أثار بدء محامين سنّ عقود زواج جديدة عرفية تسمى “زواج التجربة” الذي يقوم على تحديد فترة للزواج في العقد ما بين 3 و5 سنوات على سبيل التجربة، يستمر أو يفترق بعدها الزوجان بحسب التجربة، أثار حالة من البلبلة والغضب في مصر، بعدما أيَّد ذلك البعض، فيما أبدت دار الإفتاء موقفاً مائعاً منها بالحديث عن دراستها، لكن الأزهر حسم الأمر ورفضه، مؤكداً أن عقود الزواج بهذه الطريقة محرمة شرعاً وباطلة وفاسدة.
وزعم المحامي أحمد مهران، الذي نشر عقود توثيق زواج للتجربة عبر حسابه على “فيسبوك”، أن الهدف من هذا النوع من الزواج بعد موافقة الزوجين هو الحد من انتشار الطلاق في المجتمع العربي، والالتزام والحفاظ على كيان الأسرة، واستبعاد الطلاق كحل لأي من المشكلات التي تواجه الزوجين في السنوات الأولى من الزواج، زاعماً أن زواج التجربة هو الأنسب لهذه المرحلة.
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=4375985462428326&id=272403196119927
وتدور فكرة “زواج التجربة” حول أنه عقد مدني ينص على تحديد فترة الزواج لمدة معينة تكون سنة أو سنتين أو أكثر، وفق شروط يضعها الزوجان في العقد، ويمكن للزوجين البقاء لدى أسرتيهما وتحديد موعد لقاء بينهما، على أن يتم الطلاق بعد انقضاء المدة المحددة.
وأغضبت الفكرة المصريين واعتبروها نوعاً من زواج المتعة ويهدم الأسرة وفكرة الزواج الشرعي، فيما أبدى بعض الشباب تأييدهم لها على مواقع التواصل.
الأزهر يُحرّم
ومع استفحال النقاش حول الفكرة وحديث نواب عن السعي لتقنينها عبر قانون، حسم الأزهر الجدال، وأصدر فتوى تؤكد أن “الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به، واشتراط عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة خمس سنوات أو أقل أو أكثر فيما يسمى بزواج التجربة اشتراط فاسد لا عبرة به، واشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مُدة مُعينة يجعل العقد باطلًا ومُحرَّمًا”.
https://www.facebook.com/fatwacenter/posts/3884304591621806
وأعلن بعض علماء الأزهر، في تصريحات لمجلة “صوت الأزهر” الناطقة بلسان مشيخة الأزهر، موقف الشرع من هذا الزواج ومدى التشابه بينه وبين زواج المتعة، وأكدوا أنه مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية.
وقالت مجلة “صوت الأزهر”، في تقرير بعنوان “العلماء عن (زواج التجربة) المؤقت: باطل باتفاق الفقهاء.. والعقد فاسد لانتفاء الشروط الصحيحة”، ضمن ردها في عددها الجديد، على تلك النماذج المتداولة للزواج المقصود، وفندت المجلة أسباب فساد ذلك الزواج.
ونقلت المجلة عن علماء الأزهر موقف الشرع من هذا الزواج؟ وما مدى التشابه بينه وبين زواج المتعة؟ حيث أكدوا أن الإسلام يحث على الزواج وينهى عن التبتل، والزواج من سنن الأنبياء والمرسلين وآية من آيات الله سبحانه، وهو الأسلوب الوحيد الذي اختاره الله، من أجل التكاثر والاستمرار في الحياة ولا يجوز تحديده بزمن.
وأكد العلماء أن “زواج التجربة” أو الزواج المؤقت يصطلح عليه الفقهاء بالزواج بشرط أو الزواج المشروط، وهو في حقيقته زواج مكتمل الأركان، ولكن يفسده وجود شرط ينافي مقتضى العقد وهو تأقيت العقد بمدة معينة، أما باقي الشروط ففيها خلاف اشتراط الزوجة عدم التعدد أو طلاق ضرتها أو عدم منعها من العمل أو ألا يخرجها من بلدها، وكذلك شروط الزوج كعدم النفقة عليها أو عدم التوارث بينهما أو عدم تبني الأطفال.
