وسط انتقادات إعلامية وسياسية، وحتى تململ داخل بعض المؤسسات المعنية من طريقة حديث الرئيس التونسي قيس سعيّد عن محاولة زحزحته من منصبه ولو بالاغتيال، أعلنت النيابة العمومية التونسية عن فتح تحقيق في تصريحات سعيّد الذي أعلن عنها أثناء استقباله لرئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي، ورؤساء الحكومات السابقة بعد الثورة.
ومما قاله حرفيا يوم الثلاثاء 15 يونيو الجاري: إن “من كان وطنياً مؤمناً بإرادة شعبه لا يذهب إلى الخارج سراً بحثاً عن طريقة لإزاحة رئيس الجمهورية بأي شكل من الأشكال حتى بالاغتيال، ألا بئس ما خططوا وبئس ما فعلوا”.
واعتبر كثيرون أنه كان من الأجدر أن يتوجه الرئيس قيس سعيد إلى النيابة العسكرية أو النيابة العمومية لفتح تحقيق حول ما كشفه عن وجود أطراف تسعى لاغتياله.
واعتبروا أن ما صرح به سعيّد يعد أخطر من سابقه؛ مثل قضية الرسالة المسمومة التي أعلنت عنها رئيسة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، ثم أسدل عنها الستار حتى اليوم، ولا سيما بعد أن أعلنت الداخلية التونسية أن الظرف لم تكن به مواد سامة.
وقد زاد من لوم المتابعين للرئيس سعيّد بعد تأكدهم أن مصادره أحد المدونين المقربين منه يسميه البعض بـ”العرّاف”، وليست أجهزة الاستخبارات التابعة للدولة أو حتى الصديقة؛ بل إن مصدرا (جريدة “الشروق” التونسية) ذكرت أن مصادر الرئيس قيس سعيّد “أمني معزول” بتهمة الفساد؛ وهو ما كان محل تندّر من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
القضاء يتدخل
ورغم أن الرئاسة التونسية –كعادتها- لم تطلب تدخل القضاء سواء العسكري أو المدني للتحقيق في القضية إلا أن النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس، قررت الجمعة 18 يونيو 2021م فتح بحث تحقيقي ضدّ كل من سيكشف عنه البحث من أجل “العزم المقترن بعمل تحضيري لارتكاب جرائم قتل لها صبغة إرهابيّة، والانضمام إلى تنظيم إرهابي والتآمر على أمن الدولة”، وذلك في علاقة بتصريح رئيس الجمهورية حول وجود “محاولة لإزاحته من منصبه ولو بالاغتيال”، وفق ما صرّح به الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائيّة بتونس محسن الدالي لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.
وأضاف محسن الدّالي اليوم الجمعة أنّ النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب تعهّدت بالمراسلة الواردة عليها من وزارة العدل عن طريق الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس، والمتعلقة بتصريح رئيس الجمهوريّة الوارد بمقطع فيديو منشور على الصفحة الرسمية فيسبوك لرئاسة الجمهورية في 15 يونيو الجاري، والذي قال فيه: “يوجد من سافر خلسة إلى خارج البلاد التونسية لإزاحته من منصبه حتى بالاغتيال”.
اتخاذ الإجراءات اللازمة
وكان الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف بتونس الحبيب الترخاني قد أفاد، الخميس 17 يونيو، بأن الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف “أذن لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس باتخاذ كافة الإجراءات والتتبع اللازم” حول ما تضمنه تصريح الرئيس سعيّد.
وقد انطلقت هذه الأبحاث إثر الإجراء الذي اتخذته وزيرة العدل بالنيابة التي أذنت يوم الخميس 17 يونيو إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس “بإجراء الأبحاث والتحريات اللازمة لما تم إثارته وما يتم تداوله بخصوص محاولة اغتيال رئيس الجمهورية في 15 يونيو الجاري، والقيام بالتتبع المستوجب على ضوء ذلك”، وفق ما ينص عليه الفصل (23) من المجلة الجزائية التونسية.
“النهضة” دعت للتحقيق
وكانت حركة النهضة سباقة إلى دعوة النيابة العمومية إلى فتح تحقيق فيما صرح به رئيس الجمهورية حول التخطيط لاغتياله، وإطلاع الرأي العام على نتائجه في أسرع الأوقات، مع أهمية الكشف أيضاً عن نتائج التحقيق في محاولة التسميم السابقة.
كما جددت النهضة في بيان لها، الخميس 17 يونيو 2021م، دعوتها للحوار الوطني كمخرج للبلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها، وتثمينها جهود الاتحاد العام التونسي للشغل المتكررة في هذا الإطار.
وأكدت النهضة أنّ أولويات الشعب مجتمعية اقتصادية مثل مقاومة الجائحة التي يذهب ضحيتها عشرات التونسيين يوميا، والتصدّي لها ولآثارها الخطيرة، بما يفرض تركيز الاهتمام على مشاغل المواطنين الحقيقية، واتخاذ الإجراءات الضرورية لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي الحرج، داعية الحكومة لاتخاذ الإجراءات الاجتماعية الضرورية المصاحبة لأي زيادة في الأسعار مراعاة لأوضاع الفئات الضعيفة من أبناء شعبنا.
كما عبرت حركة النهضة عن تمسكها بضرورة ختم رئيس الجمهورية لمشروع قانون المحكمة الدستورية المصادَق عليه من مجلس نواب الشعب بالأغلبية المعززة، وتوفير كل شروط إرسائها، لاستكمال أسس النظام السياسي والبناء الديمقراطي، مع التذكير بأن ختم القوانين من أوجب واجبات رئيس الجمهورية واختصاص حصري له، تتعطل دواليب الدولة بتعطيله.