– المسلمون يمثلون 9.7% من السكان المور والملايو والبهرة
– للتجار العرب دور في تبليغ الإسلام بعقيدتهم وأخلاقهم
– المسلمون واجهوا عنفاً بعد قدوم الاستعمار وأثناء الحرب الأهلية
– أبرز التحديات التي تواجه المسلمين اقتصادية وتعليمية
– المسلمون الآن يمارسون شعائرهم بحرية ولهم برامج إعلامية
سريلانكا التي كانت تعرف في الماضي باسم «سرنديب» جزيرة صغيرة في المحيط الهندي جنوب شرق شبه القارة الهندية، يفصلها عن الهند مضيق «بالك»، تبلغ مساحتها حوالي 65610 كم2، وحصلت على استقلالها في عام 1948م بعد نحو 150 عاماً من الاستعمار البريطاني، وعدد سكانها 21 مليوناً؛ 10% منهم مسلمون.
استثمرت «المجتمع» فرصة وجود د. نعيم محيي الدين، مدير معهد فاتح للدراسات العليا، أحد أبرز الوجوه الإسلامية السريلانكية، في الكويت، وأجرت معه حواراً تحدث فيه عن سريلانكا بصفة عامة، والمسلمين هناك بصفة خاصة.
ود. محيي الدين حاصل على البكالوريوس في الجامعة النظيمية وجامعة فيرادينيا بسريلانكا، وعلى الدكتوراة في الفقه وأصوله بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وصدرت له 6 كتب إسلامية والعديد من المقالات والبحوث والأوراق العلمية نشرت في مجلات محكمة.
كم عدد سكان سريلانكا؟ وما أصولهم وأعراقهم؟
– تعداد سكان سريلانكا تجاوز 21 مليون نسمة من أجناس وديانات ولغات وخلفيات تاريخية مختلفة، لكن السنهاليين (مجموعة عرقية هندو أوروبية) يشكلون أكبر مجموعة عرقية، ونسبتهم 70.2% من إجمالي السكان، وهم في الأصل من شمالي الهند هاجروا إلى الجزيرة في عام 504 ق.م. ويتكلمون اللغة السنهالية.
والمجموعة العرقية الثانية هي التاميل، ونسبتهم 12.6% من إجمالي السكان، ويسكن أغلبيتهم في محافظات الشمال والشرق، ويتكلمون اللغة التاملية.
ويمثل المسلمون 9.7% من إجمالي عدد السكان، وينقسمون لـ3 مجموعات؛ الأولى: المور (Moors)، وهي كبرى المجموعات الثلاث، ويرجع أصلهم إلى التجار العرب الذين هيمنوا على التجارة في الشرق منذ القرن الثامن، واستوطن بعضهم سريلانكا، وتزاوجوا مع سكانها، وشكلوا مجتمعاً مسلماً، ويتكلمون اللغة التاملية.
أما الثانية؛ فهي الملايو (Malay)، وهم من أصول إندونيسية وماليزية، أتوا إلى سريلانكا بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، ويتحدث المتعلمون منهم اللغتين الإنجليزية والسنهالية، أما غير المتعلمين فلغتهم لغة هجين من الملايوية والتاميلية والسنهالية.
والمجموعة الثالثة: البهرة (Borah)، وهي أصغر المجموعات، وينتمي أفرادها لبعض التجار الهنود الذين سكنوا الجزيرة في القرن التاسع عشر، وتتحدث هذه المجموعة لغتها الأصلية الأردو فيما بينهم في معاملاتهم العادية، لكن المتعلمين منهم متمكنون من اللغتين السنهالية والإنجليزية.
ما الديانات المنتشرة في سريلانكا؟
– هناك 4 ديانات في سريلانكا، هي: البوذية، والهندوسية، والإسلام، والنصرانية؛ فالبوذية هي دين غالبية السكان السنهاليين، ولها في الدولة مكانة متميزة بالدستور، والهندوسية دين أغلب التامليين، كما أن للنصرانية أتباعاً من السنهاليين والتامليين، ثم يأتي الإسلام وهو الدين الثالث من حيث عدد أتباعه.
