نستكمل الجزء الثاني من مقال «المستشرقون وتأثيرهم على انبعاث الديانة الزرادشتية في التاريخ المعاصر»، ويسلط الكاتب الضوء على المستشرقين وتأثيرهم على النخبة الكردية من خلال الزرادشتية.
إلى نص المقال:
وبخصوص المثقفين الكرد، فإنهم كانوا متأثرين مثل الإيرانيين بقوة بالثقافة الغربية، وعلى صلة مع بعض عملاء فرنسا المنتدبة على فرنسا، يطمحون بدورهم إلى تحويل الكردي (رجلاً كان أم امرأة) إلى شبيه بالغربي المعتبر نموذجاً للإنسان (المتمدن)، وفضلاً عن أن المبادئ “الولسنية” (نسب إلى الرئيس الأمريكي ودورد ولسون) حول تقرير المصير قد وفرت الشرعية للمطالب السياسية للقومية الكردية، فقد وفر تبني بعض المستشرقين للخطاب القومي الكردي شرعية (علمية) للقومية الكردية، التي استمرت في التكون حتى الحرب العالمية الثانية، كما أسهم أوائل المختصين بالكردية من الفرنسيين في صياغة الخطاب الكردي وأمدوه بالأدوات الثقافية والمادية اللازمة(1).
وعلى ما يظهر، فإن الباحث السويسري يقصد المستشرقين الفرنسيين من أمثال روجيه ليسكوت (1914-1975م)، ورجل الدين الدومنيكاني توما بوا (1900-1975م)، والجنرال بيير روندو (1904- 2000م) كان لهم تأثير واضح على البنية الفكرية والأيديولوجية للأخوين جلادت وكاميران بدرخان، فروجيه ليسكو ألَّف كتاباً تحت عنوان “اليزيدية في سورية وجبل سنجار”، وتوماس بوا ألَّف عدة كتب عن الكرد، منها “الكرد والحق”، “معرفة الأكراد”، “مع الأكراد”، وبيير روندو مؤلف كتب عدة، من أبرزها “الأكراد في سورية”، “المطالب القومية الكردية” (1943-1949).. وغيرها.
وفي الواقع، فإننا غالباً ما نصادف ممارسات ومعتقدات في كردستان يصعب التوفيق بينها وبين الإسلام التقليدي، فالقوميون الكرد في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين كانوا مفتونين ومتباهين بتلك الانحرافات عن الإسلام (الدين العربي)، مفسرين ذلك على أنها تمرد الروح الكردية على السيطرة العربية والتركية، على حد تعبير المستشرق الهولندي مارتن فان بيروينسن.
ويستطرد بروينسن بالقول: فخلال سنواتها الأولى كانت المجلة القومية الكردية الشهيرة “هاوار” التي صدرت بدمشق في ربيع عام 1932م بالأبجدية اللاتينية من خلال الدعم الفرنسي، واستمرت في صدورها إلى عام 1943م من قبل الأخوين جلادت أمين عالي بدرخان (1893-1952م)، وكاميران أمين عالي بدرخان (1896-1978م)، وعن علاقة الأخوين بالفرنسيين يشير جوردي غورغاس بالقول: “لقد تحوّل (جلادت) مع أخيه كاميران لاتصالهما الدائم بالسلطات المنتدبة كمخبرين مميزين للفرنسيين”(2).
وكانت مجلة “هاوار” تبدي اهتماماً كبيراً بالزرادشتية على أنها واحدة من مصادر الهوية الثقافية الكردية، ولذلك كانت اليزيدية ذات الجذور الزرادشتية -التي تم اضطهادها لوقت طويل باعتبارهم عبدة الشيطان- تُمّجد من قبل بعض القوميين واعتباره دين الكرد دون منازع، ويضيف باحث آخر دعماً لفكرة بروينسن، بالقول: “.. لم يتراجع آل بدرخان (جلادت، وكاميران) عن إضعاف موقف الإسلام في القومية الكردية باكتشافهم الدين الحقيقي للكرد في اليزيدية، لقد أقام آل بدرخان خطاً وصلةً مباشرة بين اليزيدية والزرادشتية”(3).
