محاربة الفساد واحدة من أهم مطالب الشارع العراقي، وهي القضية التي كانت على رأس مطالب احتجاجات عارمة شهدها العراق منذ أكتوبر 2019، وأدت إلى سقوط رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، ومجيء مدير المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي بدلاً عنه، في حكومة مؤقتة لقيادة البلاد إلى انتخابات مبكرة مقررة العام المقبل.
وأصدر الكاظمي، مطلع الشهر الجاري، أمراً بتشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد برئاسة فريق حقوقي من وزارة الداخلية يضم كلاً من الفريق أحمد طه هاشم، وعضوية ممثلين عن جهازي المخابرات والأمن الوطني وهيئة النزاهة، على أن تعرض نتائجها على رئيس الوزراء.
كما كلف قوات جهاز مكافحة الإرهاب، التي تضم نخبة الجيش، بتنفيذ القرارات الصادرة عن قضاة التحقيق أو المحاكم المختصة المتعقلة بقضايا الفساد.
ويعد العراق من بين أكثر دول العالم التي تشهد فساداً، بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية، وترد تقارير دولية على الدوام بالهدر والاختلاس.
اعتقال مسؤولين
وعلمت “المجتمع” من مصدر أمني مطلع في العاصمة بغداد، أن قوة أمنية اعتقلت 6 مسؤولين كبار، يوم الثلاثاء الماضي، من بينهم مدير هيئة التقاعد السابق أحمد عبدالجليل الساعدي، في أولى عمليات لجنة التحقيق بملفات الفساد التي شكلها رئيس الوزراء.
وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته لحساسية المعلومات: إن هذه الخطوة ستكون مقدمة لفتح ملفات فساد مهمة وخطيرة أغلقت سابقاً بسبب نفوذ الأشخاص المتورطين بها، مثل سقوط الموصل وقتل المتظاهرين وهدر المال العام وتهريب الأموال إلى خارج العراق.
وأضاف أن اللجنة التي شكلها الكاظمي لمواجهة الفساد أعطت رئيس الوزراء سلطات قانونية وصلاحيات واسعة، حيث منحته المادة (78) من الدستور العراقي هذه الصلاحيات، وكذلك المادة (2) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء لسنة 2019، بالإضافة إلى قانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة 1991.
وتابع المصدر أن الملفات التي ستنظر فيها لجنة مكافحة الفساد ستكون سرية للغاية، ويتم التنسيق فيها مع الادعاء العام العراقي للمطالبة باسترجاع الهاربين والأموال المهربة إلى الخارج التي تقدر بـ500 مليار دولار، وفق اتفاقية الإنتربول الدولي، والتنسيق مع الجانب الأمريكي وفق المادة (27) من اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين الجانبين.
ونوه إلى أنه يمكن لهذه اللجنة أن تحيل الملفات التحقيقية إلى القضاء أو الادعاء العام، ويمكن لمجلس الوزراء التنسيق مع مجلس القضاء في إنشاء محكمة متخصصة، لغرض إجراء التحقيقات والمحاكمات الأصولية.
وختم المصدر بالإشارة إلى أن الكاظمي خوّل لجنة التحقيق بقضايا الفساد، حق طلب أي معلومات متعلقة بالقضايا التي تنظر فيها، من الوزارات، أو حتى من مؤسسات غير مرتبطة بالعمل الحكومي، كما كلف جهاز مكافحة الإرهاب مهمة تنفيذ القرارات الصادرة عن قضاة التحقيق، أو المحاكم المختصة بالمسائل التي تخص لجنة التحقيق في قضايا الفساد.
خطوة جريئة
جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، الذي حظي بدعم أمريكي منذ تأسيسه، ويرأسه الفريق أول ركن عبدالوهاب الساعدي، الذي تم إقصاؤه من قبل رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي بضغوط من فصائل شيعية نافذة، وأعاده الكاظمي للخدمة مع وصوله لسدة رئاسة الوزراء، هذا الجهاز يعتبر نخبة الجيش العراقي، حيث واجه مسلحي “تنظيم القاعدة”، ومن ثم “تنظيم الدولة” (داعش)، وتوكل إليه المهام الصعبة في العادة، وقد اعتبر مراقبون إيكال مهمة تعقب الفاسدين وتنفيذ أوامر القبض بحقهم من قبل الجهاز خطوة جريئة، كما أوكل للجهاز مهمة فرض سلطة الدولة على المنافذ الحدودية والموانئ التي تعاني من سطوة المليشيات المسلحة.
الناشط الحقوقي زياد اللهيبي قال لـ”المجتمع”: إن اختيار الكاظمي جهاز مكافحة الإرهاب لتنفيذ مهمة تنفيذ أوامر ملاحقة الفاسدين وتنفيذ القرارات القضائية خطوة جريئة لتفعيل تنفيذ خطوة مكافحة الفساد، فكل أجهزة الدولة العراقية لها ارتباطات حزبية، ولن تنفذ هذه الأجهزة الأوامر لاعتبارات حزبية.
وأضاف: جهاز مكافحة الإرهاب أكثر أجهزة الدولة العراقية بعداً عن التوجهات السياسية، وبسبب التدريب العالي الذي تلقاه أفراده فهو يملك القدرة على تنفيذ عمليات خاصة بشكل كبير، ويمكنه أن يلاحق شخصيات محسوبة على أحزاب نافذة أو لها حماية خاصة من مليشيات مسلحة.
وتابع اللهيبي: المعلومات المسرّبة تتحدث عن توسيع عمليات الاعتقال والملاحقة في الأيام القادمة، فهناك على الأجندة وزراء سابقون ووكلاء وزارات ومديرون عامون، ومحافظون ورؤساء مجالس حكومات محلية، ونواب في البرلمان العراقي، وبعض الشخصيات المحسوبة على فصائل مسلحة ضمن هيئة الحشد الشعبي.
وأشار إلى أن حالة من التفاؤل سادت الشارع العراقي، خصوصاً في أوساط التنسيقيات التي تنظم المظاهرات، بسبب هذه الإجراءات الجديدة، معرباً عن أمله أن تستمر عمليات مكافحة الفساد بذات الزخم ودون أن يكون هناك استثناءات لجهات وشخصيات محسوبة على أحزاب نافذة هي محل سخط الشارع العراقي، معتبراً أن حصول مثل هذا الأمر سيكون نكوصاً عن الهدف وسيترك أثراً سيئاً لدى الجماهير الغاضبة من حالة التردي التي يعيشها العراق منذ عام 2003.