أيضاً، أفتى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أحمد كريمة ببطلان العقد، واصفاً الفكرة بأنها “عبث واستهزاء بالدين”، وقال في تصريحات صحفية: إن هذا العقد باطل؛ لأن الشرع لا يجيز تحديد مدة للزواج، هذا ليس بعقد زواج، ولن يعتمد لأنه منافٍ للشريعة.
وسخر كريمة من الفكرة قائلاً: هل هناك زواج يتم فيه تجربة الرجل للمرأة؟ أو تجربة المرأة للرجل؟ كأن أي منهما جهاز تكييف اشتراه الطرف الآخر، بالمرة يشتري شهادة ضمان!
الإفتاء: يحمل معاني سلبية
أعلنت دار الإفتاء المصرية أن ما يسمى بـ”زواج التجربة” الذي ظهر مؤخرا بين بعض الشباب يحمل معاني سلبية دخيلة على قيم المجتمع المصري، وأنه وتم استخدامه لتحقيق شهرة زائفة ودعاية رخيصة في الفضاء الإلكتروني.
وحددت دار الإفتاء موقفها من “زواج التجربة” –حسب ما جاء في بيانها الذي نشرته على صفحتها الرسملة على “فيسبوك”- في النقاط التالية:
أولاً: الزواجُ في الإسلام عقدٌ مَصونٌ، عَظَّمه الشرع الشريف، وجَعَله صحيحًا بتَوفُّر شروطه وأركانه وانتفاء موانعه، شأنه كشأن سائر العقود، فالعبرة فيه بالمسمَّى، لا بالاسم، أي: النَّظَر الشرعي لعقد الزواج يكون على مضمونِه لا على اسمه؛ فمِن أَجْل الحُكْم على عقد زواجٍ بالصحة أو البطلان لابد من تَصوُّرٍ صحيحٍ لمضمونه، دون إغراق النَّظَر لحَدَاثة اسمه
ثانياً: ما يُسْمَّى إعلاميًّا بـ”زواج التجربة” مصطلح يحمل معاني سلبية دخيلة على قيم المجتمع المصري المتدين الذي يَأبى ما يخالف الشرع أو القيم الاجتماعية وتم استخدامه لتحقيق شهرة زائفة ودعاية رخيصة في الفضاء الإلكتروني.
ثالثاً: تهيب دار الإفتاء المصرية بجميع فئات المجتمع عدم الانسياق وراء دعوات حَدَاثة المصطلحات في عقد الزواج التي ازدادت في الآونة الأخيرة والتي يَكْمُن في طَيَّاتها حَبُّ الظهور والشُّهْرة وزعزعة القيم، مما يُحْدِث البلبلة في المجتمع، ويُؤثِّر سَلْبًا على معنى استقرار وتَماسك الأُسْرة التي حَرَص عليه ديننا الحنيف ورَعْته قوانين الدولة.
رابعاً: إطلاقُ الناسِ على عقدِ الزواج أسماء جديدة لا يُؤثِّر على صحةِ أو فسادِ العقد؛ فإذا تَمَّ عقدُ الزواجِ بين رجلٍ وامرأةٍ خاليين من الموانع الشرعية مُسْتَكمِلًا لأركانه وشروطه –والتي منها عدم كون الزواج مُؤقَّتًا بمدة محددة-؛ فهو عقدٌ صحيحٌ ويستتبع آثاره وما يَترتَّب عليه من أحكامٍ.
