درر ثمينة بملايين الدولارات لا يقدّرها إلا عشاقها وهواة التحف.. هذه هي حال “سوق الجمعة” الكويتية العتيقة التي تقع جنوب العاصمة الكويتية على الطريق الرابط بين ميناء الشويخ ومطار الكويت الدولي والتي يفد إليها في كل يوم جمعة آلاف المواطنين من كويتيين ومقيمين وسياح سواء للشراء أو المشاهدة، ولا تخلو بضائعها أحياناً من تحف نادرة قد تنتهي لمصير أفضل بالبيع معززة بأحد مزادات التحف العريقة في المنطقة والعالم.
وحسب تقارير غير رسمية، يعمل في السوق التي تشتهر أيضاً ببيع الخردة والسلع القديمة نحو 2300 فرد من مختلف الجنسيات أغلبهم من الباكستان والهند ومن بنجلاديش حيث يصطادون التحف النادرة التي يتجاوز سعر بعضها 200 ألف دولار، قبل أن يلج بها أصحابها بوابة البلدية الضخمة المؤدية لباحة السوق الشاسعة.
ولم تعد تقتصر ظاهرة التحف مجهولة القيمة على الأسواق العديدة التي تعمل في هذا المجال بالكويت، إذ إن “سوق الجمعة” أصبحت نشيطة في هذا المجال، فعلى سبيل المثال بيعت قطعة بنحو 350 ألف دولار في مزاد بالسوق منذ فترة قريبة، وفي حالة أخرى وجدت لوحة عالمية نادرة يقدر سعرها بعدة ملايين من الدولارات طريقها إلى أحد التجّار بالسوق، وذلك لجهل صاحبها بقيمتها، وهناك أيضاً تلك العملة النادرة التي بيعت أيضاً بملايين الدولارات قبل أيام ويوجد لها نظير في خزانة بأحد بنوك الكويت.
وتجولت “العربي الجديد” داخل السوق لتستطلع آراء رواد السوق والبائعين، حول هذه الظاهرة.
بداية يقول أحد رواد السوق خالد السعد، لـ”العربي الجديد”: إن هذه السوق لا مجال فيها للغش؛ لأن العاملين فيها لا يحاولون خداع الزبائن؛ لأنهم يودون الحفاظ على أسمائهم وسمعتهم، ويشير إلى أن معظم زبائن هذه السوق يثقون بالباعة المعتمدين الذين لديهم تاريخ طويل مع هذه السوق؛ فلهذا نحرص على الشراء من هؤلاء الباعة لأنهم أهل نصيحة قبل كل شيء.
ويوضح أن الغش التجاري موجود في كل مكان بعد أن توافرت له الأجواء والمناخ الملائم، وتجده يختفي كلما تحلى من في السوق بالأمانة والصدق، وهي حال الغالبية العظمى من أبناء “سوق الجمعة”.
أما صلاح العنزي المعتاد دائماً على شراء مختلف أغراضه من السوق فقال لـ”العربي الجديد”: اعتدت على ارتياد هذه السوق منذ وقت طويل للبحث عن أنواع معينة من ماركات الساعات والإكسسوارات وبأسعار رخيصة، ويضيف أن السوق لها تاريخ طويل ومتعة في التسوق لن يشعر بها إلا محبوها كحال الأسواق المماثلة الأخرى سواء كانت في منطقة كبد أو تلك التي تقام في بعض المقاهي.
ويوضح العنزي أن هذه الأسواق تعد فرصة سانحة أمام من يبحث عن أنواع معينة من الماركات بأسعار مخفضة.
وتمتلئ جعبة خبراء السوق بأخبار وحكايات غريبة عن جهل بعض الأبناء بتراث الآباء، ومنها قصة مجموعة أخوة استغلوا غياب والدتهم لبيع خزانتها الخشبية القديمة قبل أن تسارع الأم بالذهاب إلى السوق فور اكتشافها الأمر، لتفتح بنفسها درجاً استعصى فتحه على البائع الذي اشترى القطعة من أولادها مستخرجة منه ثروة مخبأة من الذهب والأحجار الكريمة، حسب العنزي.
