تتواصل الانشقاقات داخل حزب نداء تونس، الذي أسسه الرئيس الباجي قايد السبسي، التي كان آخرها تجميد عضوية رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في الحزب، الأسبوع الماضي، فقد شهدت الأيام الماضية استقالة 8 نواب، وعدد من القيادات الحزبية، لينخفض عدد نواب حزب النداء من 86 نائباً عشية انتخابات 2014 إلى بضع وأربعين نائباً حالياً، والحالة متجهة لمزيد من التدهور ونقص عدد نواب الحزب الذي يقال: إنه ولد كبيراً أو بالأحرى متورماً كما يقول البعض.
وهناك رسائل مشفرة من بعض الوزراء المنتمين للنداء تؤكد انضمامهم لفريق الشاهد على حساب السبسي الابن، مثل وزيرة السياحة سلمى اللومي، ووزيرة الشباب والرياضة ماجدولين الشارني، تفيد الأولى برفض الإقصاء (اللومي رداً على تجميد عضوية الشاهد في النداء) والحفاظ على الاستقرار(الشارني في الرد على نية استقالتها من الحكومة تماهياً مع موقف الحزب).
مخاض عسير
ليس خافياً أن حزب حركة نداء تونس يعيش مخاضاً عسيراً منذ تأسيسه، في 16 يوليو 2012، وقد أسفر هذا المخاض المتواصل عن انشقاقات مستمرة، أبرزها تلك التي عرفها الحزب بعد انتخابات 26 أكتوبر 2014، واستقالة لزهر العكرمي في أكتوبر 2015، وتتالي الانسلاخات من الحزب، ولا سيما الانشقاق الأول الذي قاده محسن مرزوق في ديسمبر 2015، والانشقاق الثاني بزعامة رضا بلحاج في مايو 2016، وما تلا ذلك من استقالات ومشاحنات عصفت بالحزب في عام 2017، وهي متواصلة حتى اللحظة في مقدمتها الخلافات بين المدير التنفيذي للحزب حافظ قايد السبسي، ورئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد؛ مما أثر على شعبية الحزب وعلى سمعته، وهددت ولا تزال تهدد وجوده، كما يؤكد المتابعون لشأن النداء.
وكانت نذر الانتخابات البلدية التي عززتها نتائجها قد ساهمت إلى حد كبير في توالد الانشقاق والشقوق نتيجة للقراءات المتعددة لما حصل في تلك الانتخابات التي حاولت قيادات ندائية الإقناع بتأجيلها وفق المراقبين.
النضال بالعصي
كان يوم 1 نوفمبر 2015 تاريخياً بكل المقاييس، وفق من عايشوا تلك الأحداث، فما حدث في اجتماع المكتب التنفيذي في ذلك الوقت أو ما أسماه البعض بـ”موقعة العصي”، بين شق مرزوق وشق حافظ، كانت لها تداعيات دراماتيكية على الحزب، أو ما عبّر عنه البعض بالتطاحن، ليس عبر المواقف والقرارات فحسب، بل بالتشابك بالأيدي والعصي، وتهديد ممتلكات الغير، وصوّرت وسائل الإعلام في ذلك الحين المشهد وتحديداً الوطنية منها، بأنه قاتم قتامة الطرق المتبعة في حل الخلافات، ولم تجد في ذلك الحين محاولة حافظ قايد السبسي لجمع نواب الحزب في قصر قرطاج حيث رفض وفق المصادر المتابعة 31 نائباً تلك الدعوة، واعتبروها انحيازاً لمجموعة دون أخرى، وأن تدخل رئاسة الجمهورية يعد تداخلاً بين السلطات.
واقترح القيادي خالد شوكات عقد مؤتمر الحزب في ديسمبر 2015 لكنه لم يعقد حتى الآن، وقد تبادلت تلك الأطراف المتصارعة التهم بالمسؤولية عما حدث.
