تتزايد معدلات الدين في تونس بشكل كبير في ظل الاضطرابات السياسية الداخلية، والتي كان آخرها في 25 يوليو/تموز الماضي بتعليق أشغال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، حيث بلغ 35.7 مليار دولار.
وأظهرت بيانات رسمية، أن الدين العام المستحق على تونس بلغ 99.3 مليار دينار (35.7 مليار دولار) نهاية يونيو/حزيران الماضي، ما يمثل 81.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وكان الدين العام على البلاد سجل قرابة 30 مليار دولار بنهاية 2020م، أي ارتفاع بنحو 5.7 مليار دولار في 6 أشهر.
ويتوزع الدين العام المستحق على البلاد، بين 62.01 مليار دينار (22.2 مليار دولار) ديوناً خارجية مستحقة على البلاد، و37.28 مليار دينار (13.36 مليار دولار) ديناً داخلياً.
ويتوقع البنك المركزي التونسي، أن يبلغ الدين العام بنهاية 2021م حوالي 109.23 مليارات دينار (39.18 مليار دولار) منها 74.21 مليار دينار (26.5 مليار دولار) ديناً خارجياً.
يأتي هذا التفاقم في الدين العام في وقت تتراجع فيه احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، حيث أظهرت بيانات صادرة عن البنك تراجع احتياطي النقد الأجنبي لتونس بـ9.5% في 9 أشهر، من نحو 23 مليار دينار (8.16 مليارات دولار) في سبتمبر/أيلول 2020م إلى 20.9 مليار دينار (7.4 مليارات دولار) في سبتمبر/أيلول الماضي.
وأرجع محسن حسن وزير التجارة الأسبق أسباب ارتفاع مستوى الدين العمومي التونسي إلى “عدم كفاية حصيلة النقد الأجنبي للدولة لتمويل وَارداتها والتزاماتها المالية فقد التجأت بعد الثورة إلى استعمال احتياطها النقدي والقروض الأجنبية”.
يضاف إلى ذلك انتهاج الحكومات المتعاقبة سياسية الإنفاق المتزايد بشكل مستمر دون وجود نمو اقتصادي حقيقي يجابه هذه الزيادة من خلال تحفيز الاستثمار ورفع الإنتاجية، ما أدى إلى تراجع الإيرادات مقابل النفقات لنجد اليوم هذه الفجوة التمويلية التي وقعت فيها البلاد.
قلق “المركزي”
وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعرب البنك المركزي عن قلقه إزاء نقص حاد في الموارد المالية الخارجية، الأمر الذي يعكس تخوف المقرضين الدوليين في ظل تراجع الترقيم (التصنيف) السيادي للبلاد.
وكانت قد خفضت وكالة موديز (Moody’s) الأمريكية ليزيد تصنيفها الائتماني من “بي2” (B2) إلى “بي3” (B3)، مع نظرة مستقبلية سلبية، الأمر الذي يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس.
وتحتاج تونس خلال العام الجاري لموارد تناهز 19 مليار دينار (7 مليارات دولار)، موزعة بين تمويل خارجي بحوالي 13 مليار دينار (4.8 مليارات دولار)، وتمويل داخلي من البنوك التونسية بنحو 5.6 مليارات دينار (مليارا دولار).
ولكن في ظل الأزمة الراهنة تعجز البلاد عن الاستدانة نتيجة عدم وجود ضمانات أو مؤشرات إيجابية تنقع المقرضين الدوليين بمنح الأموال إلى تونس، ما يعني أن البلاد لا يوجد أمامها سوى صندوق النقد الذي يشترط البدء في إصلاحات اقتصادية حقيقية في تونس من أجل منحها السيولة المالية التي تحتاجها.
وتتمثل تلك الإصلاحات في استبدال دعم السلع الأساسية بمساعدة مالية مباشرة للأسر، مع هدف إلغاء هذا الدعم بحلول عام 2024م، تخفيض فاتورة رواتب موظفي الدولة التي ازدادت تضخماً مؤخراً تحت تأثير التوظيف الاستثنائي في قطاع الصحة لمكافحة كورونا.
كذلك إعادة هيكلة الشركات العامة التي يتكبد معظمها خسائر فادحة، بهدف إعادتها إلى التوازن بحلول عام 2024م.
حكومة جديدة
ومع بدء الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن عملها بعد أدائها القسم في 11 أكتوبر الجاري، فمن المفترض أن تبدأ مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على السيولة المطلوبة، بعدما فشلت الحكومة السابقة التي رأسها هشام المشيشي.
وتزعم بودن، أن فريقها الحكومي سينطلق في خطة إصلاح جذرية لاقتصاد البلاد من أجل تحسين ظروف عيش المواطنين وتطوير الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وخاصة في قطاعات النقل والصحة والتعليم.
وهو الأمر الذي يعني أن تونس تسير نحو مزيد من الاقتراض الإجباري، وتحديداً من صندوق النقد الدولي، حتى تتمكن من الخروج من عنق الزجاجة للإيفاء بما عليها من مستحقات ولتلبية احتياجاتها.
ويصاحب تفاقم الأزمة المالية، أزمة اجتماعية تتمثل في ارتفاع نسبة البطالة في تونس خلال الربع الثاني من العام الحالي 17.9% من مجموع السكان البالغ عددهم 11.7 مليون نسمة.
وأفادت وكالة التصنيف “ستاندرد آند بورز” بأن مستوى النمو الاقتصادي في تونس لن يكون كافياً لمواجهة معدل البطالة المرتفع وتدهور مستوى المعيشة.
الأمر الذي يتطلب ضرورة العمل على توجيه الاقتصاد نحو الإنتاج الحقيقي وتحفيز الاستثمار وتوجيه ودعم الصناعات المحلية القروض نحو المشروعات التنموية وليس الاستهلاك، من أجل رفع معدلات النمو وخفض معدلات البطالة ووقف اتساع حجم الدين مع تزايد إيرادات الدولة.