لم تتوقف استفزازات الغرب، والشرق أحياناً، للمسلمين منذ بدأ نور الإسلام في الانتشار، ففي المدينة المنورة، قام يهودي موتور باستفزاز مشاعر المسلمين، بانتهاك حرمة امرأة مسلمة، وقد نتج عن هذا الاستفزاز الوقح إجلاء قوم ذلك الرجل الذين نقضوا العهد الذي أبرموه مع النبي صلى الله عليه وسلم، خير من حفظ العهود، فكانت جريمته شؤماً على أهله وقومه.
وامعتصماه!
وخلد التاريخ صرخة امرأة في عمورية تذكرت لما تعرضت للإهانة أنها على دين قوم لا يقبل أن يهان أحد أتباعه، وخصوصاً إذا كانت امرأة، لقد جُيشت الجيوش، واحتشدت الجموع، وأنفقت الأموال لتنتصر لمسلمة أهينت في بلاد بعيدة، وذلك لأن الدولة كانت تعتبر إهانة أتباعها إهانة للدولة ذاتها.
هناك خوف تاريخي عميق الجذور وسوء فهم للإسلام يغذيه تشويه وسائل الإعلام له
وضيق المعتصم الحصار على عمورية، وقذفها بالمجانيق حتى فتحت، ولما فتحت بحث المعتصم بن هارون الرشيد عن المرأة حتى وجدها، وقال لها: هل أجابك المعتصم؟ قالت: نعم أعزّ الله ملك أمير المؤمنين بحسبي من المجد أنك ثأرت لي، بحسبي من الفخر أنك انتصرت لي.
واغوثاه يا حكم!
وفي الأندلس، وقعت امرأة مسلمة في الأسر في منطقة وادي الحجارة (57 ميلاً شمال شرق مدريد اليوم)، وكان القاضي الشاعر عباس بن ناصح الجزيري قريبًا من موقع أسرها، فسمعها تستغيث وتقول: واغوثاه بك يا حكم! لقد أهملتنا حتى كَلِبَ العدو علينا فأيّمنا وأيتمنا، فسألها عن شأنها فذكرت له قصة أسرها، فأبلغ الشاعر الأمير بقصيدة استغاثة، كان منها:
تدارك نساء العالمين بنصرةٍ فإنك أحرى أن تُغيث وتنصُرا
فما كان من الحكم إلا أن نادى بالجهاد والاستعداد وجهز جيشاً قاده بنفسه، وسار إلى وادي الحجارة، وأنقذ المرأة المسلمة وجميع أسرى المسلمين، وقال لها: هل أغاثك الحكم؟ فقالت: نعم، ودعت له.
تجرؤ غير مسبوق على المسلمين
دار الزمان دورته، ودالت دولة الإسلام، وتكالبت الأكلة علينا، لا من قلة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكننا الآن غثاء كغثاء السيل، ألقي في قلوبنا حب الدنيا وكراهية الموت.
في عام 2005م، دنسوا القرآن الكريم في معتقل جوانتانامو، وقد أكد تحقيق عسكري أمريكي وقوع 4 حالات لتدنيس القرآن بواسطة المحققين الأمريكيين.
قد يكون الدافع وراء الجرأة على القرآن التنفيس عن أحقاد وإحباطات سياسية
ومنذ عام 2010م، قام القس المسيحي تيري جونز من مركز «دوف» للتواصل العالمي، وهو عبارة عن كنيسة صغيرة بفلوريدا، بعدة محاولات لمحاكمة وحرق القرآن الكريم.
وفي الفيلم الوثائقي «أكثر عائلة أمريكية مكروهة في أزمة» الذي أخرجه لويس ثيرو، شرحت ميجان فيليبس، من كنيسة ويستبرو المعمدانية، في مقابلة أجريت معها، أنهم قاموا بشكل متعمد وعلني بحرق نسخة من القرآن.
وفي فبراير 2012م، اندلعت المظاهرات في عدة أماكن بأفغانستان بسبب حرق القوات الأجنبية لعدد من المصاحف في قاعدة بجرام الجوية، ويذكر أن 30 شخصاً استشهدوا في تلك المظاهرات.
حرق القرآن في السويد
في أبريل 2022م، قام راسموس بالودان مع أنصار حزبه، حزب الخط اليميني المتطرف، بإحراق نسخ من القرآن الكريم.
وفي 21 يناير 2023م، قام بالودان بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية بالعاصمة السويدية ستوكهولم.
سلوان موميكا
في 28 يونيو 2023م، قام سلوان موميكا، وهو لاجئ عراقي في السويد ذو أصول مسيحية، بتمزيق نسخة من القرآن الكريم، ثم حرقها عند مسجد ستوكهولم المركزي، في أول أيام عيد الأضحى، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحًا بتنظيم الاحتجاج إثر قرار قضائي!
السويد رفضت التصريح بحرق التوراة لشابين سويديين مع أن قانونها لا يمنع ذلك!