وفي موازاة ذلك يقول أحد التجّار (باكستاني) في السوق محمد الراوي، لـ”العربي الجديد”: إن “سوق الجمعة” قديمة جداً، وفيها ماركات متنوعة وعديدة لأشهر الساعات والأقلام والمسابح والخواتم، وهي عادة ما تستقطب الزبائن أصحاب هوايات اقتناء هذه السلع، ويطالب الراوي بضرورة بناء مظلة كبيرة يجتمع تحتها أصحاب هذه السوق لممارسة عملهم بعيداً عن تأثرات وتغيرات الطقس التي غالباً ما تلحق الأذى والضرر بالناس والممتلكات.
وتعود بعض القطع الفنية سواء الأواني الفضية أو الفخارية أو الصينية، للقرون الماضية، وتحتوي على عدة أختام وتوقيعات ترمز لاسم الفنان أو الصانع وسنة الصنع ونوعية المعدن وبيانات أخرى.
واستطاعت “سوق الجمعة” أن تثبّت أقدامها في مجال لوحات لمشاهير الفنانين العالميين في الآونة الأخيرة لتزخر السوق المحلية من خلال هواتها وشخصياتها المحبة للقديم بالعديد من هذه اللوحات وخاصة لفنانين من عصر النهضة.
ويروي أحد البائعين بالسوق، شمس الدين، لـ”العربي الجديد” قصة دبلوماسي كويتي سابق اشترى في أوائل السبعينيات من البلد الذي كان ملحقاً دبلوماسياً لديه لوحة لفنان عالمي شهير بسبعة آلاف دولار، وهو مبلغ كبير آنذاك، ومنذ بضع سنوات فوجئ بعد عودته من السفر باختفائها من على حائط صالون منزله، واكتشف الدبلوماسي السابق أن مصير اللوحة كان سلة النفايات بعد أن أوقعتها خادمته وهي تنظفها لينكسر إطارها؛ مما دفع بزوجته التي لا تعرف قيمتها إلى التخلص منها، ويؤكد أن اللوحة تساوي الآن عدة ملايين من الدولارات.
أما التاجر أسامة الصالح فيقول لـ”العربي الجديد”: إن هذه الأسواق القديمة تحتاج إلى إعادة نظر وترتيب من قبل البلدية ووضع مظلات صغيرة لهم مقابل رسوم رمزية أفضل من ترك العمالة الآسيوية تعمل بعشوائية في هذه الساحة، وأضاف الصالح: لا بد أن يكون للبلدية دور في تنظيم “سوق الجمعة” كما تنظم الدول أسواقها القديمة والعريقة والتاريخية، ويؤكد أن فكرة إلغاء هذه الأسواق صعبة جداً؛ لأن حاجة الناس لها ملحة سواء كانت على مستوى التجار أو الباعة أو الزبائن، فلهذا من باب أولى تنظيم هذه الأسواق وفرض الرقابة عليها، ويشير إلى أن مثل هذه الأسواق ستساهم في إدخال إيرادات للدولة وتعمل على تنشيط التجارة والحركة الاقتصادية إذا تم تطوير أداؤها.
وتوقع تقرير اقتصادي، حديث، ارتفاع نمو الاقتصاد الكويتي بنسبة قد تتجاوز 4% في عام 2018، وذلك بدعم من رفع الإنفاق الاستثماري الحكومي بالمقام الأول، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط، إذ وصل متوسط سعر برميل النفط إلى نحو 55 دولاراً، ويظهر التقرير الصادر عن شركة “بيزنس مونيتور إنترناشونال” BMI، إحدى الشركات البحثية التابعة لمجموعة “فيتش” الأمريكية والمعتمدة لدى الحكومة الكويتية إيجابية الإنفاق الحكومي خلال العام الحالي، متوقعاً أن تدفع الحكومة الجزء الأكبر من النمو في عام 2017.
ويرى التقرير أن أداء الإنفاق الرأسمالي للحكومة بدا قوياً منذ بداية العام، متوقعاً أن يستمر في قوته وأدائه الجيد خلال الأشهر المقبلة.