وبخصوص اعتبار كاميران بدرخان اليزيدية هي تشويه للزرادشتية، فإنه يقول ما نصه: “إن الدين اليزيدي هو تشويه للديانة الزرادشتية، التي كانت ديانة جميع الكرد”، ولذلك كتب هو وشقيقه كاميران بدرخان عدة أبحاث ومقالات لدعم فكرتهم السابقة عن الزرادشتية، حيث يشير أحد الباحثين إلى تلك الناحية بالقول: “وكتب آل بدرخان مقالات عديدة بالكردية والفرنسية للتعريف ببعض العناصر في الزرادشتية واليزيدية بزعم أنها كانت الديانة الأصلية للكرد، وكان المثقفون الكرد، بعملهم هذا يرمون إلى أهداف عديدة”(4).
ومهما يكن من أمر، فإن الأهداف التي ترمي إليها النخبة الكردية هي دعم أسطورة التواصل بين الميديين والكرد، التي تستند في الأساس إلى النظريات العديدة التي طرحها المستشرقون الأوروبيون حول اعتبار الكرد من الجنس الآري، ففي حين كانت المقالات بالكردية تصر على هذا التواصل لتأكيد انتساب الكرد إلى عائلة الشعوب الهندو أوروبية، وجاءت المقالات بالفرنسية لتشرح الانفراد الديني للكرد، وخاصةً غياب التعصب الذي يعود سببه إلى بقايا الزرادشتية في حياتهم الدينية وفي عاداتهم(5).
ويبدو أن هذه المقالات التي يشير إليها الباحثان الهولندي والسويسري (بروينسن، وغورغاس) هي المقالات التي دبجها كاميران بدرخان في مجلة “هاوار”، في العدد (14) عام 1932م، باللغة الفرنسية تحت عنوان “ملاحظات حول الإنجيل الأسود” (ص 289)، ويقصد بها (المصحف الأسود) الكتاب المقدس لدى اليزيدية، وأعاد صياغتها باللغة الكردية بالأبجدية اللاتينية في العدد (26) عام 1935م تحت عنوان “الشمس السوداء حول تقاليد بلاد الكرد”.
ويخلص كاميران بدرخان إلى نتيجة مفادها أن الكرد أصبحوا من خلال الديانة اليزيدية الورثة المدافعين عن مبادئ الخير والشر، مع وجود الإله الواحد أيضاً، في إشارة إلى الديانة الزرادشتية، ويعترف في الأخير بالقول: “ورغم أن الكرد هم اليوم من المسلمين، فعليهم التصرف حسب التعاليم الزرادشتية”(6).
وحاول الأشقاء من آل بدرخان الادعاء بأن الزرادشتية ونسختها المتبدلة شكلياً، اليزيدية كانت هي ديانة جميع الكرد قبل وصول الإسلام إلى كردستان؛ وذلك لإيجاد علاج لتشرذم المجتمع الكردي، وكانت أسطورة الإيمان المشترك ضرورة لتأكيد وحدة الكرد في وقت كان الكرد مقسمين على معتقدات دينية ومذهبية مختلفة (سُنية، وشيعية، وعلوية، ويزيدية، وأهل الحق، والشبك.. إلخ)؛ ما يضعف إمكانية بناء حركة قومية متحررة من الميول الطاردة، كان المطلوب من الانتساب إلى الزرادشتية السماح لجميع الكرد أن يتمظهروا في ماضٍ أسطوريٍ كان الكرد فيه يشكلون جسماً واحداً، وأن يتجاوزوا خلافاتهم الحالية.
