منذ أيام، تشهد أسعار المواد الغذائية في موريتانيا ارتفاعاً وصفه المواطنون بـ”الجنوني”، حيث وصلت -مثلاً- نسبة الزيادة على سعر خنشة الأرز من فئة 50 كجم 21%، في حين سجل سعر خنشة السكر فئة 50 كجم زيادة وصلت 6.5%، فيما وصلت الزيادة على سعر الزيت 20 لتراً 36%، وسجل الدجاج زيادة وصلت 66%، مع زيادة معتبرة في أسعار الحليب ومواد أخرى.
ويأتي هذا الارتفاع القياسي في ظل توسع رقعة جائحة كورونا في موريتانيا، وحظر التجوال، وضعف دخل الفرد وانتشار البطالة، وقد قُوبل ارتفاع الأسعار برفض شعبي واسع، حيث أطلق مدونون موريتانيون هاشتاك #ماني_شاري (لن أشتري)، من أجل التعبير عن رفضهم لهذه الأسعار المرتفعة، ومحاول إرغام المحلات التجارية على تخفيض الأسعار مراعاة لظروف المواطن الصعبة، خاصة في ظل جائحة كورونا التي أثرت على كل قطاعات الدولة، وعلى رأسها القطاع الاقتصادي.
الارتفاع يولد الارتفاع
من أبرز النكت الساخرة التي يتداولها الموريتانيون في هذا السياق أن المحلات التجارية في موريتانيا عندما تقوم برفع سعر أي سلعة يصبح من المستحيل أن تعود للسعر السابق حتى ولو انخفضت عالمياً، وبالتالي فإن المواطن (المشتري) يكون أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن تبقى السلعة على نفس السعر (المرتفع)، وإنما أن يتسبب الارتفاع الحاصل في ارتفاع جديد لسعر السلعة، وقد دأبت المحلات التجارية في البلاد على سياسة “الارتفاع يولد الارتفاع” حتى أصبح المواطن شبه متعوّد عليها لوقوعها من حين لآخر.
وفي هذا السياق، قال الخليل ولد خيري، الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني: إذا لم تتدارك وزارة التجارة الوضع فقد يخرج عن السيطرة، فالأسعار غالية جداً ولا ينفع معها إلا الدعم الشامل للمواد الغذائية الضرورية والضرب بيدٍ من حديد المحتكرين والمضاربين، ولا بد من مراجعة الآليات المتخذة في سبيل كفح جماح غول الليبرالية المتوحشة، وقانون العرض والطلب السائد، ففي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم نحتاج لقرار شجاع يأخذ بعين الاعتبار ظروف المستهلكين من الطبقة المتوسطة، أما المعدمون وأصحاب الدخول المتدنية والقوة الشرائية الضعيفة فلا بد من سياسة توزيع مجاني ولو بشكل مؤقت، فالوضع صعب جداً.
ارتفاع غير مقنع
وبمناسبة ارتفاع الأسعار المفاجئ، أصدر حزب تواصل المعارض بياناً قال فيه: في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يواجهه المواطنون بسبب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تأثيرات جائحة كورونا، جاء الارتفاع الكبير لأسعار بعض المواد الغذائية الأساسية ليزيد الحال صعوبة، وذلك في الوقت الذي لا تحرّك فيه السلطة ساكناً ولا تُقدّم تفسيراً مقنعاً لهذه الزيادات التي لم تقتصر على مادة واحدة، وإنما شملت أغلب المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها المواطن في يومياته، وفي الآن ذاته تصر الحكومة على تثبيت أسعار المحروقات رغم انخفاضها المستمر في العالم.
وحمَّل الحزب في بيانه الحكومة الموريتانية المسؤولية التامة عن هذه الزيادات في أسعار المواد الغذائية، وطالبها باتخاذ التدابير اللازمة لخفض الأسعار حتى تتماشى مع القدرة الشرائية المتدنية للمواطنين، وبضرورة تخفيض أسعار المحروقات لما لها من تأثير مباشر على أسعار المواد الغذائية ومختلف جوانب الحياة، وزيادة الأجور وتوفير فرص العمل لكي يتسنى للمواطنين تحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم في ظل تردي الوضع المعيشي، كما دعا الحزب السلطات الرسمية إلى وضع استراتيجيات وطنية جادة وطموحة للأمن الغذائي، وتوفير حاجيات البلاد من المواد الغذائية الرئيسة.
