في 17 إبريل عام 1999م نشرت مجلة “الأهرام العربي” ما سمى “بوثيقة رابطة الدفاع اليهودية” التي كتبها مؤسس هذه الرابطة “دانيال بايبس” حول دعاوي الصهاينة في مدينة القدس، والتي تقول: إن “القدس يهودية، ولا علاقة لها بالإسلام، ولا مكانة لها في حياة المسلمين – منذ عهد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وحتى الحقبة الراهنة – في الصراع حول هذه المدينة المقدسة”.
ولقد ادعت هذه “الوثيقة” أن الدولة الأموية – التي بنى خليفتها عبد الملك بن مروان المسجد الأقصى – هي التي ربطت هذا المسجد المستحدث بالآية القرآنية: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى” (الإسراء – 1) بأثر رجعي، لأن هذه الآية التي نزلت حوالي عام 621 م قد نزلت عندما لم يكن هناك مسجد بالقدس يحمل هذا الاسم، ومن ثم – في رأي هذه الوثيقة الصهيونية – فإنه لا علاقة لهذا المسجد بالآية القرآنية، ولا مكانة له في عقائد المسلمين!.
ولقد طلبت مني مجلة “الأهرام العربي” – يومئذ – الرد على هذا الادعاء الصهيوني، ونشرت الرد في عدد 15 مايو عام 1999م، ثم قمت بنشر الرد في كتابي “القدس بين اليهودية والإسلام” – (نهضة مصر عام 1999م).
وفي تفنيد الحجة الرئيسية لهذه الدعوى الصهيونية، أوضحت أن المراد بكلمة “مسجد” في الآية القرآنية ليس البناء المشتمل على جدران وسقف ونوافذ وأبواب، وإنما المراد به “الحرم”، فالإسراء قد تم من الحرم المكي إلى الحرم القدسي – أي من مكة إلى القدس – ولم يكن بمكة يومئذ ولا بالقدس ذلك البناء المتعارف عليه، والمسمى بالمسجد ذي المواصفات المعروفة – فالرسول صلى الله عليه وسلم حين أسري به لم يكن في مسجد بمكة وإنما كان بمكة، وكلها حرم، وأسري به إلى القدس، وكلها حرم كذلك، ومن ثم فإن هذه الآية القرآنية تجعل الرباط بين الحرم المكي – الذي هو أول بيت وضع لعبادة الله في الأرض وبين الحرم القدسي الذي هو قبلة الأنبياء السابقية، وأولى القبلتين في الإسلام، عقيدة من عقائد الإسلام، التي تجسد وحدة الدين الإلهي من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام مع تعدد الشرائع في إطار هذا الدين الواحد.
وفي يوليو 2009م دعا الكنيست الإسرائيلي من يسمونه أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة “بر إيلان” الإسرائيلية “مردخاي كيدار” لإلقاء محاضرة عن حق إسرائيل في القدس وهي محاضرة نقلتها إذاعة المستوطنين الصهاينة، وتبنتها جماعة “أمناء الهيكل”، وفها قال الرجل كلاما هو أقرب إلى الهذيان، قال: “إن القدس يهودية وعلى المسلمين أن يحملوا أحجار قبة الصخرة ليبنوها بمكة، فالمسجد الأقصى مكانة “الجعرانة” بين مكة والطائف، كان يصلي فيه الرسول أحيانا، وأحيانا في المسجد الأدنى – القريب منه – أثناء ذهابه من مكة إلى الطائف”.
ولقد نشرت محاضرة هذا “الأستاذ” بصحيفة “المصري اليوم” في 30 يوليو 2009م، وقمت بالرد عليها بكتابي “القدس الشريف في الدين والتاريخ والأساطير” – (دار السلام2011م)، وفي هذا الرد نبهت على الحقائق التاريخية التي أجمع عليها العرب والأجانب، والتي تقول إن رحلة الرسول إلى الطائف عام 3 ق. هـ لم يؤمن فيها أحد، ولم يبن فيها مسجد، وأن أول مسجد بني في الإسلام هو مسجد قباء على مشارف المدينة، وأن مسجد الجعرانة الذي بناه الرسول وأحرم منه بالعمرة عام 6 هـ قد بني بعد الإسراء ونزول آيته بنحو عشر سنوات.
وإذا كان مفهوما – دون أن يكون معقولا – صدور هذا الهذيان عن الصهاينة، فمن غير المقبول ولا المعقول أن يطل كُتاب – هم صناعة إعلامية – من بعض الفضائيات، مرددين هذا الهذيان الصهيوني عن القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، في الوقت الذي يقدم فيه الشهداء الفلسطينيون دماءهم الزكية وأرواحهم الطاهرة دفاعا عن هذه المقدسات الإسلامية!.
إننا أمام صهيونية عربية، تنافس الصهيونية المسيحية التي حشدت التأييد الإمبريالي الغربي للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين!.
رحم الله الإمام مالك الذي قال: “إن زنادقة عصرنا هم الذين كانوا يسمون بالمنافقين في صدر الإسلام”، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
________________________________
*المصدر: الأهرام العربي