كيف وصل الإسلام إلى سريلانكا؟
– ارتبط دخول الإسلام في سريلانكا بالتجار المسلمين والعرب؛ فقد كانت سريلانكا مركزاً للنشاط التجاري منذ أقدم العصور؛ لما اشتهرت به من إنتاج التوابل والأخشاب والجواهر، وكانت للعرب قبل الإسلام علاقات تجارية مع سريلانكا؛ حيث استوطنها بعضهم، وأطلقوا عليها اسم «سرنديب» أو «جزيرة الياقوت».
فللتجار العرب دور عظيم في تبليغ الإسلام لأهل سريلانكا، لأنهم لم يأتوا فقط ببضائعهم التجارية، بل حملوا معهم عقيدتهم وأخلاقهم التي تعلموها من دينهم الإسلام، كما تقول الكاتبة «لورنا ديواراجا»: «تشير أدلة كثيرة إلى أن العلاقة بين سريلانكا والتجار العرب لم تنحصر في التجارة فحسب، بل امتدت إلى العلاقة الدينية والثقافية أيضاً».
كيف كانت معاملة الأكثرية مع الأقلية المسلمة قديماً وحديثاً؟
– قديماً؛ رحب الملوك السنهاليون بالتجار المسلمين كونهم يشكلون فوائد اقتصادية لسريلانكا، وقد استفاد الملوك السنهاليون منهم في بناء علاقات خارجية بالدول الأخرى، وقد وجد المسلمون روح التسامح والمعايشة السلمية وقبول الآخر في السنهاليين.
وحظي المسلمون في سريلانكا بنفوذ كبير، إلا أن الدول الاستعمارية التي احتلت سريلانكا قلصت من نفوذهم، حتى إنها أبادت قرى مسلمة بأكملها، وحاولت إزالة الوجود الإسلامي من الجزيرة؛ فبدأ المسلمون ينتقلون من مناطقهم السواحلية إلى مملكة كاندي التي تقع في وسط سريلانكا، وقد عيَّن الملوك السنهاليون مسلمين في مناصب إدارية مهمة في المملكة، كمستشارين تجاريين وسياسيين وغيرها من الوظائف المهمة.
ما التحديات والمشكلات التي تواجه المسلمين في سريلانكا؟
– واجه المسلمون مصاعب وأعمال شغب وعنف بعد قدوم الاستعمار الأوروبي، كان أبرزها في عامي 1814 و1915م، وخلال الحرب الأهلية التي استمرت 25 عاماً بين التاميل والحكومة ارتكب المتطرفون التاميليون جرائم عنصرية ضد المسلمين، وقد وقعت عمليات عنف ضدهم في المحافظات الشرقية والشمالية؛ حيث قامت حركة النُّمور الإرهابية بإخراج مائة ألف مسلم من المحافظات شمالية عام 1990م، وقتلت عدداً منهم، وصادرت أموالهم ونهبت ممتلكاتهم ودمرت مساجدهم.
وبعد انتهاء الحرب، شنت جماعات بوذية هجمات عنصرية على المسلمين، وكانت هناك محاولات لإلغاء قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ونظام المحاكم الشرعية الخاصة بشؤون الزواج والطلاق للمسلمين، وقامت أيضاً بحملات ضد الحجاب، وتعرض اقتصاد المسلمين ومتاجرهم ومساجدهم وبيوتهم لهجمات عنصرية شرسة، وقد كان قرار الحكومة بحرق جثث المسلمين أثناء جائحة «كورونا» شكلاً من أشكال هذا التعنت.
وقد بلغت موجة كراهية ضد المسلمين ذروتها من قبل الغالبية السنهالية البوذية بعد هجمات 21 أبريل 2019م التي استهدفت كنائس وفنادق فخمة، وأودت بحياة 267 شخصاً، واتُّهم بتنفيذها مسلمون، ومن ثم أصبحت مؤسساتهم وجماعاتهم الدعوية والخيرية والتعليمية محل اتهام وشك وتحقيق وسجن وغير ذلك من المعاناة التي تستمر إلى الوقت الحاضر.
وقد استغل الرئيس السريلانكي المخلوع «جوتابايا راجاباكسا» مشاعر الغالبية البوذية ضد الأقلية المسلمة للفوز في الانتخابات عام 2019م، لكن الوضع هدأ الآن إلى حد كبير في ظل الحكومة المؤقتة، وإن كانت الأسباب التي أدت لهذه المشكلات ما زالت موجودة.