وكان من الممكن أن نرى في ذلك محاولة من آل بدرخان لإضفاء القداسة على اللغة الكردية، واحترامها باعتبارها قلباً للهوية الكردية التي ينبغي الدفاع عنها، ويستخدم اليزيديون في الواقع اللغة الكردية (الكرمانجية) في طقوسهم الدينية، وكتاب اليزيديين المقدس مكتوب أيضاً باللغة الكردية، فضلاً أن الكرد هم حسب الميثولوجيا اليزيدية من أحفاد آدم وحواء، وأن الله ذاته كان يتكلم الكردية: “وقد تحدث الله مع آدم ومع الملك طاووس بهذه اللغة الكردية الرائعة؛ ولهذا السبب كتب الإنجيل الأسود (المصحف الأسود) بالكردية”(7).
وفي عام 1933م، نشر كاميران بدرخان في مجلة “هاوار” 4 صلوات حقيقية غير منشورة قبل ذلك للديانة اليزيدية، وفي عام 1942م نشر أحد القوميين الكرد السوريين (عثمان صبري) في مجلة “روناهي” (النور) التي كانت تصدر في بيروت، بعض المعلومات الجديدة عن اليزيديين في جبل سنجار على لسان بعض شيوخهم المهاجرين إلى سورية(8).
ولكن مع ذلك، فإن المستشرق الفرنسي الدومنيكاني توما بوا ينتقد هؤلاء الكتَّاب القوميين حول تشبثهم باليزيدية كبقايا من الدين الزرادشتي، بالقول: “ولكن أولئك الكتَّاب جميعاً قوميون من الكرد، يعتقدون أن اليزيديين هم بقايا سلالة الدين الزرادشتي والذي جميع الكرد يؤمنون به قديماً، ونتيجةً لذلك فلا علاقة لهم بالإسلام، وهي موضوعة من الصعب تأييدها في أيامنا هذه”(9).
ومن جانب آخر، فإن العديد من المستشرقين والباحثين الأوروبيين يؤيدون فكرة المستشرق الفرنسي الدومنيكاني توما بوا: “إن الأطروحة الأحدث والأعمق عملياً، حول الأصول التاريخية لليزيديين هي أطروحة المستشرق الإيطالي م.أ – غيدي (Guidi)، (نشرت عام 1938م)، وحسب هذ الأطروحة فإن اليزيدية نشأت كرد فعل سياسية دينية موالية للأمويين، شبيهة بالحركة الموالية لعلي التي هي أساس الشيعية، انتقل اليزيديون إلى سنجار، ثم أبعد إلى الشمال بعد ذلك، وتركزت اليزيدية وابتعدت عن الإسلام الأرثوذكسي (أهل السُّنة)، إلى درجة فقدت معها أي قرب منه، لذلك اعتبرت اليزيدية كوثنية تدعي الإسلام، وذلك استفزاز حقيقي سبب فعلاً هجمات نارية من العلماء المسلمين السُّنة والشيعة، ما برر طويلاً القمع الذي عانى منه اليزيديون على يد العثمانيين والقبائل الكردية، وهذا ما يفسر الحظر المتبادل منذ بداية القرن العشرين، بين الكرد اليزيديين والكرد المسلمين”(10).
وعندما رأى هؤلاء المثقفون العلمانيون أن توجيهاتهم وأفكارهم لا تستطيع النفاذ والتسرب إلى المجتمع الكردي في تلك الحقبة؛ لكون الغالبية الساحقة منهم مسلمين ومن أتباع مذهب أهل السُّنة والجماعة، ولأن هذه الأفكار لا تتناسب تلك المرحلة، حيث لم تكن الأحزاب الكردية العلمانية بشقيها الليبرالي واليساري قد تشكلت بعد، حيث يشير المستشرق الهولندي بروينسن إلى هذه النقطة بالتحديد: “ولكن هؤلاء القوميين يشكلون أقلية صغيرة، وأتباع الطوائف المهرطقة (المبتدعة) تتكون فقط من نسبة صغيرة من الكرد، لكن الغالبية الساحقة من الكرد مسلمون، والكثيرين منهم يأخذون الدين على محمل الجد، لقد اكتشف محررو مجلة “هاوار” بأنه ينبغي عليهم أن يغيروا من نبرتها إذا ما أرادوا أن يجدوا حلقة أكبر من القراء؛ لذلك وبدءاً من عام 1941م فصاعداً كان كل عدد يُفتتح بترجمة كردية للقرآن والأحاديث النبوية، والكثير من الكرد العلمانيين الآخرين، قبل ذلك وبعده، اكتشفوا الشيء ذاته لكي يُحدثوا التأثير بين الكرد، وكان ينبغي عليهم أن يكيّفوا أنفسهم مع الإسلام، ولكن ذلك ليس بالأمر السهل إذ كان معظم هؤلاء القوميين يعتبرون الإسلام كإحدى القوى الرئيسة التي تضطهد شعبهم”(11).
