اعتمد البيان الختامي للمؤتمر السابع لزعماء الأديان بعاصمة كازاخستان وبحضور 100 وفد من 60 دولة، “وثيقة الأخوة الإنسانية”، التي سبق أن وقعها شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، والبابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، بتاريخ 4 فبراير 2019، في أبو ظبي.
وجاء بنص المادة (13) من البيان الختامي للمؤتمر: إننا نقر بأهمية وقيمة الوثيقة التاريخية بشأن الأخوة الإنسانية من أجل السلام والتعايش السلمي التي أبرمت بين الكرسي البابوي والأزهر الشريف التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الصادر في 21 ديسمبر 2020، التي أصبحت تعبيراً عن حسن النية ونهج البناء من أجل السلام والوئام والاحترام المتبادل والتسامح بين المؤمنين.
وتضمنت الوثيقة المنشورة على موقع الأزهر الشريف دعوة قادة العالم وصنَّاع السياسات الدولية والاقتصاد العالمي بالعمل جدياً على نشر ثقافة التعايش والتسامح والسلام، والتدخل فوراً لإيقاف سيل الدماء البريئة ووقف ما يشهده العالم من صراعات وحروب وتراجع مناخي وانحدار أخلاقي وإرهاب وتطرف.
ودعت للتصدي للجوانب السلبية التي حققتها الحضارة الحديثة مثل “تراجع الأخلاق والقيم الروحية والشعور بالمسؤولية ودفع الكثيرين إلى الإحباط والعزلة والإلحاد والتطرف، وتبني أشكال الإدمان والتدمير الذاتي والجماعي”، معتبرة أن هذا “أثمر ما يمكن أن نطلق عليه حرباً عالمية ثالثة على أجزاء”.
وطالبت الوثيقة بإيقاظ الحس الديني وبعثه مجدداً في نفوس الأجيال الجديدة، والتمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، وتكريس الحكمة والعدل والإحسان، كما طالبت بحماية الأجيال الجديدة من سيطرة الفكر المادي، ومن خطر سياسات التربح الأعمى واللامبالاة القائمة على قانون القوة لا على قوة القانون.
ودعت الوثيقة إلى حماية حق المرأة في التعليم والعمل وممارسة حقوقها السياسية وحقوق الأطفال الأساسية في التنشئة الأسرية، والتغذية والتعليم والرعاية، وحماية حقوق المسنين والضعفاء وذوي الاحتياجات.
وثيقة دعت قادة العالم بالعمل جدياً على نشر ثقافة التعايش والتسامح والسلام
وقالت الوثيقة: إن الكنيسة الكاثوليكية والأزهر سيعملان على إيصال هذه الوثيقة إلى صناعِ القرارِ العالمي، والقياداتِ المؤثرةِ ورجالِ الدين في العالم، والمنظمات الإقليمية والدولية ومنظمات المجتمعِ المدني، والمؤسسات الدينية وقادة الفكر والرأي، ونشر ما جاء بها من مبادئ على كافَّة المستوياتِ وترجمتها إلى سياسات وقرارات ونصوص تشريعية، ومناهج تعليمية ومواد إعلامية.
وخلال كلمته بمؤتمر زعماء الأديان في كازاخستان قال شيخ الأزهر: “من المؤلم والمحبط أن يأتي الدين الإلهي في مقدمة المقدسات التي تنكرت لها حضارتنا المعاصرة وسخرت منها ثم ما لبثت أن ألقت بها وراء ظهرها واستبدلت بها ديناً آخر يقوم على الكفر والإلحاد”.
ونوّه الطيب بأن هناك حملات مدروسة وممولة تصرخ في عقول الشباب ليل نهار، وتدعوهم لأن ينفضوا أيديهم من مؤسسة الأسرة، وأن ينظروا إلى الزواج على أنه خدعة كبرى لا تليق بثقافة الأجيال الجديدة، وأن على المرأة ألا تخجل من أن تتزوج بامرأة مثلها أو يكون لها أكثر من زوج وعلى الرجل مثل ذلك.
وأشار الطيب إلى أن التقدم العلمي والفلسفي والتطور التقني والاجتماعي لم يعد مؤهلاً ولا قادراً على وقف هذا التدهور الخلقي والإنساني.
وأضاف: “مع اعترافنا بأن الحضارة الغربية حققت للإنسانية في القرنين الماضيين قفزت واسعة، إلا أن اضمحلال الجانب الروحي وغياب البعد الخلقي من مسيرة الإنسان المعاصر، وسخريته من رسالات السماء عن عمد وسبق إصرار قد فرغ هذه الحضارة من أي قيمة حقيقية تذكر لها”.
فكرة دمج الأديان مدمرة
برغم أن الوثيقة دعت “للمصالحة والتآخي بين جميع المؤمِنين بالأديان، بل بين المُؤمِنين وغيرِ المُؤمِنين، وكل الأشخاصِ ذَوِي الإرادة الصالحة بغية الوصول إلى سلام عالمي يَنعم به الجميع في هذه الحياة” فقد رفض شيخ الأزهر بوضوح أفكار “دمج الأديان” أو ما يسمي “الدين الإبراهيمي” لدمج الإسلام مع المسيحية واليهودية.
فقد وصف شيخ الأزهر فكرة الاندماج بين الأديان بأنها “فكرة مدمرة للأديان، ومجتثة لها من الجذور، وهي في أفضل أوصافها خيال عبثي غير قابل للتصور فضلًا عن التحقق”.
وأكد خلال المؤتمر: “أنا ممن يؤمنون بأن فكره الاندماج هذه فكرة مدمرة للأديان، وكيف لا وقد قضى الله أن يجعل لكل منا (دين) شرعة ومنهاجًا”.
شيخ الأزهر رفض بوضوح أفكار “دمج الأديان” أو ما يسمي “الدين الإبراهيمي”
سبق لشيخ الأزهر التأكيد في الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس “بيت العائلة المصرية”، في 8 نوفمبر 2021، أن ما يسمى “الديانة الإبراهيمية” “أضغاث الأحلام”، وانتقد فكرة التطبيع عبرها.
وتساءل عما إذا كان المقصود من الدعوة “تعاون المؤمنين بالأديان على ما بينها من مشتركات وقيم إنسانية نبيلة أو المقصود صناعة دين جديد لا لون له ولا طعم ولا رائحة”، حسب تعبيره.
وقال الطيب: إن الدعوة لـ”الإبراهيمية” تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار.
ولا يوجد هناك إعلان رسمي حتى الآن لقيام ما يعرف بـ”الديانة الإبراهيمية الجديدة”، إذ ليس لها أسس أو أتباع أو كتاب، وإنما هي مشروع بدأ الحديث عنه منذ فترة، أساسه العامل المشترك بين الرسالات الثلاث؛ الإسلام والمسيحية واليهودية، باعتبارها أدياناً إبراهيمية، نسبة إلى النبي إبراهيم، والهدف منها “إسرائيلياً” هو التطبيع.