمات حقوق الإنسان الدولية، ولم تدخل قوات الأمم المتحدة لوقف إراقة الدماء بل كانت بعضها وحسب تقارير منظمة العفو الدولية متواطئة في إراقة دماء المسلمين.
12 ـ وصلتنا صور ومقاطع فيديو يندى لها الجبين لما يحدث للمسلمين على أيدي عصابات “أنتى بالكا” من قتل وتقطيع للأوتار وحرق المسلمين وهم أحياء، هل هذه الصور صحيحة؟
لا يمكننا الإجابة بـ”نعم” أو “لا” إلا بعد رؤية هذه الصور، نعم كانت هنالك صور حقيقية، ولكن أيضاً بعضها مختلقة اختلاقاً، فيصعب الحكم إلا بعد رؤيتها.
13 ـ هل قدمت منظمات إسلامية (منظمة التعاون الإسلامي ومؤسسة الأزهر وغيرهما) شيئا للمسلمين؟، وما هى الرسالة التى تودون إرسالها لهذه المنظمات والمؤسسات؟
كل المنظمات الإسلامية ساهمت وبشكل كبير جداً في دعم ونصرة المسلمين في أفريقيا الوسطى، ونأمل أن يستمر هذا الدعم، وخاصة فيما يتعلق بالعودة الطوعية للمسلمين إلى الديار التي هجروا منها قسراً، فوضعهم اليوم في المخيمات سيئ جداً حيث أوقفت منظمات الأمم المتحدة وعلى لسان المشرفين على مخيمات اللاجئين دعمها منذ أشهر، ولم يتبق سوى المنظمات الإسلامية التي تساعد بين الفينة والأخرى هؤلاء المحتاجين، ولكي لا تتحول هذه المخيمات إلى معسكرات ثابتة كما في حالة دار فور وغيرها، فإننا من المنظمات الدولية المساهمة الفاعلة في برامج العودة الطوعية للمسلمين .
المشاركة الخامسة.. من: محمد سرحان – صحفي متخصص في شؤون الأقليات المسلمة ـ
15 ـ ما واقع مسلمي أفريقيا الوسطى في الإعلام؟ وكيف يتم تناول أزمتهم في الإعلام المحلي هناك والأفريقي؟ وماذا يجب على الإعلام العربي والإسلامي في ظل ندرة المصادر؟
هذا سؤال مهم جداً، لقد تناول الإعلام العربي والإسلامي هذه الأحداث في بدايتها بشكل جيد جداً ولكن مع توالي الأحداث في مناطق المسلمين الأخرى خفت التغطية لها في بعض القنوات الإعلامية سواء أكانت المكتوبة أم المرئية أم المسموعة، ولعل من الأهمية بمكان تسليط الضوء على واقع المسلمين هنا بين الفينة والأخرى خاصة أن الأزمة لم تنتهِ بعد، خاصة في شقها الإنساني وإن خفت في شقها السياسي والأمني.
16 ـ كيف لمؤسسات كبيرة -مثل الأزهر أو منظمة التعاون الإسلامي- أن يكون لها دور في وقف نزيف دماء المسلمين وحل الأزمة في أفريقيا الوسطى؟
القضية بحاجة لكل جهد ومن كل المؤسسات والمنظمات الإسلامية والدول الإسلامية، خاصة أن مفاوضات السلام ما زالت مستمرة حتى اليوم في دولة أنغولا بين الحكومة الحالية والفرقاء لجلب الأمن والاستقرار في البلاد؛ فالمسلمون هناك بحاجة ماسة لدور هذه المؤسسات وغيرها لتعزيز ما ذكرناه سابقاً من تفعيل الدور الإنساني وخاصة في موضوع العودة الطوعية وإعادة التعمير القرى والمساجد وغيرها من ممتلكات المسلمين، وهذا الدور أعتقد أن منظمة التعاون الإسلامي والدول الإسلامية الكبيرة لقادرة على أدائه بشكل كبير والمجتمع المسلم هناك بحاجة لمثل هذا أكثر من أي شيء آخر في الوقت الراهن.
17 ـ برأيك كيف ترى مستقبل مسلمي أفريقيا الوسطى أولا من حيث حل الأزمة ووقف الانتهاكات؟
مستقبل المسلمين في أفريقيا الوسطى مزدهر جداً بإذن الله تعالى، خاصة أنّ الأزمة من حيث الجانب السياسي في طريقها إلى الحل، وأن وضع المسلمين لن يكون كما كان قبل الأحداث الأخيرة.
أما الوضع الإنساني فمع الظروف الصعبة التي يمرون بها في المخيمات ومناطق اللجوء فالأمل بالله تعالى كبير، وأن الاستقرار والهدوء في مناطق تواجد الغالبية العظمى من المسلمين سيسود عما قريب مع ما تعانيه هذه المناطق بين الفينة والأخرى من تجاوزات من العصابات ذات المنافع الخاصة، وخاصة أن قرب الانتخابات الرئاسية الفرنسية قد يسهم في قوة نشاط هذه العصابات، ولكن إرادة الشعب الأفرووسطي الذي عانى الأمرَّين ستسهم في القضاء على هذه العصابات، ولعل المفاوضات الجارية اليوم والتي قد تفضي إلى تشكيل حكومة وحدة جديدة لتسهم بإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع البد بإذن الله تعالى.