إن واقع ما تمر به القضية الفلسطينية، وما يتعرض له قطاع غزة، من حرب إبادة وحشية، وجرائم حرب ضد الإنسانية، يحتم على الأمة العربية والإسلامية،هبَّة وفزعة وانتفاضة قوية وفاعلة ومستدامة؛ لنصرة فلسطين، واحتواء تداعيات هذا العدوان الغاشم، بل وبلورة رؤية مستقبلية نحو النهوض بالمجتمع الفلسطيني.
ولا شك في أن التبرع المالي يعد عاملاً فاعلاً في تلك الأزمة، خاصة ما يتعلق بدور الشعوب نحو الأشقاء في فلسطين، لكن الخطأ في كون ذلك سلوكاً مؤقتاً، يبرز في لحظات ما، ويخفت كثيراً في أوقات عدة، وقد يتوارى بعد انتهاء الحرب.
ومن الخطأ حصر الدعم المالي في تقديم المساعدات الغذائية والطبية والدوائية فقط، وهي مساعدات مهمة بالتأكيد، لكنها لا تفي بما هو أهم وأجدر، في حرب تخوضها غزة الأبية، نيابة عن الأمة، من أجل استعادة المسجد الأقصى المبارك.
هنا يجب تطوير الآليات، وإنتاج أدوات دعم جديدة، بل وابتكار أساليب نوعية في تعزيز قدرة وصمود المقاوم الفلسطيني على الأرض، ومساندة كل طفل، وامرأة، وشيخ، على البقاء اليقظ في حماية الثغور، وحمل راية الكفاح والجهاد ضد قتلة الأنبياء، وأعداء الإسلام.
«حصالة فلسطين» ربما تكون أداة فاعلة، شريطة استدامتها، وتفعيلها في كل بيت ومدرسة وجمعية وهيئة، وربما مستقبلاً تطوير الفكرة لتأخذ بُعداً عربياً وإسلامياً، له شأن، على غرار وكالة الأونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وغيرها من المؤسسات الدولية الناشطة في مجال الدعم الإنساني والإغاثي.
حصالة مستدامة توفر إنفاقاً على البنى التحتية للأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعفي المقاومين من عنت الفقر والمرض والحاجة، بل تمتد إلى النهوض بالتعليم والزراعة والصناعة والتجارة هناك، وفق آليات يضعها الخبراء والمتخصصون.
ما المانع من تخصيص جزء من عائدات تلك الحصالة لتوثيق تاريخ فلسطين بكل لغات العالم، وإنتاج الملايين من خريطة فلسطين التاريخية التي تعرضت للتزييف في مناهج التعليم في دول عدة، منها بلدان عربية وإسلامية؟!
لماذا لا ننتج كمّاً ثرياً من الأعمال الدرامية والسينمائية، التي توثق جرائم اليهود، وتؤرخ لما جرى في غزة من جرائم يندى لها الجبين، فضلاً عن صناعة أفلام وثائقية وسينمائية ترصد بطولات المقاومة، وكيف انتقلت من الحجر إلى الصاروخ، وهي تكبد المحتل خسائر فادحة؟!
ألسنا في حاجة إلى إنتاج أدبي وروائي يؤرخ للأحداث الدامية التي يشهدها العالم، ويسطر تاريخ غزة، وصمود شعبها، في مواجهة مجازر المشافي والرضع، وقصف الأبراج السكنية، واغتيال الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ؟!
متى نرسل بعثات فلسطينية للخارج لعرض القضية، واستمالة الشعوب، وتوجيه دفة الرأي العام الدولي، نحو حق هذا الشعب في وطنه وأرضه ومقدساته وأقصاه، وحلمه في الحرية والاستقلال؟!
بل لماذا لا ندعم المخترع الفلسطيني، والتاجر الفلسطيني، والرياضي الفلسطيني، والطبيب الفلسطيني، والفنان الفلسطيني، وكل ذي مهنة في أرض الرباط، ليتبوأ مكانة رفيعة في مجاله وتخصصه، بما يصب في صالح القضية برمتها، ويخلق أجيالاً قادرة ليس فقط على الصمود، بل النهوض، والنجاح، والإنجاز؟!
أين حظ المرأة الفلسطينية من هذا الدعم، عبر صون حقوقها، والحفاظ على كرامتها، وتحريرها من سجون الاحتلال، والاهتمام بتعليمها، وتزويجها، وتطوير قدراتها، فهي مصنع الأبطال، تشكل نصف المجتمع، وتلد النصف الآخر؟!
حصالة شعبية، عربية وإسلامية، تدعم المقاومة، وتطور من خطابها وأدواتها وقدراتها، بما يعزز من دورها السياسي والإعلامي والميداني، ويصب في صالح الهدف الأكبر الذي ينشده كل مسلم، وهو تحرير القدس الشريف.
حصالة سخية ومستدامة، تتكفل بالقضية الفلسطينية، من أبعاد وزوايا مختلفة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وفنياً وثقافياً ورياضياً، بشكل يؤمن قوة دفع مستمرة، وعوامل محفزة على البقاء والصمود والنضال لسنوات وعقود.
ليست معركة غزة فحسب، أو الضفة فقط، وليس معركة «حماس» أو «الجهاد» فقط، كما أنها ليست معركة يوم أو شهر، بل إنها معركة كل عربي، وكل مسلم، وكل حر، وكل إنسان؛ دفاعاً عن القيم والحرية والكرامة والإنسانية.
إنها معركة الأمس واليوم والغد، قد تستمر سنوات أو عقوداً، ومن الواجب أن نتجهز لها، ونعد المؤنة لخوضها، ونكثر من العتاد لتحقيق النصر فيها.