ومن جهة أخرى، يذكر أحد الباحثين الأوروبيين أن إضافة الشمس إلى العلم الكردي ما هو إلا تعبير عن الهروب من الرموز المتمثلة للإسلام كالهلال: “إن إضافة الشمس في الحالة الكردية يمكن أن يكون تعبيراً عن الرغبة في إدخال رمز ديني، فبدلاً من اعتماد الهلال المرتبط بالإسلام، فضل القوميون الكرد، على ما يبدو، رمزاً لديانات سابقة على الإسلام مثل الزرادشتية، فالشمس على غرار ألوان العلم، تُقَرِب كذلك الكُرد من الشعوب الإيرانية مع إبعادهم أيضاً، عن الترك والعرب”(12).
كما تجب الإشارة إلى أن غالبية الجيل الأول من الرعيل السياسي الكردي الذين تثقفوا على أبجديات الليبرالية كانوا يضمرون نوعاً من الجفاء تجاه الإسلام كنظام حياة، أما الذين تربوا على الأفكار الماركسية اللينينية التي وردتهم عن طريق أدبيات الحزب الشيوعي السوفييتي وعن طريق الماركسيين العرب من السوريين واللبنانيين، لا سيما وأن الحزب الشيوعي العراقي قد تأسس في مارس 1934م، فإنهم كانوا يضمرون العداء تجاه الإسلام كدين ونظام حياة في آنٍ واحد، وهذا ما انعكس بدوره على أطروحات الجيل الثاني والثالث من هؤلاء المثقفين والسياسيين الكرد.
لذا، فإن الأفكار العلمانية قد غزت المجتمع الكردي مثله في ذلك مثل بقية المجتمعات الإسلامية المحيطة به، لأسباب عديدة قد لا يكون المجتمع الكردي بدعاً في هذا المجال، فضلاً عن ذلك أن الأحزاب الكردية العلمانية بشتى أصنافها من قومية ويسارية (اشتراكية وماركسية) كان لها دور كبير في تعزيز القيم المناوئة للإسلام ديناً ونظام حياة، خاصة بعد سيطرتها على مقاليد الأمور في كردستان العراق اعتباراً من عام 1992م وحتى كتابة هذه الأسطر، ويبدو واضحاً أن الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني (حدك)، والاتحاد الوطني الكردستاني (آوك)، وبعيداً عن صراعهما على السلطة، كانا منهمكين في مواجهة الإسلاميين في نضال خفي حول التوجه الذي يجب أن تتخذه الحركة القومية الكردية، وكذلك حول تحديد هوية وتوجه حكومة إقليم كردستان العراق، فالقيادة الكردية كانت تتباهى دائماً بتزعمها حركة قومية علمانية ديمقراطية، وبالفعل كما يوضح أحد الباحثين العراقيين الماركسيين (فالح عبدالجبار): “فإن الفكر القومي الكردي كان يتميز بصبغة إثنية علمانية تتناقض تناقضاً صارخاً مع الفكر الإسلامي الذي انتشر في العالم العربي.. وأصبحت مقاتلة الإسلاميين المتشددين مشروعاً مشتركاً للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني للفوز بدعم الكرد من ذوي الفكر العلماني، والنجاح في الوقت نفسه في تحسين صورة الكرد في أعين الولايات المتحدة وتوحيد الصفوف معها عشية حرب العراق”.
