تُصوب الأنظار غدًا الأحد نحو مدينة شرم الشيخ المصرية التي تستضيف لقاءً أمنيًا يضم السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في محاولة جديدة لـ”طمس” حالة المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية المحتلة، بحسب مراقبين.
ويأتي اجتماع شرم الشيخ نتاجًا للاجتماع الذي عقد بمدينة العقبة الأردنية في 26 فبراير/ شباط الماضي والذي أكد ضرورة تهدئة الأوضاع في المنطقة.
وإلى جانب الاحتلال والولايات المتحدة ومصر والأردن، تشارك السلطة في الاجتماع رغم رفض واسع من معظم الفصائل الفلسطينية بما فيها الجبهتان “الشعبية” و”الديمقراطية” (أكبر فصيلان في منظمة التحرير بعد حركة فتح).
ورغم تأكيد الأطراف المشاركة في العقبة الشهر الماضي على التهدئة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي كثّف من جرائمه بالضفة المحتلة بعده، وكان آخرها جريمة اغتيال 4 مواطنين في مخيم جنين شمالي الضفة المحتلة، يوم الخميس الماضي.
وتتذرع السلطة للمشاركة في الاجتماع بالمطالبة “بوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد أبناء شعبنا ووقف الإجراءات والسياسات كافة التي تستبيح دمه وأرضه وممتلكاته ومقدساته”.
هذا وقد دانت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بشدة، مشاركة السلطة الفلسطينية في اجتماع شرم الشيخ الأمني في مصر، اليوم الأحد، بحضور الكيان الصهيوني المحتل.
واستهجنت “حماس” “إصرار قيادة السلطة على خروجها عن الإجماع الوطني والاستهتار بدماء الشهداء وعذابات الأسرى، باجتماعها مع الصهاينة الفاشيِّين ومنحهم الفرصة والغطاء لارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا”.
وأضافت بأن “الاحتلال يُصعّد عدوانه ضد شعبنا، ويرتكب الجرائم المروّعة في جنين ونابلس وعموم الضفة الغربية المحتلة، والتي زادت وتيرتها بعد الاجتماع الأمني المشؤوم في العقبة”.
وجدّدت “حماس” دعوتها للسلطة الفلسطينية بالتوقف الفوري عن الانزلاق في مسار المشاريع الأمنية الخطيرة التي تستهدف مقاومة شعبنا الفلسطيني”، مؤكد أن هذا المسار “لا يخدم سوى الاحتلال وإطالة أمده وتحسين صورته دوليّاً، على حساب حقوقنا الوطنية المشروعة”.
كما دعت السلطة إلى “وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال وأجهزته الأمنية بلا رجعة، والانحياز إلى الإجماع الوطني وإرادة الشعب الفلسطيني في المقاومة الشاملة حتى دحر الاحتلال الفاشي عن كامل ترابنا الوطني، وإقامة دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس”.
وقال رئيس دائرة العلاقات الوطنية في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين خالد البطش، إن قمة شرم الشيخ المرتقبة محاولة أمريكية لفك العزلة عن حكومة نتنياهو، لافتا إلى أن مشاركة السلطة في هذه القمة تشكل طوق نجاة لحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب.
وذكر القيادي البطش، أنّ قبول السّلطة المشاركة في قمّة شرم الشيخ، إمعانٌ في التجاهل غير المقبول للإرادة الشعبيّة، وتجاوزٌ لقرارات الإجماع الوطنيّ خاصّةً قرارات المجلسين؛ الوطنيّ والمركزيّ، بسحب الاعتراف بالاحتلال، والتحلّل من اتّفاقات أوسلو والتزاماتها الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، لاسيما وقف التنسيق الأمنيّ، وصك براءة للعدو من جرائمه في جنين ونابلس.
وأضاف” هذه الخطوة وفي هذا التوقيت تحديداً، هي خدماتٍ مجانيّةٍ للحكومة الإسرائيلية اليمينيّة التي بات العالمُ يضيق ذرعًا بممارساتها وسلوكها الفاشي، ومشاركة السلطة، وستصب زيتا على نار الأزمات الداخلية، ومن ناحية أخرى تعطي الفرصة للكنيست الإسرائيلي على المضي قدما في إقرار قانون إعدام الأسرى الذي سيشكل عصا في نتنياهو لمواجهة خصومه في أزمته الداخليّة”.
وجدد القيادي البطش دعوة قيادة السلطة للتوقف عن المشاركة في هذه الاجتماعات التي لا طائل وطنياً منها، والتي تشكل ربحًا صافيًا للاحتلال ومشاريع تصفية القضبة الفلسطينية وتلحق الضرر بالإجماع والثوابت الوطنية.
وأشار إلى أن البديل المنطقي عن الذهاب بعيدًا في دهاليز السياسة الأمريكية والأوروبية اللتين تسعيان لضمان أمن الكيان بأي ثمن على حساب الحقوق الفلسطينية، هو استعادة الوحدة الوطنية على أسس الشراكة والتمسك بالثوابت وتعزيز صمود أهل القدس وغزة، ورفع وتيرة المقاومة بكل أشكالها.
