الجزائر- سمية سعادة:
يعدُّ قانون الأسرة، في نظر الكثير من الجزائريين، دعامة أساسية في المحافظة على الهوية الحضارية للمجتمع الجزائري المسلم، لكون روح هذا القانون مستلهمة من التعاليم الإسلامية، لكنّ بعض الدعوات، التي تظهر من وقت إلى آخر، تذهب باتجاه ضرورة إعادة النظر في هذا القانون بحجة أنّه لم يعد يتماشى مع التطوُّرات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، التي يعرفها المجتمع الجزائري.
وبين هذين التيارين الأساسيين، تتأرجح فكرة مراجعة هذا القانون، وتبقى مؤجّلة إلى أجل غير مسمّى، مع أنّ الكثير من المختصّين يرون أنّ قانون الأسرة الجزائري قاصرٌ على أن يواكب مختلف التحوُّلات نتيجة أحكامه العامة التي تحتاج إلى التفصيل والإثراء بمشاركة كل الفاعلين السياسيين، والاجتماعيين، والنفسانيين، والقانونيين، ورجال الدين.
تكمن أهمية قانون الأسرة الجزائري في كونه يستمدُّ أحكامه من الشريعة الإسلامية، حيث اعتمدت اللجنة في وضع مواد هذا القانون على المصادر الأساسية التالية: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية الثابتة ثبوتاً مقبولاً عند علماء الحديث، والإجماع، والقياس، والاجتهاد، والفقه على المذاهب الأربعة، وعلى غيرها في بعض المسائل.
وقد أصبح هذا القانون مصدراً مهماً لتنظيم أمور الأسرة والحفاظ على حقوق كل فرد من أفرادها وواجباتهم فيما يتعلق بالخطبة والولاية في الزواج وتعدُّد الزوجات، والطلاق والنفقة ومسكن الزوجية وعمل المرأة، كما لم يغفل المشرّع الجزائري عن حقوق الطفل لحمايته من المخاطر التي تحيط به.
ورغم أنّ هناك من يدعو للحفاظ على قانون الأسرة بهيئته المعروفة والمتداولة، فإنّ هناك أيضاً من يعتقد أنّ هذا القانون تجاوزه الزمن، ولم يعد يتماشى مع متطلبات العصر، والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي طرأت على المجتمع، ولا بد من إلغائه، فيما يدعو فريق آخر إلى تعديل بعض مواده وإثرائه.
وترى الباحثة ليلى جمعي، في دراسة لها بعنوان «سلبيات وإيجابيات قانون الأسرة الجزائري» أنّ هذا القانون ينطوي على عدد من الإيجابيات، أهمُّها تنظيمه لكثير من الأمور المتعلقة بالأسرة، واعتباره لمصلحة الأسرة كأساس في تنظيم شؤونها، وحمايته لأعضاء الأسرة من التعسف في التعامل مع بعضهم بعضاً.
أمّا عن السلبيات، فترى أنّ أحكام قانون الأسرة الجزائري تتميّز بالعمومية، وأنّها أقرب إلى رؤوس أقلام منها إلى نصوص واضحة، وانعدام التجانس بين بعض أحكامه، مثل تردُّد المشرّع حول ما يُعتبر ركناً في عقد الزواج (المادة 9)، وخلطه بين بعض الأمور مثل ما يوجد في (المادة 6) التي يخلط فيها المشرّع بين الخطبة، (التي هي وعد بالزواج)، والفاتحة (التي هي عقد زواج عرفي عند الجزائريين).
وتدعو الباحثة إلى ضرورة تعديل قانون الأسرة لتلافي السلبيات التي تضمّنها، وذلك بإشراك المختصّين في شؤون الأسرة من النفسانيين والتربويين، وعلماء الاجتماع، والشريعة، وكذا أهل القانون من الفقهاء والمحامين والقضاة.
وتؤكد الباحثة حفيظة نهايلي، في دراسة لها بعنوان «تعديلات قانون الأسرة بين الدافع والضرورة»، أنّ مطالب الجمعيات النسوية بخصوص تعديلات قانون الأسرة كانت تصبُّ في رفض مبدأ السماح بالزواج بأكثر من زوجة واحدة، مقترحة أن الزواج يُعتبر باطلاً بالنسبة لكل شخص ما لم تنحلّ رابطته الزوجية السابقة، كما رافعت تلك الجمعيات أيضاً من أجل ضرورة انعقاد الزواج برضا الزوجين فقط، فضلاً عن إبرام العقد المدني بالنسبة للنساء البالغات سن الرشد بحضور شاهدين قد يكونان من الجنسين.
