يشتاق مسلمو أثنيا لرفع الأذان بمسجد، حتى لو كان بدون مئذنة، في العاصمة الأوروبية الوحيدة الخالية من المساجد، وسط محاولات لعرقلة الحلم منذ العام 2006، تاريخ موافقة السلطات على تشييده.
يقول إبراهيم شريف، رئيس المجلس الاستشاري للأقلية التركية في منطقة “تراقيا” الغربية: إن “اليونان هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي الخالية من مساجد في عاصمتها”، حسب “الأناضول”.
ويستنكر شريف، وهو أيضاً المفتي المنتخب بمدينة كوموتيني (شمال شرق)، اضطرار المسلمين لأداء الصلاة في أقبية غير نظيفة، وأماكن غير صحية.
وبشأن مصير المسجد، الذي وافقت عليه السلطات، أوضح أن “البناء ما يزال مستمراً، وبحسب الخطة كان من المقرر الانتهاء منه بمنطقة (فوتانيكوس)، وسط العاصمة، نهاية العام الجاري، لكن أعتقد أن الأمر سيستغرق سنوات”.
ويلفت إلى أن أعمال البناء ظلت معلقة لفترة، وسط معارضة مستمرة من قبل ضباط في البحرية، وتقديم سكان الجوار لعرائض تعرب عن رفضها لبناء المسجد.
ويتولى اتحاد مكون من 4 شركات، عملية بناء المسجد، بعد أن أقر البرلمان اليوناني في أغسطس الماضي، قانوناً يسمح بإنشاء مساجد رسمية في أثينا لأول مرة منذ أكثر من قرن.
ويقام المسجد في مكان بناء قديم، عائد للقوات البحرية في منطقة “اليوناس” بضاحية “فوتانيكوس” بأثينا.
وتبلغ مساحة المسجد حوالي 850 متراً مربعاً، ومن المقرر أن يتسع لحوالي 350 شخصاً، وهو بدون مئذنة، بميزانية قدرها 887 ألف يورو.
وتسببت العوائق القانونية والبيروقراطية والاعتراضات في تأخير إنشاء المسجد، الذي صدر قرار الحكومة بإنشائه العام 2006.
وبدأت أعمال بناء المسجد فعلياً نوفمبر الماضي، بعد إنهاء احتلال مجموعة يمينية لموقع البناء وإعاقتها أعمال الإنشاء لحوالي 3 أشهر، بدعوى مساعدة المشرّدين وتقديم الخدمات لهم في تلك المنطقة.
ويضطر مسلمو أثينا لأداء الصلاة في المنازل أو 70 زاوية ومصلى صغير منتشرين بالعاصمة.
وستحدد وزارة التعليم والشؤون الدينية في اليونان هيئة إدارة المسجد، بعد الانتهاء منه، على أن يتولى الأمر مجلساً يضم في عضويته اثنين من العاملين في الحكومة وأحد العاملين في البلدية وممثلين عن المسلمين.
وفي أكتوبر الماضي، استنكر وزير التربية والشؤون الدينية اليوناني نيكوس فيليس، عدم وجود مساجد كبيرة للمسلمين في أثينا، معتبرًا المساجد الصغيرة الموجودة فيها “وصمة عار لحقوق الإنسان”.
وشدد على أن إنشاء المسجد الكبير من شأنه أن يحول دون انتشار التطرّف.
المساجد مهددة بالانقراض
في السياق، أشار شريف إلى أن السلطات اليونانية أغلقت مؤخرًا بعض المساجد أو قاعات صغيرة تستخدم لأداء الصلاة في عدة بلديات، منها الإسكندرية، فيرويا، ثيسالونيكي، ديديموتيتشو، ودفروس.
وأضاف أن السلطات تذرعت في قرارها بعدم وجود مخارج للحريق، لافتًا في الوقت ذاته إلى عدم وجود تسهيلات لاستيفاء تلك الشروط.
كما حذر من أن العديد من الآثار العثمانية في اليونان مهددة بالانقراض، بما في ذلك المساجد الأثرية، لاسيما تلك المتواجدة في جزيرتي “رودس” و”كوس” الجنوبيتين.
