يتساءل المسلمون، بل كل أحرار العالم: من أين جاءت تلك القسوة الوحشية في قلوب وأفكار وسلوك أفراد جيش الاحتلال الصهيوني، التي تجردت من أي مشاعر إنسانية، أو قيم ممكن أن يتصف بها إنسان؟! فهم يفتِّتون عظام الأطفال، ويدمرون جماجم النساء والشيوخ والرجال في حالة انتقام هستيرية، وكأنهم يتسابقون إلى تسجيل أبشع أنواع القسوة في التاريخ.. ليس لأنهم يملكون الشجاعة والقوة، ولكن فقط لأنهم يملكون أحدث الأسلحة وأكثرها فتكاً في العالم، كما أنهم يملكون غطاء دولياً غير مسبوق، حيث تتسابق الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا على إظهار الدعم والمشاركة في ذلك العدوان البشع!
إذا تتبعنا الأسباب الحقيقية لقسوة وبشاعة الإجرام الصهيوني في غزة، يمكننا أن نشير إلى مقومات الشخصية اليهودية التي تُبنى على أوهام دينية يروجون أنها مستقاة من التوراة، ولكنها في الحقيقة لا تمت للكتاب المقدس بشيء، وإن كانت تستند إلى تفسيراتهم التلمودية التي صنعوها ليعبدوها، كما صنعوا لهم عجلاً له خوار، وعبدوه، وهم بين يدي نبي الله هارون عليه السلام.
المناهج المدرسية في «إسرائيل» تربي تلاميذها على العنصرية ونظام «الأبرتايد»!
ومن بين تلك المؤثرات الثقافية التي تلقن لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، والجنود وضباط الجيش «الإسرائيلي»، أنهم يدافعون عن «شعب الله المختار»، وهذا المفهوم يجعلهم فوق رؤوس الجميع، وهم شعب وبقية الأمم لا ترتقي لدرجة الإنسانية، حيث أشار البروفيسور أدير كوهين، في كتابه «وجوه قبيحة في المرآة»، الصادر عام 1985م، إلى وجود أكثر من 1500 كتاب من أدبيات الطفولة اليهودية، بين أيدي الناشئة اليهود، تمثل ذروة الاستعلاء والفوقية اليهودية في مواجهة دونية مغرقة في التحقير لكل من هو عربي ومسلم.
وفي العام 2016م، كشفت صحيفة «هاآرتس» عن أن وزارة التعليم توصي طلاب المدارس «الإسرائيلية» في المرحلة الإعدادية بمطالعة كتب تتضمن «رؤى عنصرية ضد العرب، واستعلائية يهودية»، وفي دراسة للباحثة نوريت بيلد الحنان، أكدت أن الكتب المدرسية في «إسرائيل» تربي تلاميذها على العنصرية ونظام «الأبرتايد»، حيث خلصت الدراسة إلى أن «الأبرتايد الإسرائيلي» ليس فقط قوانين للعنصرية، بل طريقة تفكير ضد العرب.
ووفقاً للتراث الديني الثقافي اليهودي، فإن أرواح اليهود مستمدة من الكيان المقدَّس، في حين جاءت أرواح الأغيار من المحارات الشيطانية والجانب الآخر الشرير.
صفات الأغيار!
ومن صفات الأغيار في التعاليم اليهودية أنهم كاذبون، وأنجاس، ولا يجوز الأكل من طعامهم أو التزاوج منهم، وأن نساءهم عاهرات فاسدات وهن بمنزلة البهيمة، واليهودي لا يخطئ عندما يعتدي على عرض الأجنبي؛ فيزني بامرأة أجنبية، بل إن اليهودي له الحق في اغتصاب النساء الأجنبيات دون أن يكون قد اقترف إثماً أو ذنباً، وكان مؤتمر الدراسات التلمودية الثامن عشر الذي عُقد في القدس عام 1974م، قد أصدر قراراً بمنع الطبيب اليهودي من مساعدة المرأة غير اليهودية على الحمل، وكان على رأس المؤتمر رئيس الوزراء الهالك «إسحاق رابين»؛ وهو ما يعني تطابقاً بين ما هو ديني وتنفيذي في الدولة العبرية.
ومن تأصيلات السلوك العدواني للجيش والحكومة الصهيونية، ما يستندون إليه في أسفارهم، مثل ما جاء في «سفر أشعياء» (61/ 5 – 6): «ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم، أما أنتم فتُدعَون كهنة الرب تُسمَّون خدام إلهنا، تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمَّرون»، كما جاء في «سفر ميخا» (4/ 12): «قومي ودوسي يا بنت صهيون لأني أجعل قرنك حديداً وأظلافك أجعلها نحاساً فتسحقين شعوباً كثيرين».