خامساً: اشتراطُ مَنْعِ الزوج مِن حقه في طلاق زوجته في فترة معينة بعد الزواج؛ هو مِن الشروط الباطلة؛ لأنَّ فيه إسقاطًا لحقٍّ أصيل للزوج جعله الشرع له، وهو حق التطليق، فاشتراطُ هذا الشرط إن كان قَبْل عقد الزواج فلا مَحْل له، وإن كان بَعْده فهو شرطٌ باطلٌ؛ فيصح العقد ويبطل الشرط في قول جميع الفقهاء
سادساً: اشتراط ما فيه مصلحة لأحد العاقدَين مما سكت الشرع عن إباحته أو تحريمه ولم يكن منافيًا لمقتضَى العقد ولا مُخِلاًّ بالمقصود منه، ولا مما يقتضيه العقد أيضًا، بل هو خارج عن معناه، كأن تشترط على زوجها أن لا يُخرِجَها مِن بيت أبوَيها، أو أن لا ينقلها من بلدها، أو أن لا يتزوَّج عليها إلا بمعرفتها؛ فمثل هذا النوع من الشروط صحيحٌ ولازمٌ، وَفْق ما يراه بعض العلماء، وهذا هو الأقرب إلى عمومات النصوص والأليق بأصول الشريعة؛ وذلك لما رواه الشيخان عن عُقبَةَ بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَن تُوفُوا ما استَحلَلتُم به الفُرُوجَ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسلِمُون على شُرُوطِهم» (رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه).
سابعاً: تَجَنُّب الخلافات الزوجية لا يكون مَسْلُكه وضع الشروط الخاصة والحرص على كتابتها تفصيلًا في وثيقة الزواج الرسمية، أو إنشاء عقدٍ آخرٍ منفصلٍ موازٍ لوثيقة الزواج الرسمية، بل سبيله مزيد من الوعي بمشاورة المختصين، والتنشئة الزوجية السليمة، والتأهيل للزوجين بكافة مراحله، وهذا هو ما تحرص عليه دار الإفتاء المصرية عبر إداراتها المختلفة في سبيل خَلْق وَعيٍ وإجراءات وقائية لضمان استمرار الحياة الزوجية، وذلك عن طريق عدة دورات متخصصة لتوعية المُقْبِلين على الزواج، وطُرُق حل المشكلات الأسرية.
قصة عقد زواج التجربة
ارتبط اسم “زواج التجربة” بالمحامي المصري أحمد مهران، المتخصص في شؤون القضايا الأسرية ورفع دعوى طلب الطلاق والحصول على حقوقها، الذي بدأ بالمطالبة بهذا النوع من الزواج عبر مكتبه وسرد قصصاً تصله للمطالبة بذلك.
المحامي روي في لقاءات تلفزيونية قصة زواج زوجين مصريين بعد 3 سنوات ولجوء الزوجة للمحامي للشكوى له وطلب الطلاق واتصاله بالزوج للتفاوض معه، بشكل ودي، وتوفير نفقات المحاكم، وانتهي الأمر بكتابة عقد يتضمن مطالب كل من الزوج والزوجة كتب في عنوانه “عقد اتفاق على مشاركة الزواج – زواج التجربة”.
وقال مهران: كانت هذه حيلة للتراضي بينهما، وأفهمتهما أن هذا عقد ملزم، وفسر فكرة التجربة بأننا سنجرب بعض سنتين إلى ثلاث سنوات وسنتطلق.
وأكد أنه ليس عقد زواج مدنياً وإنما شرعي، والبند التمهيدي في العقد يؤكد أنه زواج شرعي رسمي على سُنة الله ورسوله، وأن هذا مجرد عقد مدني ملحق بوثيقة الزواج، وليس له علاقة بالزواج، فقط يكمل الشروط بين الزوجين التي اتفقا عليها حتى يحافظا على البيت ولا يختلفا ويتطلقا.
وأوضح مهران أن الموضوع مبادرة لتقليل فرصة الطلاق، ولا يقصد به الزواج نفسه، وأن الزواج مؤبد وغير محدد المدة كما يشاع، واختار اسماً رناناً لكي يلفت النظر بأنه يمكن أن يوجد حلول بديلة للطلاق تصلح بين الزوجين.
وذكر أن العقد مكتوب فيه عقد اتفاق على الشروط، وهي شروط لاستمرار الحياة الزوجية يضع فيه الطرفان شروطهما للحفاظ على الزواج، وأكد أنه يتفق مع بيان الأزهر بأن الزواج محدد المدة حرام، لكن هذا ليس عقد زواج، وإنما شروط للزواج، بحسب زعمه.