توقفنا في المقال السابق عند بيان المصطفى صلى الله عليه وسلم دقة الشرك الخفي، الذي يتخلل الإنسان دون أن يشعر، وبيَّن صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: “الشرك الخفي كدبيب النمل على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء”، وها نحن نكمل الحديث حول هذا الأمر الخطير والدقيق لبيانه.
لا شك أن الشيطان الرجيم يستدرج الإنسان بخطواته كما حذرنا الله تعالى في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (النور: 21)، نعم هي خطوات، ولعلها تكون خطوات صغيرة تراكمية غير ملحوظة خطوة خطوة، وغير مدببة، ولعله -الشيطان- يتعمد ألا يستفزك عقدياً، ولا يحرك مصداتك الثقافية والعقائدية له بداية، لتكون تبعًا له من غير شعور، وحينها تسير أو يسير الإنسان على أثره وأثر خطواته غير المدببة الناعمة، وما أن ينتبه يجد نفسه قطع مشوارًا طويلًا مع الشيطان الرجيم، وتراكمت عليه مكائد الشيطان دون أن يشعر، نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
والآية الكريمة بينت أنها خطوات، ولعل فيها أيضًا المشوقات والإغراءات والمخفيات من أجل الاستدراج خطوة خطوة، واللفظة دقيقة، وفيها العمق ظاهرًا وضمنًا، وفيها بيان دقة الكيد والتدرج بالانحراف حين الغفلة، أو سهوًا، وجهلًا، وانحرافًا.
الشيطان الرجيم يجيد الدخول على الإنسان في حال الغفلة والشهوة بأنواعها، وطبيعي بالأصل أن الإنسان لا قدرة له على مواجهة الشيطان الرجيم ندًا لند كمخلوق لمخلوق دون الاستعانة بالله تعالى، فالشيطان الرجيم خلقه الله سبحانه وتعالى بقدرات عديدة، قدرات أكثر وأقوى وأقدر من الإنسان، لذلك فالإنسان لا يجاريه في القدرات، ولا يستطيع مواجهته بقدراته الضعيفة، ولا يقدر على المواجهة من غير الاستعانة بالله عز وجل، لأن نسبة مسافة القوة والقدرات بينهما شاسعة، وكلما حاولت أن تواجهه بذاتك الضعيفة تملكك بخبراته وسيطر عليك واستعلاك، وكبر عليك واحتواك، واستدرجك إلى خطواته، لأنك لم تكن بخبرته وبقوته، وقدراتك أقل بكثير من قدراته، ودليل ذلك ما نبهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “لا تسبوا الشيطان، فإنه يكبر حتى يكون كالبيت، ولكن استعيذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنه يصغر ويخنس حتى يكون كالذباب”.
واعلم، أيها القارئ الكريم، أن أهم محور من محاور خطى الشيطان الرجيم أن يكون الإنسان مهلهل التوحيد، أو أصاب توحيدَه خللٌ وغبشٌ؛ فلذلك شرع الله تعالى دخول الإسلام بالشهادتين وكإعلان ولكن.. ما تركها هكذا.
نعم، ما تركها الله تعالى مستسهلة للشيطان الرجيم ليجعلها في وضعٍ غبشٍ فاقدة نقاوة التوحيد إذا جاز التعبير وصح، فلو لاحظنا نجد الله تعالى برحمته الرحمن الرحيم، ومكرًا في الشيطان الرجيم وألاعيبه، نجده سبحانه وتعالى في تشريعاته جل جلاله، ومن رحماته الرحمن الرحيم جعل الإنسان يجدد إسلامه وتوحيده باطراد للتغلب على ما وقع فيه من غبش، وشرك لم يكن يعلمه، ليكون الشيطان الرجيم في موقع الضعف أمام المسلم الصادق المستعين بالله تعالى والمتوكل عليه؛ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30)، ويقول تعالى مبينًا ذلك باستعانتك به أن الشيطان واتباعه سيكونون في حالة أضعف مما تتصور؛ وذلك في أحرج وأصعب المواقف، في الحروب والقتال؛ قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء: 76).
نكمل حديثنا ونختمه في المقال القادم بإذن الله تعالى.
___________________
إعلامي كويتي.