لماذا القرآن فقط؟
في محاولة يائسة لنفي ازدواجية المعايير التي تنتهجها السويد في التعامل مع المسلمين ومع كتابهم القرآن العظيم، نشرت وسائل إعلام أن السلطات السويدية سمحت للمواطن السويدي أحمد علوش بحرق التوراة أمام السفارة الصهيونية في ستوكهولم، ولكنه أظهر كذبهم وكذب وسائل الإعلام عندما أعلن أمام الصحفيين من أمام السفارة أنه لم يُمنح إذناً بحرق التوراة، والذي حدث أنه مُنح فقط إذناً بالتظاهر أمام السفارة الصهيونية، ولكن جل وسائل الإعلام نشرت أنه سمح له بحرق التوراة وهذا كذب!
ما الذي يدفعهم لاستفزازنا.. ونحن لا نستفز أحد؟
في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، تفاقمت حوادث تدنيس القرآن، خاصة في العالم الغربي، وأثارت موجات من ردود الفعل الغاضبة، فما الأسباب الكامنة وراء الجرأة على تدنيس القرآن؟ وما الدوافع المحتملة لهذه الظاهرة؟ ولماذا لا تتعرض الكتب المقدسة الأخرى لما يتعرض له كتاب الإسلام؟
1- تفاقم المشاعر المعادية للإسلام:
من العوامل المهمة التي ساهمت في الجرأة على تدنيس القرآن تفاقم المشاعر المعادية للإسلام وظهور «الإسلاموفوبيا»، ففي قطاعات معينة من المجتمعات الغربية، يوجد خوف تاريخي عميق الجذور وسوء فهم للإسلام، يغذيه تشويه وسائل الإعلام للإسلام وإظهاره بصور النمطية السلبية.
2- التنفيس عن الأحقاد السياسية والاستفادة من ردود الفعل:
في بعض الحالات، مثلما في الحالة الأخيرة، قد يكون الدافع وراء الجرأة على القرآن هو التنفيس عن أحقاد وإحباطات سياسية، والرغبة في الاستفادة من ردود الفعل لدعم أجنداتهم السياسية الخاصة، أو جذب انتباه وسائل الإعلام، وهكذا يصبح القرآن هدفاً للتدنيس كأداة لتعزيز الأيديولوجيات الخلافية وكسب الأتباع والمؤيدين.
لم يحاول مسلم أن يحرق كتاباً مقدساً لأي ديانة سماوية أو غيرها
3- سوء الفهم والتفسير الخاطئ للتعاليم الإسلامية:
غالباً ما يؤدي الجهل بالطبيعة الحقيقية للإسلام إلى التعميمات الخاطئة ونشر الصور النمطية السلبية؛ مما يعزز المعتقدات المضللة، فأولئك الذين يدنسون القرآن قد يربطونه بسبب الضخ الإعلامي المستمر المعادي للإسلام، بأعمال إرهابية مزعومة أو كراهية للنساء أو عدم المساواة بسبب فهمهم المحدود.
4- المعايير المزدوجة:
أثبت أكثر من شاب سويدي مسلم، من أصول عربية، أن المعايير المزدوجة هي التي تحكم السياسة الغربية، وخصوصاً في دولة مثل السويد، فقد رفضت السويد التصريح بحرق التوراة لشابين سويديين؛ أحدهما من أصول مصرية، هو خالد الهواري، والآخر من أصول سورية هو أحمد علوش، مع أن القانون السويدي الذي لا يمنع، كما يدعون، حرق القرآن، لا يمنع أيضاً حرق التوراة.
5- غياب رد الفعل الإسلامي القوي:
ثارت إشاعة عارية عن الصحة، تداولتها وسائل إعلام كثيرة بأن السويد صرحت للشاب أحمد علوش بحرق التوراة، تحركت على إثرها كل دولة الكيان الصهيوني (اليهودية) الرسمية من أول رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الأمن وكبار القادة لشجب حرق التوراة، وطالبوا السويد بوقف ذلك وهددوا بسحب السفير «الإسرائيلي»، مدعين أن ذلك معاداة للسامية، كان رد الفعل الصهيوني سريعاً، وقوياً، حتى قبل التأكد من الخبر، مع أن أغلب سكان «إسرائيل» 54% ملحدون، حسب معهد «جالوب».
لم يحدث أن حاول مسلم أن يحرق كتاباً مقدساً لأي ديانة سماوية أو غير سماوية، حتى كرد فعل على ما يحدث من انتهاكات في حق الإسلام والمسلمين، ولكن الجرأة على مقدساتنا أصبحت ظاهرة عالمية، تقع الحادثة فتثور الشعوب لبعض الوقت، ثم تنسى ولا تتذكر إلا عند وقوع حادثة أخرى أشد.
فما الذي يغيّب رداً قوياً على هذه الانتهاكات، يُسكت، بل ويقمع كل أنواع الاستفزازات؟!