ونوّه شريف بأن وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) تقوم بإصلاح وترميم العديد من المعالم العثمانية في منطقة البلقان، إلا أنها ممنوعة من القيام بذلك في اليونان.
معارك قانونية
بدوره، قال أوزان أحمد أوغلو، رئيس الاتحاد التركي في مدينة “أسكجه”، بمنطقة “تراقيا”: إن الاتحاد الذي يترأسه، تأسس عام 1927، ومارس أنشطته بصورة قانونية حتى العام 1983.
وأضاف أنه في ذلك العام رفعت السلطات اليونانية دعوى قضائية قضت بإغلاق مؤسسة الاتحاد التركي في “أسكجه”، إلى جانب مؤسستين أخريين للأقلية لاحتواء اسميهما على كلمة “التركية”.
واعتبر أحمد أوغلو أن ذلك يعكس إنكار اليونان للهوية العرقية للأقلية (التركية) وادعائها بعدم وجود أقلية تركية في “تراقيا” الغربية.
وتابع: بعد رفع الدعوى، بدأنا معركة قانونية مطولة، إلا أن الاتحاد التركي في “أسكجه” استنفد سبل التقاضي محلياً العام 2005، عندما أمرت المحكمة الجنائية والمدنية العليا في اليونان بشكل نهائي بحله (حل الاتحاد).
كما لفت أحمد أوغلو إلى أنه في الوقت نفسه (2005) تم رفع القضية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي قضت العام 2008 لصالح الاتحاد التركي، معتبرة أن الحل “ينتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”.
وأشار أحمد أوغلو أنه على مدى السنوات التسع الماضية (من 2008 -2017) ظل مجلس أوروبا يحث اليونان على تنفيذ قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، من دون نتيجة.
وأوضح أنه جرى مؤخراً تقديم مشروع قانون للبرلمان اليوناني من أجل تصحيح هذا الوضع، وحالات أخرى مماثلة، لكن بعد اعتراضات حزب “اليونانيون المستقلون” (يمين)، الذي يشارك في الائتلاف الحكومي، تم سحب مشروع القانون.
وأوضح أحمد أوغلو أن البرلمان اليوناني مرّر مشروع قانون، أعيد تقديمه الأسبوع الماضي، بعد إجراء تعديلات عليه، من شأنه أن يمنع إعادة فتح الاتحاد التركي، أو حتى الاعتراف به.
واستدرك بالقول إنه خلال النقاش على مشروع القانون (المعدّل)، قامت جماعة تطلق على نفسها “فريق الشرطة السامية” بالتشجيع على ممارسة المضايقات والاعتداءات الجسدية ضد أعضاء مجلس إدارة الاتحاد التركي، وبينهم أنا شخصياً.
من جهته، استنكر نجات أحمد، رئيس اتحاد الشباب التركي في مدينة “كوموتيني” (شمال شرق) بمنطقة “تراقيا” تصويت البرلمان اليوناني على مشروع القانون.
وقال: إن هذا يظهر “مجددًا كيف أن كلمة “التركية” بالنسبة لليونان مخيفة وخاطئة”.
وأضاف أحمد أن منظمته تم استهدافها أيضًا لاحتواء اسمها على كلمة “التركية”.
وفي مايو الماضي، دعا المتحدث باسم الخارجية التركية تانجو بيلغيتش، أثينا إلى “احترام هوية الأقلية العرقية للأتراك”، كما حثها على تلبية طلبات فتح مدارس للأقليات والاعتراف بالمفتين المنتخبين من قبل تلك الأقليات.
وتعتبر اليونان الأقلية التركية في منطقة تراقيا الغربية، “أقلية مسلمة” يونانية وليست تركية.
ولا تخلو العاصمة أثينا، من المساجد فقط، لكنها تخلو كذلك من مقابر للمسلمين، ما يضطرهم لدفن موتاهم إما في مقبرة الأقلية التركية في منطقة تراقيا الغربية، أو إرسالها إلى أوطانهم، رغم كلفتها المالية.
وتقدر نسبة المسلمين في أثينا بـ10% من السكان، البالغ عددهم أكثر من 660 ألفاً، في حين يبلغ مجموع المسلمين في اليونان أكثر من نصف مليون، أي 4.77% من مجموع عدد السكان البالغ 11.03 مليون نسمة.