يشغل الصراع الفلسطيني الصهيوني عقول جميع الأمة الإسلامية وعقولهم من أقصى الأرض إلى أقصاها، وليس ذلك بغريب، فالقارئ للتاريخ يعلم أنها لم تكن يوماً قضية الفلسطينيين وحدهم؛ بل قضية عقائدية تتجسد فيها حقيقة الصراع بين الإيمان والكفر، وقد أصبح الأمر أكثر وضوحاً بعد التحالف الغربي الصهيوني لإبادة شعب غزة بحجة القضاء على المقاومة، وها قد عرَّت «طوفان الأقصى» أحقادهم وكراهيتهم لكل ما يمثل شعيرة للإسلام الحقيقي كالجهاد لدفع الصائل عن الأرض والعرض، ومن أجل فهم الواقع لا بد من لفهم خصوصية تلك البقعة من الأرض، وذلك لفهم مستقبلها الذي وردت فيه المبشرات النبوية على صاحبها الصلاة والسلام في ذكر ما لهذه البقعة المباركة.
فلسطين.. الأرض المقدسة
– فهي الأرض المقدسة بنص القرآن، فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (المائدة: 21).
– وهي الأرض المباركة التي أسري بالنبي ﷺ إليها وأم الأنبياء في الصلاة كما قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1).
– ومسجدها الأقصى أول قبلة صلى إليها المسلمون، وأحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرحال، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى» (رواه البخاري).
ولم ينحصر ذكر فلسطين في النصوص الشرعية بالبركة والقدسية فقط، فقد جاءت كثير من الأحاديث كمبشرات وتنبؤات تربط تلك الأرض المباركة بملاحم آخر الزمان وتحدد مستقبلها في أرض شرفها الله بنصرة أهل الإيمان عليها، ومن ذلك:
1- وجود الطائفة المنصورة في آخر الزمان فيها: ومن هذه البركة والحث على شد الرحال إليها، جاءت البركة في نصرة وثبات الطائفة المنصورة يقع على أرضها، كما في حديث سلمة بن نفيل رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتي ظَاهِرِينَ على الناسِ، يرفعُ اللهُ قُلوبَ أقوامٍ يُقَاتِلونَهُمْ، و يَرْزُقُهُمْ اللهُ مِنْهُمْ، حتى يأتيَ أَمْرُ اللهِ عزَّ وجلَّ وهُمْ على ذلكَ، ألا إِنَّ عُقْرَ دَارِ المؤمنينَ الشَّامُ، والخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيها الخَيْرُ إلى يومِ القيامةِ» (رواه النسائي وصححه الألباني)، ويستفاد منه:
– فضل أرض الشام في آخر الزمان، وأنها أمان من الفتن ودار المؤمنين، والشام تشمل أرض سورية وفلسطين والأردن ولبنان وسيناء.
– أن الجهاد باق إلى قيام الساعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والنبي صلى الله عليه وسلم ميَّز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائماً إلى آخر الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر، فهو إخبار عن أمر دائم، مستمر فيهم، مع الكثرة والقوة، وهذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام.. فلم يزل فيها العلم والإيمان، ومن يقاتل عليه منصوراً مؤيداً في كل وقت» (مجموع الفتاوى، 4/ 449).
2- حدوث الملحمة الكبرى على أرضها: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بالأعْماقِ، أوْ بدابِقٍ، فَيَخْرُجُ إليهِم جَيْشٌ مِنَ المَدِينَةِ، مِن خِيارِ أهْلِ الأرْضِ يَومَئذٍ، فإذا تَصافُّوا، قالتِ الرُّومُ: خَلُّوا بيْنَنا وبيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقاتِلْهُمْ، فيَقولُ المُسْلِمُونَ: لا، واللَّهِ لا نُخَلِّي بيْنَكُمْ وبيْنَ إخْوانِنا، فيُقاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللَّهُ عليهم أبَدًا، ويُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أفْضَلُ الشُّهَداءِ عِنْدَ اللهِ، ويَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لا يُفْتَنُونَ أبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبيْنَما هُمْ يَقْتَسِمُونَ الغَنائِمَ، قدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بالزَّيْتُونِ، إذْ صاحَ فِيهِمِ الشَّيْطانُ: إنَّ المَسِيحَ قدْ خَلَفَكُمْ في أهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وذلكَ باطِلٌ، فإذا جاؤُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبيْنَما هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّهُمْ، فإذا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذابَ كما يَذُوبُ المِلْحُ في الماءِ، فلوْ تَرَكَهُ لانْذابَ حتَّى يَهْلِكَ، ولَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بيَدِهِ، فيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ» (رواه مسلم)، ويستفاد منه:
– في طلب الروم لقتال بعض المسلمين الذين سبوا منهم فقط وترك الآخرين إشارة إلى أن خلق الكفار مخادعة المسلمين والتفريق بينهم، وهو وسيلتهم للنصرة على المسلمين.
– رفض المسلمين ترك إخوانهم إشارة على إيمانهم وشدة وعيهم، فلم ينجروا وراء سياسة الروم كما يُفعل الآن.
– أمان المسلمين التام إلى حد تعليق سيوفهم بالأشجار.
– نداء الشيطان الباطل إشارة إلى سنة تخويفه المسلمين بالباطل ودوام الصراع بين حزب الله وحزب الشيطان حتى قيام الساعة.
– ذوبان المسيح الدجال خيفة من عيسى عليه السلام إشارة إلى هلاك الباطل مهما كان معه من قدرات وقوى.
3- قتال اليهود خاصة فيها: فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» (رواه مسلم)، ويستفاد منه:
– حتمية قتال المسلمين لليهود ونصرة الله لهم.
– مقتلة عظيمة في اليهود حد أن القتال يشمل كل من يفر ويختبئ لا المواجه فحسب.
– شجر الغرقد من شجر اليهود ويُزرع في فلسطين والأردن؛ مما يدل على أن قتال اليهود يكون في تلك البقاع المباركة.
وربما لو نظر الناظر للتاريخ ووجد ما مرت به فلسطين من محن وبلايا على يد اليهود لمات كمداً من هول ما يجد من مذابح أمام سمع العالم وبصره ودون أدنى نصرة من قريب أو بعيد، ولكنه حين ينظر بعين الوحي ويعلم مكانة تلك البقعة المقدسة وبشريات النبي ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى؛ لأبصر الحق وتيقن أن وعد الله آت لا محالة، وبذلك يسكن قلبه ولا يشغله سوى أن يحسن العمل تجاه هذه القضية العظيمة.