مسألة الحقوق أحد المسائل المهمة في ضبط العلاقات القائمة بين البشر وخالقهم سبحانه وبين البشر وبعضهم البعض وبين البشر وأنفسهم وبين البشر وغيرهم من الكائنات.
ولا أدل على رعاية الإسلام لفكرة الحقوق ووجوب الاعتناء بها من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
: «يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟» قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ»، قَالَ: «أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟» فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» [صحيح مسلم] فإذا كان الرب الخالق الرازق الرحيم بخلقه يجعل لهؤلاء الخلق حقوقاً عليه سبحانه تفضلاً منه وكرماً فكيف بالعلاقات المتعددة بين بني آدم وغيرهم
اعتبر الإسلام الإحسان إلى المخلوقات بابا عظيماً من أبواب الأجر يتكرر ويتعدد بتعدد المخلوقات وتكرر الإحسان ففي الصحيحين قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» شعر هذا الرجل بمشاعر العطش وحين سقاه الله تعالى شعر بما شعر به الكلب من حاجة شديدة للماء جعلته يأكل التراب المبلل ليروي ظمأه وكان الجزاء من الله تعالى الكريم أن شكر لعبده صاحب المشاعر الطيبة تجاه الحيوان وأن غفر له ذنوبه مقابل هذا العمل الذي يدل على رعاية حق الحيوان في الحياة فتح النبي صلى الله عليه وسلم بابا عظيماً للعمل الصالح ودل على مصدر كبير للأجر عندما جعل الإحسان إلى الحيوانات سبب للأجر
وكانت الوصية بتقوى الله تعالى وكان الإحسان إلى البهائم باب من أبواب التقوى وذكرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعجزها عن البيان عن حاجاتها فوصفها بأنها معجمة وبذلك يعظم أجر الإحسان إليها ووزر الإساءة والعدوان عليها
مَرَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، ارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً”. [صحيح ابن خزيمة] يبدوا من شكل هذا البعير ما أصابه من جوع أدى إلى هزال شديد فلصق ظهره ببطنه فكانت الوصية النبوية بتوفير الغذاء المناسب
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لرجلٍ من الأنصار، فإذا جملٌ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حَنَّ وذَرَفَت عيناه، فأتاه النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلم- فمسح ذِفْراه [الموضع الذي يعرق منه البعير ويقع خلف الأذن] فسكتَ، فقال: “من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجملُ؟ ” فجاء فتًى من الأنصارِ، فقال: لي يا رسول الله، قال: “أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمةِ التي مَلَّككَ اللهُ إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدْئبه”[سنن أبي داود وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح]
يأتي هذا التوجيه النبوي الكريم المصحوب باللوم والتأنيب لصحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل جمل يأن من الجوع وقلة الطعام وكثرة العمل
ومن الإحسان ألا تحمل الدابة فوق طاقتها من أحمال أو من البشر حتى لا يكون في ذلك مشقة عليها ولا يركب عليها وهي واقفة إلا لحاجة وإن كانت تحلب فلا يستنزف حليبها حتى لا يضر ولدها ولا يشوي السمك والكائنات البحرية حتى تموت.
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ، فَقَالَ لَهُمْ: ” ارْكَبُوهَا سَالِمَةً، وَدَعُوهَا سَالِمَةً، وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لِأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ، وَالْأَسْوَاقِ فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا، وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ ” [مسند أحمد
]
قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» [صحيح مسلم]، اشترط النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان مع القتل والذبح والقتل للحيوانات المؤذية ولمن يستحق القتل ممن ارتكب ذنبا والذبح للحيوانات التي يحل أكلها ومن صور الإحسان في إنهاء حياة الحيوان أن تكون السكين حادة بحيث تنهي حياة الحيوان بلا عذاب وأن تكون الذبيحة في وضع مريح
والرحمة خلق المسلم لا ينفك عنه في كل أعماله وجزاؤها رحمة من الله تعالى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ، وَأَنَا أَرْحَمُهَا – أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا – فَقَالَ: ” وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ ” وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ”[مسند أحمد وقال محققوه إسناده صحيح].
وإذا كان تناول اللحم مما أباحته الشريعة فينبغي على المسلم أن يحصل عليه بالإحسان فهذا توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لمن اراد أن يذبح شاة أن يكون رفيقا معها وهو يقودها إلى الذبح
عن الْوَضِين بْنُ عَطَاءٍ، أَنَّ جَزَّارًا فَتَحَ بَابًا عَلَى شَاةٍ لِيَذْبَحَهَا، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ حَتَّى أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتْبَعَهَا فَأَخَذَهَا يَسْحَبُهَا بِرِجْلِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْبِرِي لِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَنْتَ يَا جَزَّارُ فَسُقْهَا إِلَى الْمَوْتٍ سَوْقًا رَفِيقًا» [مصنف عبد الرزاق الصنعاني]
وسيراً في طريق مراعاة الإسلام لمشاعر الحيوان قبل الذبح يلوم النبي صلى الله عليه وسلم من أهمل مشاعر شاة بعبارة شديدة فيقول له:”ويلك” ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما تشعر به الشاة التي ترى السكين تشحذ فيقول:” أردت أن تميتها موتات” ويوجهه إلى الخطأ الذي وقع فيه والذي تعرض بسببه إلى اللوم وهو عدم تجهيز السكين للذبح قبل البدأ فيه وتجهيزها أمام الشاة
وروي أنه – عليه السلام – رأى رجلاً أضجع شاة فوضع رجله على عنقها وهو يحد شفرته، فقال – عليه السلام -: “ويلك، أردت أن تميتها موتات، هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها” [التوضيح لشرح الجامع الصحيح].
ويعدد الإمام القرطبي حقوق الحيوانات المعدة للذبح من خلال ما استفاده من نصوص الشريعة فيقول: وإحسان الذبح فِي البهائم: الرفقُ بالبهيمة، فلا يصرعها بعنف، ولا يجُرّها منْ موضع إلى موضع، وإحداد الآلة [شحذ السكين]، وإحضار[واستحضار] نيّة الإباحة [التمكن من تناول هذا اللحم] والقربة، وتوجيهها إلى القبلة، والتسمية، والإجهاز، وقطع الودجين، والحلقوم، وإراحتها، وتركها إلى أن تبرُد وعند ذبحها لا تخوف ولا تذبح امام غيرها من الحيوانات ولا تذبح بطريقة تتألم فيها [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى]
عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ) [رواه مسلم] أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الحيوان في حال القتل أو الذبح مع أن صور الإحسان إلى الحيوان وإلى غيره كثيرة “لأنهما الغاية في إيذاء الحيوان، فإذا طلب الإحسان فيهما مع كونهما الغاية في الأَذى، فما بالك بغير ذلك؟! فإنه أحرى أن يطلب فيه الإحسان”[الفتح المبين بشرح الأربعين] حق لنا أن نفتخر بهذه الشريعة التي تراعي حقوق الحيوان وتربي في نفس المسلم أن يكون صاحب مشاعر يستفيد منها كل من حوله حتى البهائم