رغم الترويج المستمر له على أنه إعلام محايد ومهني، فإن الكثير من وسائل الإعلام الغربية تسقط دائماً في امتحان غزة وقضايا العرب والمسلمين، وتخط بمداد مسموم أخباراً وتقارير كاذبة تدعم الاحتلال وتقيد صحفييها ومراسليها عن قول الحق.
وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية والأوروبية عموماً انتهجت نهجاً غريباً، ليس فقط بدعم الاحتلال ومحاولة استنطاق أي ضيف بأن «حماس» إرهابية، وأنها أخطأت بالهجوم على «إسرائيل»، بل نشرت وجهات نظر الجيش الصهيوني وأغفلت مجازر غزة.
لم يقتصر الأمر على بث أكاذيب وانحياز للاحتلال الصهيوني، ولكن امتد الأمر لمعاقبة شبكة «بي بي سي» 6 من صحفييها العرب بالقاهرة وبيروت لمجرد إبداء رأيهم بحرية عبر مواقع التواصل، كما أبعدت قناة «MSNBC» الأمريكية 3 من مذيعيها المسلمين عن الشاشة؛ استجابة للضغوط الأمريكية و«الإسرائيلية» بسبب تغطيتها للعدوان الصهيوني في غزة، وهم: مهدي حسن (أمريكي – بريطاني من أصول هندية)، وأيمن محيي الدين (أمريكي – مصري)، وعلي فيلشي (كندي من أصول هندية)، بحسب موقع «سيمافور»، في 13 أكتوبر 2023م.
تحريض على قصف المستشفيات!
امتد الأمر لتحريض موقع «بي بي سي» جيش الاحتلال الصهيوني على قصف المستشفيات بدعوى أن أسفلها أنفاق لـ«حماس»، ونتج عنه قصف مستشفيات بالفعل أخطرها جريمة قصف المستشفى المعمداني في غزة الذي كان يكتظ بالمدنيين الفارين من القصف المتواصل بلا هوادة على القطاع، وقتل فيه أكثر من 500 شهيد، وقد وجهت أصابع الاتهام للشبكة البريطانية بأنها حرضت «إسرائيل» على قصف المستشفى بعد نشرها تقريراً قبل أيام تزعم فيه قيام حركة «حماس» ببناء العديد من الأنفاق أسفل المستشفيات.
يقول التقرير: تعتبر أنفاق غزة بمثابة متاهة مترامية الأطراف لدرجة أن الجيش «الإسرائيلي» يطلق عليها اسم «مترو غزة»، الذي نشر قبل أيام، زعمت ليز دوسيه، كبيرة المراسلين الدوليين لمحطة «بي بي سي» في جنوب «إسرائيل» التي نشرته أن الأنفاق موجودة أسفل المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد!
تبع هذا قيام الاحتلال بتكثيف قصف المنازل والمساجد والمدارس والمباني العامة!
'Does Hamas build tunnels under hospitals and schools?'#BBCYourQuestionsAnswered ⬇️
— BBC News (World) (@BBCWorld) October 16, 2023
قطع رؤوس أطفال «إسرائيل»!
قنوات أمريكية مثل «سي أن أن»، و«سي بي سي»، و«فوكس» نشرت أيضاً أكاذيب مثل قطع رجال المقاومة (القسام) رؤوس أطفال «الإسرائيليين»، وحين ثبت أنها أكذوبة لم يعتذروا إلا مراسلة واحدة منهم.
هذا الانحياز الإعلامي الغربي الأعمى انتقل للسياسيين حين روج الرئيس الأمريكي بايدن أكاذيب إعلامه حول قطع «حماس» رؤوس أطفال، ثم تراجع البيت الأبيض بعد اكتشاف أنها أكذوبة صهيونية.
لكن وقع هذه الأكاذيب الإعلامية انعكس على واقعة قتل بشعة قام بها أمريكي طعن طفل مسلم 26 طعنة بسكين وقتله هو وأمه؛ لأنه قرأ في «الميديا» الغربية قصص قتل «حماس» لأطفال «إسرائيل» وقطع رؤوسهم!
https://twitter.com/SumayyaZra28676/status/1713694500613197890
وقد كشف تحقيق أجراه موقع «غراي زون» (Gray zone) الاستقصائي المستقل 11 أكتوبر 2023م، أنّ مصدر شائعة الأطفال «الإسرائيليين» المقطوعة رؤوسهم في مستوطنة كفار عزة خلال معركة «طوفان الأقصى»، أطلقها زعيم استيطاني حرّض في وقت سابق في مايو 2023م على محو قرية حوّارة في نابلس.
