تزامن التحاقي بالجامعة عام 1987م مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) وتأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واندلاع العمليات الاستشهادية ضد المحتل سواء على أيدي «القسام»، أو «سرايا القدس»، أو «الجبهة الشعبية»، أو حركة «فتح»، أو «الجبهة الديمقراطية».
قبل ذلك بـ5 سنوات كان جيش الاحتلال الصهيوني بمساعدة مليشيات «الكتائب اللبنانية» قام بمجزرة صبرا وشاتيلا لدفع المقاومة الفلسطينية للخروج من لبنان.
هكذا دائمًا جيش بني صهيون يعمدون إلى ارتكاب المجازر الرهيبة ضد المدنيين العزل لإجبارهم على النزوح وترك الأرض، كما يفعلون اليوم في غزة.
كنا في شبابنا نهرّب أشرطة فيديو لأفلام وثائقية تعرض أحداث المجزرة، وبعض الأفلام الوثائقية عن الحرب في أفغانستان، حيث كانت المادة الإعلامية التي تغطي تلك الأحداث قليلة جدًا ومبتسرة.
كما كنا نهرب أشرطة أناشيد المقاومة الفلسطينية مثل شريط الرابطة الثاني:
دمنا على أبوابكم دمنا على أثوابكم
دمنا يلون خبزكم دمنا طلا أكوابكم
يا قاتلون ويعرف الأطفال بطش ذئابكم
وأناشيد الفجر:
زغردي أم الشهيد واهتفي أحلى نشيد
لم يمت من مات لله والدين المجيد
إذ ذاك كان البث التلفزيوني بمصر يقتصر على قناتين حصة الأخبار الإقليمية فيهما جد ضئيلة، فنستقي أخبار الانتفاضة من المجلات العربية، وخطب بعض مشاهير الدعاة مثل الشيخ أحمد القطان، رحمه الله.
كانت أخبار المقاومة في فلسطين تكاد تكون منعدمة في ثقافة ووعي شباب جيلنا، وكنا نحمل على عواتقنا هم التذكير بثوابت القضية وبطولات وصمود المقاومة وجرائم المحتل، ولم تكن أنشطتنا الجامعية تخلو من إقامة أسبوع أو معرض ثقافي عن فلسطين يتضمن لوحات جدارية تعرّف بالقضية وتعرض صورًا فوتوغرافية مقصوصة من المجلات عن جرائم الاحتلال وأطفال الحجارة.
وينتهي الأسبوع الثقافي عادة بعرض فيلم فيديو تسجيلي عن بطولات شعب فلسطين بانتفاضته ضد جرائم المحتل الغاصب، وكلمة تعريف شاملة بالقضية جذورها وواقعها ومستقبلها.
في المستويات العمرية الأكبر كان رفاقنا يتبنون تلك القضايا في النقابات المهنية، فيعقدون المؤتمرات الداعمة للقضية، ويحرصون في مناسبات اشتداد العدوان على القيام ببعض أعمال الإغاثة الإنسانية.
وفي مناسبات أخرى، مثل مذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل، عمت المظاهرات أرجاء الجامعات المصرية منددة بجرائم الصهاينة وداعية لمناصرة أهلنا في فلسطين.
لا أتذكر خلال ذلك القرن الماضي أننا تناولنا قضية المقاطعة الاقتصادية على نطاق واسع، لم نكن نملك وسائل إعلام أو تواصل يمكننا بها التأثير الواسع على الرأي العام.
خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عرفت بـ«انتفاضة الأقصى» في مطلع الألفية الثالثة، التي تواكبت مع بداية عصر الفضائيات، تم تغطية أحداث فلسطين وجرائم الصهاينة بشكل أوسع، ودخل الجدل بخصوص قضية مقاطعة البضائع الداعمة للكيان الصهيوني حيز المجتمعات العربية والمسلمة، لكنها لم تفرض نفسها على الواقع كما تفرضه قضية المقاطعة اليوم.
ويمكننا حصر مواقف المتعاطفين مع أهلنا في فلسطين والداعمين لصمودهم دعمًا معنويًا ومحاولة تقديم بعض الدعم المادي المتواضع على فصائل معينة في المجتمع العربي تضم الناشطين الإسلاميين والقوميين والعروبيين وبعض المثقفين.
أما الجيل الحالي من الشباب، فقد عبر حاجز التقنية واستطاع أن يفرض القضية الفلسطينية فرضًا على واقع المجتمع العربي تزامناً مع أحداث غزة الأخيرة والعدوان الصهيوني الغاشم على المدنيين العزل هناك.
استطاع جيل الشباب اليوم أن يحول قضية فلسطين وأحداث العدوان الغاشم على غزة من قضية نخب ثقافية وسياسية وإغاثية، إلى قضية رأي عام، لم يعد في وسع غير مهتم سوى بشؤون نفسه إلا أن يسمع بها.
وانتقلوا بها كذلك إلى الرأي العام الشعبي العالمي.
واقتحموا وأقحموا قطاعات عديدة كانت بعيدة تمامًا عن تناول الشأن الفلسطيني، مثل مشاهير الرياضة والفن؛ محليين وعالميين، وحاكموا الصامتين منهم شعبيًا على صمتهم، وفرضوا ثقافة المقاطعة الاقتصادية حتى باتت واقعًا اجتماعيًا ملموسًا.
كما انتقلوا بالعمل الإغاثي الإنساني من عمل نخبوي محدود يتم عن طريق بعض النقابات المهنية، إلى عمل مؤسسي تقوم به مؤسسات مختلفة داخل المجتمع وأصبح كله يصل إلى معبر رفح تحت حماية مؤسسات الدولة.
ودعموا الاقتصادات الوطنية بعمليات دعاية شعبية واسعة للمنتجات محلية الصنع.
هذا جيل تماهى مع ما يملك من أدوات تقنية سيما في مجال الإعلام والتواصل، فأبدع وسائل للمقاومة مكافئة للعصر، ويجب أن يدرك أن إبداعه المقاوم يُحدث فرقًا، ويصنع إنجازًا، وأن جيلنا يؤيده ويشد على يده ويفخر به.
____________________
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.