بين القصف العشوائي للقوات العراقية والتحالف الدولي لعناصر “تنظيم الدولة” الذين يتحصنون في المنازل بالشطر الغربي من الموصل، يجد المدنيون أنفسهم عالقين بين نيران الطرفين التي تسقط منهم الجثث فتخلق لديهم أزمة أخرى.
شهاب عايد الذي كان يدفع عربة تحمل جثتي ابنه وزوجته الملفوفتين ببطانية بمساعدة عدد آخر من الرجال لدفنهما، يقول: إن مقاتلي “تنظيم الدولة” يطلقون النار من بيتنا، فتأتي الغارات بعد 15 دقيقة.
وجاءت أربع عربات أخرى خلف عربة عايد وهي تحمل جثثاً قال الرجال الذين يدفعونها: إن أصحابها قتلوا في غارات جوية أوقعت 21 قتيلاً في منطقة كان يسيطر عليها “تنظيم الدولة” الأسبوع الماضي.
جثث من وسط الركام
ويقول عايد لـ”رويترز” وهو يذرف الدموع: أخرجنا الجثث من وسط الركام والآن سندفنها ثم أعود لبناتي الثلاث الباقيات.
وتابع أن روائح تحلل الجثث بدأت تفوح، لكن الوضع لم يصبح آمناً بما يكفي لمغادرة الحي سوى الآن بعد اختفاء مقاتلي التنظيم منه.
ويدفع الرجال العربات التي تحمل الجثث تجاه مطار الموصل حتى تذهب بها حافلة نقل الجثث إلى أقرب قرية لدفنها.
وقد أبدت جماعات حقوقية قلقها لتصاعد أعداد القتلى في صفوف المدنيين، إذ يقاتل مسلحو التنظيم من البيوت والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ويرد الجيش العراقي والتحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة على هذا التهديد باستخدام أسلحة ثقيلة لدعم القوات على الأرض.
غارات تقتل المدنيين
وقال محمد محمود ضابط الشرطة السابق البالغ من العمر 40 عاماً لـ”رويترز” في منطقة أخرى من الموصل: عندما يرى التحالف قناصاً على بيت تمر خمس أو عشر دقائق قبل قصف البيت.
وأضاف مستخدماً اسماً شائعاً للتنظيم: لكنهم لا يقتلون مسلحي “داعش”، فـ”داعش” ينسحبون والغارات تقتل المدنيين، أسراً بأكملها.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”: إن المعركة التي تستهدف السيطرة على الشطر الغربي من الموصل أقذر وأشد فتكاً بالمدنيين من معركة استعادة الشطر الشرقي التي اكتملت فصولها في يناير الماضي.
وقالت المنظمة الحقوقية: إن وحدات وزارة الداخلية العراقية استخدمت في الآونة الأخير صواريخ غير موجهة في غرب الموصل.
وأضافت في بيان أن طبيعتها العشوائية تجعل استخدامها في المناطق المأهولة بالمدنيين انتهاكاً خطيراً لقوانين الحرب.
وتقول جماعة “إيروورز” التي يديرها صحفيون لمراقبة الخسائر البشرية في صفوف المدنيين: إن ما لا يقل عن 2590 مدنياً قتلوا على الأرجح بنيران التحالف منذ عام 2014م من بينهم عشرات بالموصل في الأسبوع الأول من مارس الجاري وحده.
وتحدثت أسر هاربة من الموصل في الأسابيع الأخيرة عن ارتفاع أعداد القتلى من المدنيين بالغارات الجوية، وقالت: إن مقاتلي التنظيم يفرون في كثير من الحالات قبل أن تسقط القنابل.
ويعترف التحالف الذي يدعم القوات العراقية بالقوة الجوية والمستشارين العسكريين بالتسبب في وفيات “غير مقصودة” بين المدنيين.
وتبين الشواهد أن مستوى التدمير أكبر حيث سويت عشرات المنازل بالأرض، وامتلأت طرق بالحفر الكبيرة من جراء الضربات الجوية.
وفي حي المأمون حيث الدمار الواسع، كان أحد الرجال يسير بتثاقل الثلاثاء الماضي في طريق يغطيه الوحل بحثاً عن أكياس للجثث.