تلعب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي دورًا في إحداث تحولات جذرية تخترق البنى القيمية والمعرفية
يلعب رافد التربية العمود الفقري في التنمية البشرية الشاملة لجميع روافع الاجتماع البشري، ويستأثر منه التعليم بحصة الأسد، في جميع الأنظمة التربوية – التعليمية، ويبقى دور المعلم محفوظ المرتبة في صدر العملية التعليمية.
ويجمع خبراء في تصريحات لمجلة المجتمع على ضرورة امتلاك المعلم في الوطن العربي لمجموعة من المواصفات التي تجعله قادراً على المساهمة في تطوير المنظومة التعليمية.
يؤكد الأكاديمي والمفتش التربوي المغربي مولود أجراوي على ألا يلج مهنة التعليم إلا نخبة الطلبة والطالبات المتخرجين من الكليات، والذين تتوافر فيهم شروط معرفية ونفسية واجتماعية وقيمية وحس حركية.
ويشدد على ضرورة تلقي المعلم تكويناً متيناً، يمده بكفايات معرفية أساسية حول المواد الدراسية، وكفايات بيداغو – ديداكتيكية (كفايات علم التربية والتعليم)، تتيح له تقريب المادة الدراسية من المتعلم.
وتطوي هذه الكفايات تحت جناحيها كفاية التخطيط وكفايات التدبير وكفايات التقويم، علاوة على كفايات صحة نفسية، تسمح له بالتعامل المتوازن مع فئة المتعلمين وموظفي المؤسسة ومحيطها، وكفايات اجتماعية، تجعله يلعب دوراً بانياً بين ظهراني المجتمع المدرسي وخارجه، دون الغفلة عن الكفايات القيمية، التي يعمل من خلالها على إعطاء النموذج القيمي المتوازن والمتماشي مع الإطار الديني والأخلاقي والاجتماعي الذي يؤطر الحياة داخل المؤسسة وخارجها، والكفايات الحس-حركية، بما تسمح له بالقيام بما يتطلبه دوره علاقة بتموضعات الجسم.
مهارات أساسية
أما د. عبد الحفيظ ملوكي رئيس الجمعية المغربية للمكونين، فيبرز أن تطوير التعليم في الوطن العربي يقتضي تمكن المعلم من مهارات أساسية، تشمل ما هو معرفي، ومهاري، وقيمي، وتبصري، ومنها تمكنه من فهم عميق للمنهاج الدراسي بكل مكوناته، وامتلاكه للكفايات المهنية الخاصة بالتدريس.
ويشدد على أهمية القدرة على تخطيط أنشطة التعلمات والتقويم باستحضار أهم مقاربات التدريس المتمثلة في مركزية المتعلم في العملية التعليمية، وفق خصوصيات المنهاج الدراسي، والفئة المستفيدة، والمحيط السوسيو ثقافي، والقدرة على تدبير ما تم التخطيط له مستحضراً مختلف أنواعه: الزمن، والوسائل، والتعلمات، وجماعة الفصل، والفضاء، وأيضاً على تقويم التعلمات، في مختلف محطات التعلم.
ويضيف أن مواكبة التعليم للمستجدات الرقمية، يفرض على المعلم امتلاك مهارات رقمية تمكنه من توظيف التكنولوجيا في التدريس، وتحقيق التعلم النشط؛ أي ينبغي عليه التمكن من توظيف أحداث الطرائق والأساليب النشطة في التعلم؛ ما يضفي المتعة في التعلم، مع زيادة دافعية المتعلم، وتعد المهارة التبصرية لدى المعلم أكثر أهمية، لقدرته على حل المشكلات التربوية، وتمكينه من مساحات للإبداع، كما أنه ملزم بمهارات تواصلية مع المتعلمين، وذلك من شأنه تعزيز التعاون والعلاقات الإيجابية.
ومن أهم المهارات كذلك، قدرة المعلم على التطوير المستمر لقدراته مواكبة للمتغيرات المتتالية وتجاوزاً للمشكلات المستمرة، وقدرته على امتلاك الوعي المهني بأهمية الإخلاص في العمل، وتقديم أفضل ما يمكن.
تحولات جذرية
بدوره يبرز الأكاديمي المغربي عبد الإله دحمان رئيس المركز المغربي للأبحاث حول المدرسة أن هناك تحولات جذرية تخترق البنى القيمية والمعرفية والاقتصادية والاجتماعية، تلعب التكنولوجيا والمعرفة والذكاء الاصطناعي دوراً محورياً بصددها، وعليه لا بد من تمثل مواصفات متعلقة باستشراف مهن التدريس المستقبلية، بمعنى أن الإجابة حول مهارات المعلم يجب أن تتجه صوب المستقبل ومهارات المستقبل في اتفاق مع التحولات الجارية.
ويرى ضرورة اعتماد معايير ومواصفات عالمية للجودة الشاملة يتم اعتمادها وتطبيقها على جميع مكونات العملية التعليمية وفي قلبها المدرس بالإضافة إلى تغيير حقيقي على مستوى البرامج أو المناهج، والمدخل هنا هو البحث التربوي لأننا نعيش اقتصاد المعرفة وعصر الإبداع والابتكار وبالتالي يجب تفعيل دور البحث التربوي داخل المدرسة، والمدرس معنيّ بهذا الدور أساساً.
ويشدد على أهمية إعادة النظر في طرق التكوين المستمر والأساس منهاجاً ومضموناً، بحيث تتم تنمية مهارات أنماط التفكير بطرق عملية فعالة وتعليم المهارات الحياتية المستقبلية والوعي بالتحولات القيمية، وهذا مسمى يتطلب منظومة تربوية في مسار التحول.
ويخلص إلى الحاجة إلى مدرس مشبع بالثقافة الرقمية والإبداعية والقدرة على استثمار الذكاء الاصطناعي التربوي، ومنح المدرس مساحة حرية أوسع داخل الصف، وتمكينه من بيئة تعلم إلكترونية مرنة، والتحلي بمهارات تعليم الناشئة، وهي مقاربة تربوية جديدة جاءت بها نظرية الميتامعرفة التربوية.