وبهذا الصدد، يؤكد المحلل السياسي ساري عرابي أنه “لم يتغير أي شيء بين اجتماعي العقبة وشرم الشيخ سوى أن الاحتلال توسع في انتهاكاته بحق الفلسطينيين واستباحة دمائهم”.
ويقول عرابي “كان ينبغي ألا تشارك السلطة في الاجتماع الأول بالعقبة لأنه عقد في ظل مجازر إسرائيلية بحق شعبنا” مضيفًا أن الاجتماع يعقد في ظل مجازر متجددة وقتل إسرائيلي متواصل.
ويشدد على أن من أهم أهداف الاجتماع “تفكيك حالة المقاومة في الضفة الغربية” مشيرًا إلى أن الدول العربية المحيطة بفلسطين وترتبط باتفاقيات سلام مع الاحتلال أصبح دورها التاريخي بالضغط على الفلسطينيين لأنها لا تستطيع أن تضغط على الاحتلال الإسرائيلي ضغطًا جديًا.
ويؤكد عرابي أن الاجتماع طبيعته أمنية مضيفًا “إذا كان الحديث عن أفق سياسي فالمفاوضات متوقفة منذ عام 2009، وهذه الحكومة (الإسرائيلية) لا تؤمن بأي شيء للفلسطينيين”.
ويرى عرابي أنه “من غير المفهوم إطلاقًا حدوث اجتماعات ذات طبيعة أمنية مع الاحتلال في حين أنه لا يوجد أفقًا أو وعدًا سياسيًا يمكن أن يُقدم للسلطة الفلسطينية” بحسب صفا.
“ذر رماد في العيون”
من جهته يقول المحلل السياسي إبراهيم حبيب: “لم نلحظ تغيرًا حقيقيًا على أرض الواقع بين اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، بقدر ما هو محاولة لذر الرماد في العيون بأن هناك حالة سياسية وأن الأطراف تجلس وتتفاوض وهي تصدير حالة للمجتمع الغربي أن الظروف تسير على ما ترام”.
ويضيف حبيب “رغم المجازر التي يرتكبها الاحتلال جهارًا نهارًا آثرت قيادة السلطة الذهاب والمشاركة في المؤتمر مخالفة كل حالة الإجماع الوطني بما فيها قطاعات واسعة من حركة فتح”.
ويؤكد أن “هناك مصالح خاصة واقتصادية دفعت السلطة للمشاركة بالاجتماع” مشيرًا إلى ما صرح به أمين سر اللجنة التنفيذية والقيادي في حركة فتح حسين الشيخ أن “الذهاب إلى قمة العقبة كان يهدف إلى الإفراج عن أموال مجمدة من قبل إسرائيل إلى السلطة”.
ويشدد حبيب على أن ما قاله الشيخ “يعطي مؤشرًا واضحًا أن السلطة تمارس دورًا أمنيًا لخدمة الاحتلال مقابل الحصول على بعض الأموال التي هي بالأساس حق للشعب الفلسطيني” بحسب صفا.
وينبه إلى أن أحد اشتراطات قمة العقبة وقف ملاحقة الاحتلال والامتناع عن رفع القضايا القانونية ضد قياداته، إلى جانب كبح حالة المقاومة بالضفة المحتلة.
قالت فصائل المقاومة الفلسطينية إن الهجوم الإعلامي الذي يقوم به ما أسمته “فريق التعاون الأمني”، وتصريحاته “اللاوطنية” محاولة لحرف الأنظار عن مشاركة فريق السلطة في “قمة العار” بشرم الشيخ.
وأضاف بيان الفصائل السبت أن “مشاركة السلطة في قمة شرم الشيخ تأتي في ظل استمرار المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء شعبنا وشلال الدماء النازفة التي لم تجف بعد بهدف تعزيز التعاون الأمني مع الاحتلال واستهداف المقاومة”.
وذكرت الفصائل أن “بيان مفوضية فتح الذي تهجم على المقاومة وقادتها ورموزها سلوك لا وطني يهدف لإثارة المناكفات السياسية وإشغال شعبنا في معارك جانبية للنيل من وحدته التي تجسّدت في ميدان الجهاد والمقاومة”.
وأشار إلى أن “هذه التصريحات غير المسؤولة تأتي في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للوحدة ورص الصفوف لمواجهة الاحتلال والتصدي لجرائمه ومخططاته الشيطانية التي تستهدف الأرض والإنسان والمقدسات الفلسطينية”.
وجددت الفصائل رفضها لـ”مشاركة قيادة السلطة وفريق التعاون الأمني في مؤتمر قمة العار الأمني في شرم الشيخ”.
وتابعت “نؤكد أن هذا الفريق الخارج عن الإجماع الوطني والإرادة الشعبية العارمة لا يمثل إلا نفسه، ونحن على يقين وثقة بأن شعبنا الفلسطيني سيبقى متمسكاً بخيار الجهاد والمقاومة ملتفاً حول قيادتها ورموزها، وهو يمتلك من الوعي ما يمكنه من تجاوز هذه الأزمات المفتعلة”.
