وقت الشدائد وتكاثر المحن هو تمامًا وقت تذكر أن أشد مناطق الليل هي بالضبط فترة وشيك انفراج الضوء وتحرره من أسر وقيد الظلام وبالتالي قريب تنفس الصبح واستقرار الشمس بعده وإضاءة الوجود بعودة النهار.
وفي حالة عالمنا اليوم فإن الصباح المنتظر خاص بعودة حضارة عادلة مشعة لا تكتفي بتقديم العدل والمساواة وراحة وطيب الشعور بالطمأنينة لأفرادها أو أتباعها وحدهم بل تقدمه للعالم أجمع بأن تقلم أظافر الطغاة؛ وتنزع أضراسهم قبل أنيابهم بعد أن تزيلهم عن قلب وصدر ومختلف تجاويف العالم الذي أضناه وأجهده الظلمة وآلم روحه وزاد من أسقامه وأمراضه الأغبياء من جانب آخر؛ لكننا حينما نجد المناسبات الإسلامية العزيزة الغالية على نفس كل مسلم مؤمن في مشارق الأرض ومغاربها .. خاصة وقد نشأ وترعرع على ذكريات خاصة وجريان تيار شعوري ممتد على مدار العمر من الأفراح الصغرى والكبرى ارتبطت جميعها بمجيء شهر رمضان وأيامه ولياليه المباركات أو العيدين الفطر والأضحى؛ ومن جانب آخر فمع ازدهار وسائل التواصل الاجتماعي تتطاير ملايين التهاني بين مختلف أرجاء الوطن الإسلامي وتمني الخير والبركة واليمن وعودة المواسم الطاهرة بالخير والطاعة والقبول فنجد كثيرين يتناسون ـ للأسف الشديد ـ مع دعواتهم وأمانيهم وتصاميمهم ورسوماتهم المزخرفة والأنيقة الخاصة بأهاليهم وأحبابهم.. غالبًا يتناسى مسلمون مع كثرة وازدهار دعواتهم لأنفسهم وأهاليهم ومعارفهم تذكر الأمة في دعواتهم بمثل ما يذكرون به أنفسهم وخاصتهم وعامة الذين يعرفونهم.
عاش الرسول العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ متذكرًا أمته وأفرادها وداعيًا لهم بالخير حتى قيام الساعة؛ محاولًا التخفيف عنهم بدعائه حتى يلقاه أفرادها عند الحوض في الجنة ليسقيهم من يديه الشريفتين شربة لا يظمأون بعدها ولا يشقون، وما زال ـ صلى الله عليه وسلم ـ داعيًا ربه لأمته بالخير العميم الوفير في معادها إلى الله تعالى وما يحفظ عليها وجودها وحياتها الدنيا الأولى حتى قال له عز من قائل في الحديث القدسي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، – أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تَلا قَوْلَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبْراهِيمَ: {رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فمَن تَبِعَنِي فإنَّه مِنِّي} [إبراهيم: 36] الآيَةَ، وقالَ عِيسَى عليه السَّلامُ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهُمْ عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لهمْ فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ”، رواه مسلم.
والأحاديث الواردة في هذا الشأن أكثر من أن تُذكرَ ها هنا ولكن يكفي أن نورد ما ذكره أبو جمعة – رضي الله عنه – إذ قال: “تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: “يا رسول الله، أحد منا خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك”، قال: “نعم، قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني”. ـ رواه أحمد ـ.
يوضح الحديثان الشريفان مقدار محبة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأمته ورغبته في سلامتها؛ وأيضًا محبته للثابتين على طاعته منها حتى وإن لم يلقهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما بال كثيرون من أفراد هذه الأمة لما تأتي مناسبات ونفحات ومواسم لرحمة الله يكتفون بطلب السلامة والأمان لأنفسهم أو للمقربين إليهم فحسب، أو حتى الدائرة التي تهمهم؟ وكيف يمكن أن يسعى أولئك المهنئون لنصرة ورفعة وعلو وسيادة أمة خاتم المرسلين إذا كانوا لا يدركون أنهم جزء منها وأن علوهم وتمام كمال أمانهم وكذلك سلامتهم واستمرار طمأنينتهم في الدنيا والآخرة مرتبط بعلو وسيادة هذه الأمة حتى لتجد طريقها إلى نشر أنوار رحمتها المستمدة من آفاق علوية نورانية من رحمة وسعة حكمة وعظيم تقدير رب العزة تعالى؟
إننا ينبغي أن نسعى إلى إحسان أعمالنا ونبوغنا في تخصصاتنا أملًا في أن نسلك طريق ونبراس رب العزة إذ “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ” ـ الآية 7 من سورة السجدة ـ؛ وطريقنا إلى ذلك ينبغي أن يمر من تذكرنا أمر الأمة في المقام الأول في العمل، وفي وقت العبادة والأعياد المقترنة بشيء من الراحة حتى نكون جديرين بإعادة أنوار وأضواء حضارتنا مجددًا إلى الأرض، وأن نكون مؤهلين لنكون عباده تعالى كما ينبغي في الدارين.