من جانب آخر، فإن محاولة بعض المثقفين الكرد العلمانيين من ماركسسيين وليبراليين ولا دينيين (لا أدريين) تخليص زرادشت من إيرانيته وفارسيته وإعادة إنتاجه كنبي كردي، لا يقع خارج الصراع الحزبي والمناطقي في كردستان العراق، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية، وتم الدعاية لهذا الغرض من خلال طبع إحدى أقسام الآفستا (الكاثا، الكاتا، الأناشيد) باللغة الكردية– اللهجة السورانية، مع كتب أخرى تخص الزرادشتية على حساب مركز الفردوسي في لندن، ومن المعلوم أن الفردوسي هو صاحب كتاب “الشاهنامة” الذي يعده المثقفون الفرس “قرآن الفرس”، فما علاقة الكرد بالشاعر الفارسي الفردوسي المدفون في مدينة طوس القديمة (مشهد الحالية) الواقعة على الحدود الإيرانية الأفغانية؟
ومن الجدير ذكره أنه تم إدراج صورة العلم الفارسي الساساني (درفيش كاويان، راية كاوه) في مقدمة أحد أقسام الآفستا المترجمة إلى الكردية؛ كدليل على تضامن هؤلاء مع الفرس الساسانيين ضد العرب المسلمين، في إشارة إلى معركة “القادسية” التي استطاع الصحابي ضرار بن الخطاب الفهري من قتل حامل راية درفيش كاويان، ولذلك منحه الصحابي القائد سعد بن أبي وقاص جائزة كبيرة تقديراً لشجاعته.
إن الدعاية للزرادشتية التي قد بلغت اليوم أوجها وأصبحت شعاراً لدغدغة العواطف القومية! ليست في الحقيقة إلا ستاراً لنشاطٍ سياسيٍ مدروسٍ ومخططٍ له حدوده وأبعاده من قبل ايران وأنصارها من بعض الأحزاب الكردية اليسارية وبعض المثقفين الكُرد المعادين للإسلام، الذين يحاولون تسويق الأيديولوجيات الوهمية لملء الفراغ النفسي الذي يعانونه، بدل بناء مجتمعهم على أسسٍ قويمة؛ بعد أن فشلت محاولاتهم البهلوانية الدونكيشوتية للفصل بين الإسلام والكرد، أو على أقل تقدير محاولات زعزعته بزعم أن الإسلام دين العرب؟ وأن الزرادشتية الدين القومي للكرد، وأن عليهم الرجوع إلى أسلافهم، وقد لاقت هذه الفكرة بعض الرواج بعد الهجمات العنيفة التي شنها تنظيم “داعش” الإرهابي على كردستان، في أغسطس 2014م، والاعتراف بالزرادشتية بعد حوالي 7 أشهر، وتحديداً في 19/ 3/ 2015م، وقال مدير العلاقات والإعلام في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان مريوان النقشبندي، في بيان له، في 1/ 12/ 2015م: إن “أتباع الديانة الزرادشتية ظهروا من جديد في كردستان، وقدموا طلباً رسمياً ليكون لهم ممثل في الوزارة، وأن يتم افتتاح معابدهم الخاصة، وإن الأشهر الأخيرة شهدت عودة هؤلاء في الأوساط الجماهيرية والثقافية الكردستانية بشكل محسوس، وهو ما يشير إلى هجرة الكرد المسلمين لديانتهم والتوجه إلى دينهم القديم”، وفق قوله، حيث افتتاح معبد الزرادشتية في مدينة السليمانية، في 19/ 3/ 2015م، ومن المفارقة أن تأسيس معبد الزرادشتية في السليمانية جاء بعد 101 عام من افتتاحها في مدينة طهران عام 1914م.