وفي 9 يناير 2016، عقد حزب نداء تونس مؤتمره التوافقي بحضور عدد من قيادات الحزب كحافظ قايد السبسي، وخميس قسيلة، ولزهر القروي الشابي، وحضر المؤتمر نحو 1500 مشارك من القيادات الندائية والقواعد الجهوية والمحلية، كما حضر رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، وزعيم حزب حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، ورئيس الوطني الحر، سليم الرياحي، ورئيس آفاق تونس ياسين إبراهيم، وآخرون، إلى جانب عدد من السفراء، ولم يحضر محسن مرزوق والنواب الذين انضموا إليه وكونوا فيما بعد كتلة الحرة داخل مجلس نواب الشعب، وسجل في المؤتمر تراجع فوزي اللومي، وبشرى بلحاج حميدة، وكان اللومي قد أعلن وقتها الاستقالة من النداء، وكانت بشرى ضمن الـ31 نائباً الذين تمردوا على حافظ قايد السبسي، ورغم الزخم الإعلامي والحزبي والثقل الذي مثله بعض الحاضرين في المؤتمر فإن ذلك لم يمنع 17 عضواً من تقديم استقالتهم من الحزب.
الانطباعية والمصلحية وغياب الآليات
لقد أصبح حزب نداء تونس 5 أحزاب، هم النداء، والمشروع، وتونس أولاً، وبني وطني، والمستقبل، وما تتفرد به هذه الأحزاب تغيّر مواقف قادتها وأعضائها من النقيض إلى النقيض وبـ180 درجة، وهو ما يؤكد أن خلفيات المواقف متعددة وقابلة للأخذ والرد والعرض والطلب، حسب المراقبين، وهو ما جعل الحزب الذي خرج من الانتخابات البرلمانية الماضية بـ86 نائباً لم يبق منهم سوى 48 نائباً فقط، والعدد قابل للتقلص.
ففي الانشقاق الأول سنة 2015 اقتطع محسن مرزوق، الأمين العام لحزب مشروع تونس، 23 نائباً كونوا كتلة الحرة، ثم خرج رضا بلحاج سنة 2016 ب7 نواب، كوّنوا الكتلة الوطنية، ورغم أن بلحاج عاد للنداء مؤخراً فإن حزب تونس أولاً، الذي ساهم في تكوينه، والكتلة التابعة له، لم تقبل العودة.
ويوم الإثنين الماضي، تقدم 43 نائباً بطلب لمكتب مجلس نواب الشعب لتكوين كتلة الائتلاف الوطني، والكتلة قابلة للتمدد على وقع تآكل حزب نداء تونس، كما تقول الكتلة الجديدة.
وكان محسن مرزوق قد رفض العودة للنداء مفضلاً التنسيق على الاندماج، ثم تراجع خطوة أخرى للحياد الذي قد يسبق الانضمام ليوسف الشاهد إذا كانت مصالحه تقتضي ذلك، كما يؤكد مقربون من مرزوق، وكل ذلك في غياب آليات لحسم الخلافات، وحتى الموجودة حالياً غالباً ما يتم الالتفاف عليها وإفراغها من مضمونها وسيطرة ما يصفه البعض بالعقلية الفردية في قيادة الأحزاب والسيطرة على كل القرارات.
هاجس 2019
في العام القادم، تشهد تونس انتخابات برلمانية ورئاسية يستعد لها الجميع وسط ظروف اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية صعبة للغاية، وفي هذا الإطار تتنزل اللقاءات الماراثونية التي يجريها رئيس مجلس نواب الشعب بتفويض من الباجي قايد السبسي مع الفاعلين في حزب نداء تونس، فضلاً عن محاولات إعادة من خرجوا من النداء، بترضيات على حساب بعض الأطراف داخل النداء، فعودة رضا بلحاج كانت على حساب البعض، ولذلك تلقى عملية العودة أو الإعادة رفضاً من قيادات داخل النداء؛ لأن ذلك سيكون على حساب مواقعهم في الحزب وهو أمر محتمل، فقد عبّر القيادي في نداء تونس عبدالرؤوف الخماسي عن رفضه القطعي مثلاً، لعودة بعض المنشقين، معتبراً الحزب قد “تحوّل إلى مزرعة شخصية تدار بعقلية الاستبداد والتفرد بالرأي”.