نعود بالحديث عن الصدق وحوله، فالحديث عن الصدق لا ينتهي، كما أن الحديث عن الكذب أيضًا لا ينتهي، وكما أن الليل والنهار باستمرار، يستمر الليل لنعلم النهار ويستمر النهار لنعلم منه الليل، فكذلك الحق والباطل مستمران لا ينتهيان إلا عند الحق في يوم الحق، فينتهي الحق إلى الجنة والباطل إلى النار.
نعم.. لماذا الصدق؟
لأن للصدق فوائد عظيمة وعديدة تعود على الصادق والصادقين قولًا وعملًا وجوارح، وأهم فائدة من هذه الفوائد العظيمة أن الصدق مع الله تعالى والسعي لرضاه قولًا ونية وحركة جوارحية والتزاًما بما يقول الله تعالى كما بين ذلك بتكامل، وذلك بقوله: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162)، هذا التكامل لا يحصل عليه إلا الصادقون مع الله تعالى من أهل الصدق، ولا شك هذا من أهم فوائد الصدق على الإنسان المؤمن وأعظمها، إنه -الصدق- ينفي عن الإنسان النفاق، وهذا دليل على عدم نفاق المسلم حينما يدخل عليه الشيطان ويوسوس عليه وله أنه مهزوز الدين ومنافق في عمله ويرائي، فالصدق ينفي كل هذه الأمور الذميمة ويثبت المسلم على الحق ونفي النفاق عنه، وهذا ظاهر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ”، والله تعالى يقول في كتابه العظيم وكما ذكرنا سابقًا يؤكد التوافق ما بين التقوى والصدق كعمل وخلق ونتيجة (أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177).
الصدق هو المادة الأقوى والأصلح لتماسك المجتمعات صغرت أم كبرت، وأثره الإيجابي على جميع المستويات؛ على المستوى الأسري أو الكتلي أو المجتمعي عمومًا؛ لأن الصدق يطرد القيل والقال من المجتمعات، ويحاصر الفتن وأهلها ومروجيها، ويقطع الظلال والتداعيات السلبية.
نعم، وبالرزق كما قيل؛ الصدق يزيد الأجر والرزق والبركة ويجلب بفضله الدعاء؛ وهو لا شك ولا ريب طريق الجنة.
الحذر الحذر العمل عكس النية، والحرص الحرص أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى والسعي لمرضاته جل جلاله، وهذا أرقى مراتب الصدق، والصدق له ترابط انسجامي جميل ورفيع بينه وبين الإيمان، وذلك ظاهر وبيّن كما جاء في “الموطأ” للإمام مالك رحمه الله تعالى؛ حيث نفى أن يكون المؤمن إلا صادقًا: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: “نَعَمْ”، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: “نَعَمْ”، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: “لَا”.
إذاً هو ميزان لك أيها المؤمن، فالحذر الحذر الإخلال في هذا الميزان وعدم التعامل معه، فهو دليل إيمانك -الصدق- في ثباتك عليه وتلاشي الإيمان في اهتزازه! ويجب أن تعلم أيها المؤمن أن الصدق لا يأتي هكذا إرسالاً! ولكن يأتي بعد التحري والتريث، وبعد الصمت عند الصمت، والكلام بعد التحري، والالتزام بعدم الحديث في كل ما تسمع، وهكذا تتكون لك ملكة خلق الصدق اكتسابًا تربويًا وجبلّيًا، والصدق لا يكون في محله وموقعه وصدقه الصحيح؛ لا يكون إلا مع الإخلاص كالالتزام بالعهد والوفاء بالوعد؛ يقول تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (الأحزاب: 23)، نعم، لا بد من الإخلاص، وهذا يحتاجه الصدق، والإخلاص نتاج الصدق، فالتشابك والتداخل بينهما كبير، كما يقول أهل العلم في بيان قوله تعالى (وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً {7} لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ) (الأحزاب).
___________________
إعلامي كويتي.