وفي هذا الصدد، ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 2 مايو 2015م، في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح مجموعة من المشاريع التنموية، بولاية بطمان في إشارة إلى معسكرات حزب العمال الكردستاني: “نملك وثائق تؤكّد قيام القائمين على تلك المعسكرات بتعليم مبادئ الديانة الزرادشتية لعناصرهم، علينا إدراك ذلك بشكل جيد وشرحه لأخوتنا الأكراد..”.
وعلى أية حال، فإن الكردي المسلم لا يرجع إلى الزرادشتية التي عفى عليها الزمن، بسبب كونها ديانة فارسية بامتياز، وأن معظم أو غالبية معابد النيران تقع ضمن المجال القومي الفارسي تحديداً، في أقاليم: فارس، وكرمان، وخراسان، وطبرستان، ومازندران، وكيلان، والديلم، والأجزاء الشرقية من إقليم الجبال جنوب وغرب منطقة الري التي بنيت مدينة طهران على أنقاضها، فضلاً عن ذلك أن الزرادشت الهنود يطلقون على أنفسهم اسم “البارسيين” في إشارة إلى قوميتهم الفارسية.
وختاماً، أذكر الزرادشتيين الجُدُد في كردستان بقول المستشرق البريطاني المشهور أدوارد براون (ت 1930م) المختص بالأدب والتاريخ الفارسي في وصف أوستا (الآفستا؛ الكتاب المقدس للزرادشتيين): بقوله: “.. إنني متى ما رحت أطالع القرآن الكريم أكثر، وسعيت في سبيل إدراك روح القرآن أكثر، التفتُ إلى قدره ومنزلته أكثر.. بينما التحقيق والمطالعة في آوستا مُمِلة ومُتعِبة، اللهم إلا أن يكون الشخص بصدد التعرف على تاريخ الإنسان وأساطيره..”.
_________________________________________________________
(1) جوردي غورغاس، الحركة الكردية التركية في المنفى، ترجمة: جورج البطل، الفارابي – دار ئاراس، بيروت – أربيل، 2013م، ص11 – 12. وجوردي غورغاس باحث متخصص في التاريخ الحديث وعلم الاجتماع ومحاضر في جامعة فريبورغ وجامعة نيوشاتل وعامل في مؤسسة العلوم الوطنية السويسرية على أبحاث تختص بالأقليات في الشرق الأوسط.
(2) ينظر: الحركة الكردية التركية في المنفى، ترجمة: جورج البطل، الفارابي – دار ئاراس، بيروت – أربيل، 2013م، 155.
(3) ينظر: جوردي غورغاس، الحركة الكردية التركية في المنفى، ص247.
(4) جوردي غورغاس، الحركة الكردية التركية في المنفى، المرجع السابق، ص247 – 248.
(5) المرجع السابق، ص247 – 248.
(6) ينظر مقالة كاميران بدرخان في مجلة هاوار، العدد (14) في 1932م.
(7) ينظر: كاميران بدرخان، نبذة حول الانجيل الاسود، مجلة هاوار، دمشق، العدد (14)، 1932م، ص290.
(8) ينظر: توما بوا، اليزيديون وأصولهم الدينية ومعابدهم والاديرة المسيحية في كردستان العراق، ترجمة: سعاد محمد خضر، السليمانية، بنكه ى زين، 2011م، ص20.
(9) ينظر: توما بوا، اليزيديون وأصولهم الدينية ومعابدهم والاديرة المسيحية في كردستان العراق، ص20.
(10) ينظر: جوردي غورغاس، الحركة الكردية التركية في المنفى، ص247، الهامش (2).
(11) ينظر: مارتن فان بروينسن، الكرد والإسلام (2)، الترجمة عن الإنكليزية: راج آل محمد، موقع مدارات كرد، في1/5/2013م.
(12) جوردي غورغاس، الحركة الكردية التركية في المنفى، ص241.