تكاثرت، على مدى أسبوعين مضيا، مناقشات هادرة لقضايا هامشية، أشعلها بعضُ مَنْ ينتسبون إلى الميديا والفن والطائفيين المتعصبين.
ورجح مراقبون أن ذلك الانشغال الغريب خلفه جهات يعنيها أن ينسى الناس أزماتهم الحقيقية المؤثرة على واقعهم ومستقبلهم، وضربوا أمثلة لا تخفى، منها: ارتفاع الأسعار الجنوني في الأقوات الرئيسة للفقراء (وصل سعر كيلو الدقيق إلى 15 جنيهاً بدلاً من 2.5 جنيه في العام الماضي، وكيلو الأرز إلى 18 جنيهاً بدلاً من 3.5 جنيهات في العام ذاته)، ودحرجة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي حتى وصل ساعة كتابة هذه السطور إلى 19.44 جنيهاً للدولار الواحد، وإعلان رئيس وزراء إثيوبيا انتهاء الملء الثالث للسد الذي يهدد حياة 50 مليوناً من المصريين على الأقل بالعطش والجوع في السنوات القليلة القادمة، وبتدمير مصر بالكامل في حال انهياره لا قدر الله، فضلاً عن توقف آلاف المصانع، وازدياد الديون الداخلية والخارجية، وخنق الآراء والأفكار والحريات في الصحافة والإعلام والجامعات والمجال العام، واستمرار عشرات آلاف الأبرياء في المعتقلات منذ عام 2013.
يأتي ترويج الحديث الصاخب حول قضايا هامشية للتعمية والتغطية على هذه الأزمات والمحن، فمثلاً قضية الطفل شنودة الذي تبنته أسرة نصرانية، وهو ابن يوم واحد بعد أن وجدته مطروحاً في إحدى الكنائس، وتم تسجيله باسم شنودة قبل 4 سنوات، تستحوذ على حديث صاخب في الصحف والقنوات، ووسائل التواصل بعد قيام إحدى قريبات الأسرة بالإبلاغ الرسمي عن الطفل خوفاً من حرمانها الميراث، وتحولت المسألة على يد أبواق النظام إلى تمييز وتعصب، وقسوة شريرة من جانب المسلمين والقانون تتنافى مع الإنسانية، ونشرت كاتبة علمانية تدعى أمينة خيري، في “المصري اليوم”، في 14 سبتمبر الجاري، نقلاً عن قارئ طائفي قوله: «هل حكّمنا مبادئ الإنسانية لصالح حياة الطفل، أم أنها حلبة سباق تتنافس فيها عقيدتان؟ لماذا لا نبتكر شكلاً من أشكال السماحة الإنسانية، وبدلا من «التبني» نسميه «رعاية أسرية»؟ لماذا لا نضيف مكوناً سامياً للكلمات التي تفيدنا وتقينا شرور الاحتقان؟ هل من وسيلة لأنسنة السلوك ربما لإسعاد أسرة محرومة من الإنجاب ومنح أسرة لطفل محروم منها؟”.
وكما فعلت أبواق النظام مع الطفل شنودة، قاموا باتهام المسلمين بالتهم الكاذبة نفسها، حين سوّغوا إنشاء ناد رياضي طائفي، وزعموا كذباً أنه لن يكون قائماً على أساس طائفي، مع أن الكاهن الذي أعلن عن قيام النادي الطائفي كان صريحاً في طائفيته، زاعماً أن المعنيين رفضوا قبول صبي في أحد النوادي لأنه مسيحي! مع أن الصبي بشهادة المتخصصين كان ضعيف المستوى الكروي للغاية!
قِسْ على ذلك ما تفوّه به بعض مَنْ ينتسبون للفن والإعلام وغيرهم حول العلاقة بين الزوج وزوجته، وتحريض المرأة على ضرب رجلها وعدم إرضاع طفلها، ورفض القيام بشؤون البيت، وتفضيل ما يسمى بالمساكنة، مما ينذر بخراب البيوت، وهروب الشباب من الزواج وتحمل مسؤولية بناء الأسرة!
إن هذه القضايا حققت ما يسمى بـ”التريند” أو الوسم، ولكنها لن تُنسي الناس أزماتهم المادية الخانقة، وجعلتهم يتساءلون: إلى أين نحن سائرون؟!