ستظل منطقة الشويخ الصناعية نموذجاً للعجز المصطنع في حل المشاكل التي تواجه خطط الدولة في التنمية والتطوير! منطقة كراجات ومصانع وورش ومخازن في وسط المنطقة الحضرية، التي تحيط بها مساكن الأهالي من كل مكان، قد نجد عذراً لاختيار هذا المكان قبل ستين عاماً، لكن تأخير إزالتها إلى اليوم دليل على أمرين، الأول حجم المشكلة التي تواجه التطوير والتنمية، والثاني حجم الفساد وقوى الفساد في مواجهة القرار الإصلاحي!
وإذا عرف السبب بطل العجب، فالتجار الأوائل ورجال الأعمال استأجروا هذه القسائم بسعر التراب كما يقولون، فالمتر المربع يتأجر من الدولة بمائة فلس، ويتم تأجيره على المستثمر الصغير والمتوسط بعشرة أضعاف المبلغ على أقل تقدير، ولم تفلح جميع محاولات إصلاح الخلل من بعض الوزراء القلائل، الذين حاولوا جاهدين تعديل الميل في المعادلة، لكن قوى الفساد والمصالح حالت دون ذلك، وكم من وزير تجارة طار من منصبه بسبب أنه تجرّأ على تغيير الوضع في الشويخ الصناعية! ومع الأسف مازال البعض من حاشية المتنفذين يكرر أسطوانة: إن رفعت الحكومة الإيجار على التجار سيتم رفع الكلفة على المواطن (!) وهو كلام ينفيه الواقع والمنطق!
البعض من المستفيدين من هذا الوضع يدعي افتراءً أن معظم الشويخ الصناعية مستغلة مباشرة من المستأجر الأصلي، يعني غير مؤجرة بالباطن، ونظرة سريعة إلى شارع كندا دراي والشوارع المتفرعة منه وشارع الزينة وشارع البنوك كلها مؤجرة بالباطن، حتى شارع البيبسي تجد كثيراً من قسائمه تم شراؤها من المستثمر الأصلي بمبالغ خيالية لمستثمرين آخرين، بينما الدولة ما زالت تحصّل مبالغ زهيدة من المستثمر القديم! حتى البديل الثالث الذي أقره مجلس الوزراء في مرحلة سابقة لم ينجح في زيادة حصة الدولة من بيع وشراء وإعادة تأجير هذه القسائم! والسبب ضعف الدولة في مواجهة المستفيد الرئيسي! الكارثة الأكبر أنه تم توزيع قسائم صناعية في صبحان والشعيبة وميناء عبد الله لتكون بديلاً عن هذه القسائم في الشويخ ومنطقة شرق، لكن الملاك تسلّموا هذه القسائم الجديدة، وحافظوا على قسائمهم القديمة في الغالب! فالتخلي عن البقرة الحلوب أمر يصعب التفكير فيه!
ظاهرة الشويخ الصناعية نموذج واضح في ضعف الحكومات المتعاقبة في مواجهة بعض القوى الفاعلة في المجتمع، كما أن مجالس الأمة هي الأخرى لم تتمكن من تغيير هذا الواقع، لأن الحكومة كانت في كل مرة لها الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع!
قرارات لابد للحكومة القادمة من تبنيها إن أرادت كسب ثقة المواطنين في قدراتها وصلاحها، إزالة المناطق الصناعية من المنطقة الحضرية (شرق، والشويخ)، والاستعجال في توزيع قسائم الشدادية الصناعية التي يفترض أنها جاهزة منذ فترة طويلة، لكن القوى إياها منعت إنجازها وأخّرت تنفيذها لمصالحها! الإصلاح الاقتصادي ليس محصوراً في فرض ضرائب على المواطنين، وزيادة أسعار الوقود والكهرباء، والاقتراض لتمويل مشاريع محددة، أبداً، الإصلاح الاقتصادي يكون بتقليل الفجوة بين الغني الفاحش والفقير الذي لا يتبقى من راتبه شيء نصف الشهر، ومن هنا يبدأ الإصلاح، ولنترك من يزين لنا هذا الفحش في العمل التجاري ثم يتباكى على تجارة الكمامات!
_________________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.