وحدد الموقع اسم الزعيم الاستيطاني الذي أطلق الشائعة وهو ديفيد بن صهيون، زعيم المجلس الإقليمي شمرون الذي يضمّ 35 مستوطنة في الضفة الغربية، وهو المحرّض الرئيس ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في وقت سابق.
قال الموقع: إنه بعد التدقيق في تفاصيل هذه الادعاءات ومصدرها، تبين أن القناة «i24» العبرية، وبالتحديد الصحفية نيكول زيديك العاملة في القناة، نقلت هذه الرواية عنه، خلال زيارتها للمستوطنة برفقة جنود الاحتلال.
حيث عرضت القناة القصة على أنها حقيقة مثبتة ومن ثم تبناها الإعلام الغربي، من دون أن تعرض أي دليل أو صورة، بل حاولت الإيحاء بأنّ المسألة ثابتة عبر عرض أكياس جثث لا تدل على كونها تعود لأطفال، وعرض دماء على الأرض أو على أغراض منزلية.
ولفت موقع «غراي زون» إلى أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو مارس دوراً مهماً بانتشار رواية قطع رؤوس الأطفال على صعيد واسع، لجرّ رعاته الأمريكيين إلى دعمه وحمايته بشكل أكبر.
وقد أكد جيش الاحتلال لوكالة «الأناضول» عدم وجود معلومات لديه تؤكد مزاعم قيام «حماس» بقطع رؤوس أطفال.
واضطر مكتب المتحدث باسم جيش الاحتلال للقول: إنه ليس لديه أي معلومات تؤكد ما نشرته الصحف «الإسرائيلية»، وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي حول قيام عناصر «حماس» بقطع رؤوس الأطفال.
قلب الحقائق لدعم الاحتلال
الأكاذيب بدأ ضخها عبر آلة الدعاية الصهيونية بتسريب أخبار كاذبه للمراسلين الأجانب في «إسرائيل» عن «إجرام حماس»، وتصوير جنود «القسام» على أنهم «دواعش» متطرفون قتلوا النساء والأطفال وقطعوا الرؤوس.
وتلقفها الإعلام الأمريكي والبريطاني والغربي عموماً، ومراسلوهم، ونشروها على أنها حقائق، مع أن لهم مراسلين على الأرض يمكنهم التحقق من كذب أو صحة المعلومة، لكنهم نقلوها بدون أي تأكيد كنوع من الدعاية الكاذبة.
وبالمقابل، تعامى الإعلام الغربي كعادته عن الجرائم الصهيونية في غزة ضد المدنيين وقتل آلاف الأطفال والنساء وأسر كاملة، واستخدام الاحتلال أسلحة محرمة مثل الفسفور الأبيض الحارق على أجساد الأطفال.
حين تنصل الاحتلال من قصف المستشفى المعمداني في غزة، ورغم أن المستشفى تابع للكنيسة الغربية وداخله كنيسة لجأ لها الأبرياء، تبنى المراسلون الغربيون رؤية «إسرائيل» أن «الجهاد الإسلامي» هي التي قصفت، ونشروا فيديو قديماً مفبركاً قبل أن يفضحهم نشطاء مواقع التواصل بإثبات مسؤولية الاحتلال عبر أدلة من الخرائط والأقمار الصناعية.
وقد رد الأزهر على هذه التغطيات الإعلامية الغربية بوصفها «متعصبة ومتحيزة ضد فلسطين وأهلها، وهي أكاذيبُ تفضح دعاوى الحريات التي يدعي الغرب حمايتها».
وطالب الأزهر الحكومات العربية والإسلامية بـ«اتخاذ موقف موحد في وجه الالتفاف الغربي اللاإنساني الداعم للكيان الصهيوني»، بحسب بيان صادر عنه الأربعاء 11 أكتوبر 2023م.
وأكد البيان أن التغطيات الإعلامية الغربية متعصبة ومتحيزة ضد فلسطين وأهلها، وهي أكاذيب تفضح دعاوى الحريات التي يدعي الغرب حمايتها، داعياً إلى تقديم المساعدات الإنسانيَّة والإغاثية على وجه السرعة، وضمان عبورها إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.