رغم مرور 173 عاماً على القحط الكبير أو ما يسمّى بـ “مجاعة البطاطا” في إيرلندا، إلا أن الإيرلنديين لم ينسوا معروفا أسداه لهم السلطان العثماني عبد المجيد، عندما مدّ إليهم يد العون وأنقذ حياة الآلاف منهم، في وقت أدار فيه الجميع ظهورهم لهم.
وفي القرن الـ 19 وبالتحديد عام 1845، اجتاحت إيرلندا التي كانت حينها تابعة للإدارة البريطانية، مجاعة كبيرة بات من أهم الأحداث في تاريخ البلاد، وتعرف بـ”مجاعة البطاطا”.
وحملت المجاعة هذا الاسم، لأنها حدثت إثر تلف محصول البطاطا الذي يعد الغذاء الرئيسي للسكان، بآفة فطرية تسمى “اللفحة المتأخرة” أو “فيتوفثورا إنفستنس”، حيث أتلفت ثلث المحصول عام 1845. وفي السنة التالية أتلفت نحو 90% من المحصول الذي يعتمد عليه السكان في غذائهم.
وبلغت المجاعة ذروتها عام 1847 عندما اضطر الشعب الجائع إلى أكل البذور اللازمة للزراعة، قبل أن يتلف مجددا نصف المحصول وفي السنة التالية.
وخلال “مجاعة البطاطا”، اضطر أكثر من مليون إيرلندي للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فيما لم يملك أبناء الطبقة الفقيرة من الشعب سوى البقاء في ديارهم، في مشهد أشبه بالاستسلام للموت.
وفي تلك الفترة الزمنية التي شهدت ذورة المجاعة والتي تذكرها المصادر التاريخية والروايات بـ “الـ 47 الأسود”، امتدت يد العون للشعب الإيرلندي من حيث لم يتوقعوا، من العثمانيين الذين يبعدون عنهم آلاف الكيلو مترات.
عندما علِم السلطان العثماني عبد المجيد، بنبأ المجاعة، قرر إرسال 10 آلاف جنيه إسترليني (ما يعادل اليوم قرابة 8 ملايين ليرة تركية، أي 1.3 مليون دولار) إلى إيرلندا لنجدة شعبها.
مقابل الكرم والجود العثماني، لم ترسل ملكة بريطانيا آنذاك، فيكتوريا، للشعب الإيرلندي التابع لها، سوى ألفي جنيه إسترليني.
ولكي تحافظ بريطانيا على اعتبارها طلبت من الحكومة العثمانية تقليل المبلغ إلى ألف جنيه فقط، فوافق السلطان العثماني على ذلك إلا أنه أرسل إضافة إلى المال ثلاث سفن محملة بالغذاء والأدوية والبذور اللازمة للزراعة.
ونظراً لكون إيرلندا حينها واحدة من مستعمرات بريطانيا، رفضت حكومة الأخيرة السماح لسفن المساعدات العثمانية بأن ترسو في ميناء دبلن، لذا رست السفن بميناء دروهيدا الذي يبعد 30 ميلاً عن ميناء دبلن، وأفرغت حمولتها هناك.
وعقب انقضاء المجاعة، أرسل النبلاء وعامة الشعب في إيرلندا خطاب شكر للسلطان العثماني، حيث أطلع السفير التركي لدى دبلن، لفنت مراد برهان، وكالة الأناضول على نسخة منه.
ويقول الخطاب باختصار ” يتقدم الشعب الإيرلندي والنبلاء الموقعون على هذا الخطاب بجزيل الشكر والتقدير لجلالة السلطان عبد المجيد على كرمه وإحسانه تجاه الشعب الإيرلندي الذي يعاني المجاعة، كما يتقدم بالشكر الجزيل لجلالته على تبرعه السخي بألف جنيه إسترليني لتلبية احتياجات الشعب الإيرلندي والتخفيف من آلامه”.
ومن صور الوفاء والشكر الإيرلندي للعثمانيين، وضعهم الهلال والنجمة (شعار الدولة العثمانية) على شعار نادي دروهيدا لكرة القدم الذي أُسس عام 1919.
أما في مايو/أيار عام 2006 وخلال احتفال بلدية دروهيدا بالذكرى السنوية الـ 800 لتأسيسها، قامت البلدية بتخليد ذكرى هذه الواقعة عن طريق تعليق لوحة شكر ضخمة على جدار مبنى البلدية القديم الذي استضيف فيه البحارة العثمانيين الذين أحضروا المساعدات أثناء المجاعة.
وخلال زيارتها لتركيا عام 2010، أعربت رئيسة إيرلندا، ماري مكاليس، مجدداً عن وفاء وشكر شعبها لتركيا، قائلة: “إن الشعب الإيرلندي لم ينس أبداً هذا الكرم الذي لا مثيل له. الرموز الموجودة في علمكم (الهلال والنجمة) أصبحت شعاراً للمدينة. حتى إننا نرى أيضا هذا الشعار التركي الجميل على زي فريق كرة القدم لدينا”.
وقال السفير التركي لدى دبلن، لفنت مراد برهان، للأناضول، إن آثار الوفاء والشكر الإيرلندي تجاه الشعب التركي، لا يزال مستمراً حتى الوقت الحاضر.
وأشار أنه يلمس ذلك الوفاء في زياراته ولقاءاته المختلفة بإيرلندا.