ظاهرة الوقوع بأخطاء طبية أصبحت جزءاً أساسياً من سياسة الإهمال الطبي المتفاقمة والتي يدفع ثمنها الأسرى من صحتهم وحياتهم في سجون الاحتلال، فهذا الخطأ الطبي أدى إلى مرض مزمن وخطير في جسد الأسير، ولا يتم محاسبة الطبيب عما اقترفه بحق الأسير المريض.
ومن جملة المطالب في يوم الأسير الفلسطيني التي تم تقديمها لمصلحة السجون مع بدء معركة الأمعاء الخاوية سبعة مطالب تتعلق بالملف الطبي، وحازت على نصيب الأسد من مجموع المطالب.
أخطاء بهدف القتل
المحرر محمد التاج من طوباس أمضى 15 عاماً في السجن وخرج منه بمرض في الرئة والقلب، يقول لـ”المجتمع” في يوم الأسير الفلسطيني: تمارس مصلحة السجون الصهيونية سياسة الإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى من أجل قتلهم والخلاص، ومن ضمن هذه السياسة الأخطاء الطبية؛ حيث إن العشرات من الأسرى قد أصابتهم الأمراض المزمنة مثل مرض الكبد الوبائي من خلال عيادة الأسنان، حيث لا يتم تعقيم الأدوات الطبية المستخدمة، بالإضافة إلى حالات عديدة من الأسرى أصابتهم أمراض خطيرة نتيجة تشخيص خاطئ للمرض، وتناول أدوية مخالفة للحالة المرضية مثل أمراض القلب والرئتين والمعدة، وتبين بعد ذلك تأثير كبير للأدوية المستخدمة على سوء الحالة الصحية وتفاقم المرض، مع العلم أن أطباء مصلحة السجون غير مسجلين في وزارة الصحة “الإسرائيلية”، ويتلقون تعليماتهم مباشرة من استخبارات السجون، وينفذ ما يملى عليه دون تردد لأنه جزء من إدارة السجن ويشارك في قمع الأسرى.
التاج.. مثال صارخ
وأضاف: يمكنني أن أستعرض حالتي كأحد الأسرى الذين أصيبوا بالمرض داخل السجون، حيث إنني كنت معافى قبل السجن، وبعد تعرضي للرش بالغاز المسيل للدموع والضرب بالهراوات في العام 2004م صار عندي مشكلة في الرئتين، وعند مراجعاتي لعيادات السجون على مدار عشر سنوات وتفاقم المرض إلى درجة تلف الرئتين بالكامل لم يتم تشخيص حالتي بالشكل الصحيح، بل إصرار من الأطباء بعدم وجود مشكلة، إلى أن دخلت في غيبوبة بانقطاع النفس؛ مما اضطرهم لنقلي لمشفى خارجي، وتبين أن لديَّ مرض تليف الرئتين بنسبة 85%، والحل الوحيد إما زراعة رئتين أو الموت المحقق خلال فترة أقصاها 8 شهور، ومن هنا فإنني أقول: إن ما تمارسه مصلحة السجون بحق الأسرى من أخطاء طبية وإهمال متعمد هي سياسة ممنهجة تهدف إلى قتل الأسرى والخلاص منهم.
أطباء متدربون
وفي تقرير صادر عن هيئات حقوقية، تبين أن معظم الأطباء العاملين في مصلحة السجون هم من المتدربين الذين لم يحصلوا على إجازة طبية، ويتم إرسالهم للتدريب بعد تخرجهم في الجامعات إلى السجون، ودون رقابة عليهم؛ حيث يقومون بعملهم في عيادات السجون وفي عيادات مراكز التحقيق والتوقيف؛ ما يؤدي إلى وقوع أخطاء طبية عديدة بحق الأسرى على يد هؤلاء المتدربين الذين جعلوا من أجساد الأسرى حقول تجارب وأداة للبحث العلمي بكل ما يعني ذلك من خطورة قصوى على حياة وصحة الأسرى، وانتهاك كبير لكل مبادئ وقوانين حقوق الإنسان.
استخفاف
المحرر محسن شريم المريض بالسكر والضغط وارتفاع نسبة الدهون يقول لـ”المجتمع”: إن الأطباء العاملين في السجون يتعاطون باستخفاف مع الأسير المريض، حيث يقدمون له العلاج دون تشخيص أو فحص، وأحياناً بالنظر عن بُعد ودون استخدام أدوات طبية، وأصبحت المسكنات هي الدواء السريع والسحري المقدم للأسير المريض.
وأضاف أن مهنية الأطباء العاملين في مصلحة السجون تحتاج إلى وقفة جدية وإثارة قانونية وتدخل من قبل نقابات الأطباء ومنظمة الصحة العالمية؛ لأن انتشار الأمراض وتزايدها في أجسام الأسرى وتقديم علاجات خاطئة جعلت من الأمراض البسيطة أمراضاً مزمنة وقاتلة على يد العاملين في الجهاز الطبي في مصلحة السجون “الإسرائيلية”.