هذا وقد أكد المؤتمر الشعبي الفلسطيني ١٤ مليون رفضه وإدانته للقاء شرم الشيخ ونتائجه، داعيًا لأوسع اصطفاف في موقف شعبي وجماهيري في كل التجمعات الفلسطينية لمواجهة هذا النهج والمخاطر المدمرة التي يحملها.
وطالب المؤتمر في بيان وصل وكالة “صفا” السبت بممارسة كل أشكال الضغط الشعبي والجماهيري لإجبار الفريق المعزول والذي يفتقد لاية شرعية شعبية على التراجع و الامتثال لإرادة الشعب الملتفة حول المقاومة وإجباره على العودة للشعب لانتخاب مجلس وطني فلسطيني يعيد لمنظمة التحرير الفلسطينية دورها الوطني وقيادة نضال الشعب الفلسطيني باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
وقال “يواصل فريق أوسلو ذات النهج الذي جلب لشعبنا كل هذا الدمار على مختلف الأصعدة الوطنية والسياسية والاقتصادية والأمنية والقيمية، ضارباً عرض الحائط بإرادة الشعب وممعناً في نهج التبعية والتنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال الذي يرتكب مجزرة تلو أخرى بحق أبناء شعبنا”.
واعتبر أن المشاركة في لقاء شرم الشيخ تهدف لاستكمال حلقات المؤامرة ويشكل غطاء لحكومة الإحتلال المتطرفة للإستمرار في جرائمها، موضحًا أنه كان الأولى “بالقيادة المتنفذة إدراك المتغيرات الإقليمية والدولية والاستجابة للإرادة الجماعية الفلسطينية والشروع بخطوات جادة لمقاطعة وعزل حكومة الاحتلال الإسرائيلي والمطالبة بفرض العقوبات عليها”.
وذكرت “أن لقاء العقبة لم يحق التهدئة ولا أوقف العدوان والاستيطان والجرائم الإسرائيلية ، وتشكل المشاركة في شرم الشيخ خطوة متقدمة في تجاه تحويل السلطة إلى أداة طيعة للاحتلال تقوم بقمع المقاومة وبؤرها ومقاوميها بايد فلسطينية مقابل رشى مالية في مشروع ما يسمى بالسلام الاقتصادي”.
ودعا المؤتمر لأوسع مواجهة جماهيرية شعبية تفرض التراجع عليه وتشق الطريق أمام استعادة وحدة الشعب للوقوف إلى جانب الأسرى، ودفاعًا عن الأرض والقضية ولانتخاب قيادة موثوقة تحمي وتساند المقاومة وتكون بمستوى التحديات والتضحيات التي يقدمها الشعب، ويفتح الباب أمام انجاز حقوقه في العودة والتحرر والاستقلال.
فيما أدان حزب “جبهة العمل الإسلامي”، أكبر الأحزاب الأردنية، مشاركة الجانب الأردني الرسمي في لقاء “شرم الشيخ” الأمني اليوم.
وقال الحزب في بيان صحفي، إن مؤتمر “شرم الشيخ” يخدم “مساعي الاحتلال في محاصرة واستهداف المقاومة الفلسطينية المتصاعدة في الضفة الغربية، وبما يمثل ضوءاً أخضر للعدو الصهيوني لمواصلة جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، والمقدسات والوصاية الأردنية عليها”.
واعتبر أن المؤتمر، استكمال لقمة العقبة، جنوبي الأردن (26 فبراير الماضي) التي ثبت فشلها في وأد المقاومة في الضفة الغربية، والتي “أعلن الكيان الصهيوني انقلابه على مخرجاتها”.
وتساءل عن “المصلحة الأردنية من المشاركة في مثل هذه اللقاءات الأمنية؟” قائلاً إنها “تصب في خدمة الاحتلال الصهيوني، وتمثل استهتاراً بدماء الشهداء، وتضحيات الأسرى الذين يخوضون معركة الكرامة”.
وأكد ان المشاركة الأردنية “لا تنسجم مع الموقف الشعبي الرافض لمثل هذه اللقاءات، ولكافة أشكال التطبيع مع الاحتلال، ومع المطالب الشعبية بضرورة دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته”.
وانطلقت، اليوم الأحد، أعمال اجتماع “شرم الشيخ” الأمني، بمشاركة مسؤولين سياسيين وأمنيين من مصر والسلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، لبحث التهدئة في الأراضي الفلسطينية.
ويشارك في اجتماع “شرم الشيخ” من جانب السلطة، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات، ماجد فرج، والناطق باسم رئاسة السلطة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة.
ويأتي الاجتماع استكمالا للمناقشات التي شهدها اجتماع العقبة الأمني، للعمل على وقف الإجراءات الأحادية والتصعيد، حسب المنظمين.
وتشارك السلطة الفلسطينية، في الاجتماع الأمني، المقرر اليوم الأحد، في شرم الشيخ المصرية، بمشاركة “إسرائيل”، مصر، الأردن، ورعاية الولايات المتحدة ومشاركتها، وسط رفض شعبي وفصائلي فلسطيني.