يهيمن على أفكار المتدينين اليهود أن العرب والمسلمين أشرار يجب التخلص منهم!
ووفقاً لموسوعة عالم «الإسرائيليات» الأشهر عبدالوهاب المسيري، فإن جميع فئات الشعب «الإسرائيلي» تغذَّى بنظرية الحلول، التي تتبدى في التمييز الحادّ والقاطع بين اليهود كشعب مختار أو كشعب مقدَّس يحل فيه الإله من جهة، والشعوب الأخرى التي تقع خارج دائرة القداسة من جهة أخرى.
ويغذي الحلول نظرية المؤامرة لدى اليهود، حيث يرى اليهودي كل شيء على أنه مؤامرة موجهة ضده؛ وهو ما يرسخ لديه أن كل البشر أشرار مدنَّسون يستحيل الدخول معهم في علاقة، ويصبح من الضروري إقامة أسوار عالية تفصل بين من هم داخل دائرة القداسة ومن هم خارجها.
ضربة نووية!
ووفقاً لهذا المفهوم، يمكن تفسير مطالبة وزير التراث الصهيوني «عميحاي إلياهو» بتنفيذ ضربة نووية في غزة؛ للقضاء عليها تماماً، حيث يهيمن على أفكار المتدينين اليهود أن العرب والمسلمين أشرار يجب التخلص منهم، وهو أيضاً ما يفسر قتل أبناء غزة وهدم البيوت على رؤوسهم، وسحقهم أثناء الهروب في الممرات الآمنة إلى جنوب القطاع، وقتل المرضى في المستشفيات، وسحق الأطفال الرضع الذين هم لا يشكلون أي خطر على الجندي «الإسرائيلي»، ولكن قتلهم واجب لأنهم أغيار وأشرار، والتخلص منهم يضمن لجنود اليهود دخول الجنة.
وفي ظل ارتفاع نسبة المتدينين المتطرفين في «إسرائيل» إلى أكثر من 60%، انعكس ذلك على عدد المجرمين والقتلة منهم داخل الجيش الصهيوني، حيث أصبحوا أغلبية ساحقة تؤمن بإبادة العرب دون أي اعتبار لقوانين دولية أو أخلاقية.
ويتحرك الجيش «الإسرائيلي» لارتكاب جرائمه بشكل مطلق استناداً إلى حكومة يمينية متطرفة تنطلق من تلك الأفكار الخاصة بطهارة اليهودي ونجاسة العربي، وحقه في الحياة والتملك وضرورة إبادة الفلسطيني، وهو ما يطلقون عليه بالدولة اليهودية الخالصة التي يجب أن تتم فيها عمليات تطهير عرقي وديني من كل المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين؛ إما بإبادتهم، أو بتهجيرهم خارج فلسطين المحتلة.
وقد ظهرت بعض المطالبات بإدخال أبناء غزة بالقوة إلى سيناء المصرية، وأبناء الضفة الغربية إلى الأردن، حتى ولو أدى ذلك إلى الدخول في حروب ضد مصر والأردن، أي أن إقامة دولة يهودية خالصة من الأشرار والأنجاس هو ما يحكم عقل وضمير جنود وضباط الجيش «الإسرائيلي»، وينتج منهم كل تلك القسوة الوحشية التي لم يسبق لها مثيل.
وتحالف حزب «عظمة اليهودية»، بزعامة «إيتمار بن غفير»، الذي يشغل حقيبة الأمن القومي، وحزب «الصهيونية»، بزعامة وزير المالية «بتسلئيل سموتريش»، يسيطر الآن على حكومة «بنيامين نتنياهو» والجيش، ويدير البلاد من خلال تلك الأفكار العلنية، التي كانت في السابق قاصرة على حاخامات اليهود في معابدهم، وزواياهم الضيقة.
و«بن غفير» هذا المتطرف أدين عام 2007م بالتحريض على العنصرية بعد أن رفع لافتات في احتجاج كتب عليها «طرد العدو العربي»، ويحتفظ حتى الآن بصورة في غرفة معيشته لـ«باروخ جولدشتاين»، وهو مستوطن أمريكي «إسرائيلي» قتل بالرصاص، عام 1994م، 29 مصلياً فلسطينياً في الحرم الإبراهيمي بالخليل، بينما كانوا يؤدون صلاة الفجر.
ومن هنا يمكن تفسير المنطلقات الإجرامية للجيش «الإسرائيلي» في شوارع ومنازل ومساجد ومستشفيات غزة، فالكيان الصهيوني يقوم على إبادة أصحاب الأرض وهم الشعب الفلسطيني وفقاً لأوهام ومرجعيات دينية يمكن أن تجر العالم إلى حروب تدمر كل المنطقة.