وقد أثارت هذه المطالب، غداة اقتراح التعديلات على قانون الأسرة عام 2005م، موجة من عدم الرضا، خاصة من التيارات والأحزاب الإسلامية التي كانت ترى في مطالب الجمعيات النسوية انحرافاً عن روح الشريعة الإسلامية التي يستمدُّ منها قانون الأسرة الجزائري أغلب مواده.
قانون واحد وتيارات متعددة
ويرى عددٌ من الباحثين والمتابعين المهتمّين بشؤون الأسرة في الجزائر أنّ هذا القانون، والتجاذبات التي يطرحُها، كلّما تمّ التلويح بعرضه على التعديل تعود إلى وجود أكثر من تيار فكريّ يضمّان العديد من الأفكار المتذبذبة أو المعتدلة، ويشمل كلٌّ منها الرجال والنساء؛ حيث يرى التيار المؤيد للقانون أنّ قانون الأسرة ما دام يستند في تشريعه للأحكام التي تُعنى بتنظيم مسائل الأسرة من أحكام الشريعة الإسلامية، فليس هناك حاجة إلى تعديله؛ لأنّ ذلك قد يؤدي إلى الخروج عن أحكام الشريعة الإسلامية، وعلى نزعة الحفاظ على الانتماء الإسلامي السائدة، وهكذا يدعو هذا التيار إلى ضرورة محاربة التأثير الثقافي الغربي وتطبيق الشريعة بكلّ مظاهرها.
أمّا الاتجاه الثاني، فيطالب بإلغاء قانون الأسرة، جملة وتفصيلاً، لأنّه يرى أنّ هذا القانون يعرقل في مضمونه تطوُّر العائلة الجزائرية، وهو تيارٌ يدعو إلى تبني نموذج الحضارة الغربية، ويُعلّلُ دعواته بكون البعد الإسلامي لقانون الأسرة في الجزائر لم يجد طريقه إلى التطبيق، نظراً لأنّ الكثير من مواده لا تُعبّر حقيقة على ما جاء في القرآن الكريم.
في حين يرى اتجاهٌ ثالث أنّ قانون الأسرة مستمدٌّ، شكلاً ومضموناً، من الشريعة الإسلامية، غير أنّ بعض التطبيقات العملية لنصوصه أظهرت العديد من النقائص في العديد من القضايا، بعضها شكليٌّ يتعلق بسوء الصياغة القانونية، وبعضها موضوعيٌّ أدّى، في بعض الأحيان، إلى التناقض بين النصّ القانوني والحكم الشرعيّ.
ويُرافع دعاة ضرورة مراجعة قانون الأسرة الجزائري، في شكله الحالي، بالاعتماد على المظاهر الاجتماعية السلبية التي ظهرت إلى السطح، مثل كثرة قضايا الطلاق، واتّساع رقعة الجريمة، التي يردُّها المختصُّون النفسانيون والاجتماعيون، إلى غياب دور الأسرة، وتراجعها عن أداء مهامها الأساسية في تربية الأبناء، وحمايتهم من الجنوح والآفات الاجتماعية.
غير أنّ تلك المساعي لإعادة قانون الأسرة إلى دائرة النقاش الاجتماعي تصطدم دائماً ببعض الأطروحات المتشدّدة التي يدعو بعضها إلى الذوبان في بوتقة الفكر الغربي، واستلهام نصوص قوانين الأحوال الشخصية الغربية، وذلك ما لا ينسجم طبعاً مع طبيعة المجتمع الجزائري العربي المسلم، وأطروحات متشدّدة على الجانب الآخر، تدعو إلى التمسُّك بهذا القانون دون إعادة النظر فيه من جديد مخافة أن تذهب المكتسبات التي ينصُّ عليها لصالح تلك التيارات التي تنهل من الفكر الغربي.
سوء تطبيق
ترى عتيقة حريشان، رئيسة جمعية «حورية» التي تعنى بقضايا المرأة، في حديثها لـ”المجتمع”، أن المشكلات التي تعيشها الأسرة الجزائرية حالياً، مثل ارتفاع نسبة الطلاق والخلع، والإهمال، ليس سببها قانون الأسرة بالدرجة الأولى، بل سوء تطبيق الإجراءات والتماطل في تنفيذ القرارات والأحكام.
وتقترح «حورية» إثراء بعض المواد وتفعيلها، مثل الصلح والوساطة الأسرية، وكذلك مراجعة مادة الخلع وتسييجها بما يقلل من هذه الظاهرة.
وفي النهاية، فإنه رغم النقائص التي تشوب قانون الأسرة الجزائري، فإنه يمثل حائط الصد المنيع في وجه الدعوات المريبة التي تطلقها بعض الجمعيات النسائية لسلخ المجتمع الجزائري من هويته الإسلامية حتى ينهار حتى يتشتت، وهذا ما يهدف إليه الغرب المتصهين.