أما أبرز التحديات التي تواجه المسلمين الآن فهي الأزمة الاقتصادية المتمثلة في نقص الغذاء والوقود والأدوية وانقطاع التيار الكهربائي والتضخم القياسي المتسارع والغلاء الفاحش والديون الهائلة على الحكومة التي تبلغ 51 مليار دولار ونقص العملات الأجنبية.
وفي القطاع التعليمي، يواجه المسلمون مشكلات كثيرة، منها قلة المرافق الأساسية لمدارس المسلمين من الفصول الدراسية والمختبرات العلمية وغيرها.
هل تختلط الأقليات وتندمج في المجتمع، أم تعيش في مناطق منعزلة؟
– المسلمون منتشرون في جميع المحافظات، وهم في الشرق والشمال يعيشون غالباً مختلطين بالتاميل، بينما الآخرون في المحافظات الأخرى يعيشون مع السنهاليين في مدن وقرى متفرقة.
والمسلمون هم الأغلبية في المحافظات الشرقية حيث يشكلون 43.6% في مقاطعة أمباري، و42.1% في مقاطعة تيرينكومالي، و25.5% في مقاطعة باتيكولو.
ويتمتع المسلمون الآن بحرية ممارسة شعائرهم وبناء المساجد ومؤسسات لتعليم الإسلام لأبناء المسلمين للمحافظة على الهوية الإسلامية، وبناء المراكز الإسلامية مسموح به في سريلانكا، إلا أن هناك بعض الضوابط من الحكومة في الوقت الحاضر.
وفي مجال الإعلام، خصصت الحكومة ساعات معينة لإذاعة البرامج الإسلامية في الإذاعة وبثها في القناة الحكومية الرسمية، ولهم مطبوعاتهم وجرائدهم، وفي رمضان تذاع برامج رمضانية بأوقات مخصصة في الراديو والتلفاز الحكوميين.
هل هناك محاولات لانتشال المسلمين من الفقر؟
– الفقر منتشر بين شريحة كبيرة من المسلمين بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد بقوة، ومنهم من قلل من عدد وجبات الطعام إلى وجبة أو اثنتين، حسب تقرير للأمم المتحدة.
والحكومة عاجزة عن حل مشكلة الفقر؛ لما عليها من الديون الثقيلة للدول الخارجية ونقص العملات الأجنبية، وهناك أزمة حقيقية في إدارة البلاد ومشكلة تعيق إجراء الانتخابات وامتحانات الطلاب بسبب نقص الأوراق؛ ولذلك فمسؤولية المجتمعات المدنية والإنسانية والحكومات الصديقة كبيرة في حل هذه الأزمة.
ما نسبة التعليم للجميع بصفة عامة، وللمسلمين بصفة خاصة؟
– نسبة التعليم في سريلانكا عالية، خاصة بين الشباب من عمر 15 – 24 عاماً، فحسب تقرير عام 2020م، وصلت نسبة القادرين على القراءة والكتابة إلى 99.12%، والتعليم مجاني حتى الجامعة، ونسبة التعليم بين المسلمين هي نفس المستوى الوطني، لكن هناك أكثر من 800 مدرسة حكومية للمسلمين تعاني من نقص المرافق الأساسية والمختبرات العلمية والمدرسين المدربين.
من يقوم على تعليم المسلمين دينهم؟
– تقوم به المدارس الإسلامية التي تخرج العلماء الذين يؤمون الصلوات الخمس ويخطبون الجمعة ويلقون الدروس في المساجد، وللجماعات الإسلامية دور بارز في تعليم الدين للمسلمين، وهناك نظام مدارس الأحد الحكومية للطلاب والطالبات لتعليم الإسلام.
ماذا عن جودة التعليم ولغته؟
– التعليم قوي بشكل عام، لكنه عتيق يحتاج لتجديد وإصلاح جذري عميق في مناهجه وطرق تدريسه كما تطور في الدول الأوروبية، وهناك مبادرات بين الحين والآخر في هذا الإطار، إلا أنها لم تكن على المستوى المطلوب.
أما لغة التعليم فليست واحدة؛ فاللغة السنهالية التي هي اللغة الأم للأغلبية السنهالية لغة التدريس في المدارس السنهالية، واللغة التاميلية هي اللغة الأم للتاميل والمسلمين، وهي لغة التدريس في مدارسهم، وبعض المدارس تعلم بعض المواد باللغة الإنجليزية، أما لغة التعليم في المدارس الخاصة فهي اللغة الإنجليزية.