الأسير رهينة
ويقول الإعلامي المحرر د. أمين أبو ورده لـ”المجتمع”: ظاهرة الأخطاء الطبية وانعدام المهنية الطبية لدى الأطباء في سجون الاحتلال تجعل حياة وصحة الأسير رهينة لأطباء غير مختصين أو متدربين، وقد افتقدت مصلحة السجون أطباء مختصين في أمراض القلب والسرطان والكلى والعظام والأمراض النفسية والعصبية؛ ما يضطر إدارة السجون إلى تحويل الأسرى المرضى إلى مستشفيات مدنية أو إلى مستشفى الرملة، وهذا الإجراء يمتاز بالبيروقراطية والمماطلة والانتظار على الدور لإجراء الفحوصات والعمليات الجراحية.
وأضاف: ما يحدث للأسرى المرضى المصابين بأمراض الصرع والاضطرابات النفسية دليل واضح على غياب أطباء مختصين في هذا المجال، حيث يتم زجهم في زنازين انفرادية بائسة والتعامل معهم كحيوانات وبوحشية ودون وضعهم في مستشفيات خاصة وإشراف من مرشدين اجتماعيين ونفسيين.
تجارب قاتلة
ولفت أبو وردة قائلاً: لا يمكن أن نعزل تصاعد ظاهرة الأخطاء الطبية بحق الأسرى في سجون الاحتلال عن ظاهرة إجراء التجارب الطبية على الأسرى والتي كشف عنها عام 1997م على يد النائب في “الكنيست” داليا إيتسك، وقيام وزارة الصحة بإجراء تجارب لأنواع مختلفة من الأدوية على الأسرى ومنح تصاريح لشركات الأدوية “الإسرائيلية” بالقيام بذلك، وأعلن حينها عن ألف تجربة لهذه الأدوية أجريت على أجساد الأسرى سراً.
ضحية
ما جرى للأسير المحرر ثائر عزيز محمود حلاحلة (34 سنة)، من سكان خاراس قضاء الخليل، تعبير نموذجي صارخ على ظاهرة الأخطاء الطبية القاتلة في سجون الاحتلال؛ حيث أصيب بمرض الكبد الوبائي.
يقول المحرر ثائر في يوم 12/ 4/ 2013م: نقلت إلى قسم التحقيق في سجن عسقلان، وهناك تم نزع جميع ملابسي، وتم إعطائي ملابس رديئة ذات رائحة كريهة، ومن ثم أخذت مباشرة إلى كرسي التحقيق واستمر التحقيق معي بشكل متواصل وعنيف، وقالوا لي: نريد أن نثأر منك، وأثناء التحقيق شعرت بآلام في الجهة اليمنى من البطن وآلام في الظهر والأسنان، ورغم إلحاحي أكثر من مرة على المحققين لأخذي إلى طبيب فإنهم كانوا يرفضون تقديم العلاج لي، وكانوا يساوموني على الاعتراف مقابل تقديم العلاج.
دواء بدون تحسن
يواصل المحرر ثائر حديثه قائلاً: في تاريخ 16/ 4/ 2013م شعرت بآلام حادة في الأسنان والبطن؛ مما دفع المحقق المسؤول لاستدعاء الطبيب إلى غرفة التحقيق والذي قام بفحصي وأبلغ المحققين أنني أعاني من آلام في الظهر ومشكلات في الكلى، وأعطاني أدوية لم تحسن من وضعي الصحي بل زاد سوءاً؛ مما دفع المحقق لإرسالي إلى العيادة لإجراء فحص دم لمعرفة سبب الألم، وفي نفس اللحظة توجهت إلى عيادة الأسنان نتيجة تورم في وجهي، فقام طبيب الأسنان بعمل حشوة، وأثناء تنظيف الأسنان لاحظت على الشفاط الذي يسحب الأوساخ آثار دم، فقمت بالاحتجاج على ذلك، إلا أن طبيب الأسنان طلب مني السكوت.
ويضيف: عندما نقلت إلى سجن عوفر طلبت من طبيب السجن فحصي وأكد لي بأنني مصاب بفيروس التهاب الكبد الوبائي من الدرجة الثانية، وبأنه في حال استمر هذا الفيروس فإنه يؤدي إلى تشمع في الكبد؛ وبالتالي إلى الوفاة، ومنذ ذلك التاريخ ذهبت أكثر من عشر مرات إلى مستشفيات هداسا والرملة، ورغم توصيات سبع قضاة عسكريين بتقديم العلاج اللازم لي فإنه لم يقدم أي نوع من أنواع العلاج سوى مسكنات والتي وصل عددها إلى أكثر من ثلاثين نوعاً.