دعوة لإقالة الوزيرة
وللحد من ارتفاع الأسعار، أطلق مدونون موريتانيون هاشتاك “#ماني_شاري” (لن أشتري)، انتقدوا من خلاله الحكومة وطالبوا المواطنين بمقاطعة الشراء من المحلات التجارية حتى تخفض الأسعار، كما طالبوا بإقالة وزيرة التجارة والصناعة الناها بنت مكناس، حيث قال المدون حامد حبيب: للأسف جنون الأسعار هذا يستوجب يقظة وردة فعل حقيقية وهذا أمر طبيعي، فهذه الوزيرة التي حافظت على هذا المنصب لأكثر من عقدين من الزمن متنقلة من منصب لآخر، مما يؤكد أن لا مؤهل لها إلا تلك التركة التي خلّف والدها رحمه الله، ويبدو أنها محصنة من المدونين والصحافة والبشمرگة، وإلا لما عاصرت كل الأنظمة وشغلت غالبية الوزارات، ولا بصمة ولا أثر في أي وزارة. من جانبه، قال محمد فاضل حميلي: أسعار المواد الغذائية ترتفع بشكل جنوني وحكومة العجز والفشل تتفرج إن لم تكن تتآمر، ارفعوا أصواتكم بالرفض، كفاكم من دفن الرؤوس في رمال الاستسلام، لا تنتظروا رفع ظلم أقررتموه بالسكوت عليه، وتذكروا أن الحقوق تنتزع، ومن استمرأ المذلة حسبها قدراً فعاش جائعاً ذليلاً، بلا خبز وبلا كرامة.
ارتفاع الحديد والإسمنت
بدوره، قال سيدنا محمد الهادي: ارتفاع الأسعار طال كل مناحي الحياة حتى أسعار الإسمنت، الذي يُصنّع محلياً و70% من مكوناته محلية والطاقة يوجد منها فائض والمصانع ستة، ارتفعت وكذلك الحديد.. أين رئيس الجمهورية؟ وتعليقاً على ارتفاع الأسعار في العاصمة الاقتصادية نواذيبو، قال المدون حبيب الحاج: المواطنون يواجهون ارتفاعاً جنونياً للأسعار في مدينة نواذيبو، قبل فترة بشرت “المنطقة الحرة” بوضعٍ جديدٍ في المدينة كانت أبرز عناوينه توفير الظروف الملائمة لانتعاش اقتصادي واجتماعي، لينتهي المطاف بنا -بعد قرابة عقد من الفساد والإفساد- إلى التضييق على الحريات، وارتفاع الأسعار، وانعدام الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء!
تأثير الشحن البحري
بعض المدونين أرجع ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع بعض السلع عالمياً واضطراب الشحن البحري، مشيراً إلى أن وزيرة التجارة متكتّمة على هذه الأسباب لحاجة في نفسها وأعضاء الحكومة، وفي هذا الإطار قال المدون الإمام عبدالله باگيلي: مشكلة الارتفاع الجنوني للأسعار عميقة جداً ومتشابكة، فيها ما يتحمل البنك المركزي مسؤوليته، والآخر بسبب ارتفاع بعض السلع عالمياً واضطراب الشحن البحري، لكن الوزيرة لا تستطيع أن تتكلم عن المشكل بوضوح لسببين: التحفظ الإداري والانسجام الحكومي، وعلى السلطات الوقوف مع المواطن البسيط في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وجشع التجار الذي لا يتوقف، والحل في مقاطعتها أسبوعاً.
ومن الجدير بالذكر أن المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء (تآزر) كانت قد أعلنت، 19 ديسمبر الماضي، عن عزمها توزيع (4 مليارات و725 مليون أوقية) على 210 آلاف أسرة فقيرة في عموم البلاد، بهدف التخفيف من الآثار السلبية للموجة الثانية من جائحة “كوفيد – 19”.