تحتاج الأمة كل يوم لفتاوى جديدة في كافة فروع الشرع من عبادات ومعاملات تستجد بتطور الحياة على مدار الساعة، وما يلزمه من تغيير في نمط الحياة ذاتها، وذلك في كافة فروع العبادات من صلاة وصيام ومعاملات مالية، وتسمى تلك الأحكام الجديدة بـ«فقه النوازل»، ونعرض في قراءتنا لكتابنا اليوم لفقه النوازل في الزكاة لنسلط الضوء على عدد 20 فتوى في أمور مستحدثة تتعلق بالمعاملات المالية في الإسلام وفقه الزكاة فيها.
النوازل في اللغة: جمع نازلة وهي اسم فاعل وتطلق على المصيبة الشديدة من شدائد الدهر التي تنزل بالناس.
وأما في الاصطلاح: الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي.
والزكاة في اللغة: تطلق على معانٍ منها: النماء والزيادة والتطهير والمدح.
أما في الاصطلاح: إخراج نصيب مقدر شرعاً في مالٍ معين لأصناف مخصوصة على وجه مخصوص.
حُكم الزكاة
تعتبر الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام، وحكم من يتركها جاحداً بأنه كافر لتكذيبه معلوماً من الدين بالضرورة، وأما من تركها بخلاً ففيه خلاف على تكفيره بين الفقهاء.
المسائل المتعلقة بنوازل الزكاة
1- زكاة الأوراق النقدية:
يعرض الملف في تلك المسألة مراحل تطور أدوات التعامل التجاري الست بداية من المقايضة، ثم تخصيص شيء للشراء به كالجلود، ثم تطور الأمر إلى تخصيص الذهب والفضة لشراء السلع، ثم صناعة الدراهم والدنانير، كل حسب قيمتها المتفق عليها مسبقاً من الدولة أو النظام القائم، ثم إقرار الأوراق النقدية لتكون قيمة ثابتة للسلع المراد شراؤها، وبعد سوق عدة آراء في مساواة الأوراق النقدية وحسابها بنصاب الذهب أو الفضة، يصل الملف للحكم التالي: إن نصاب هذه الأوراق النقدية يعتبر بنصاب الذهب أو نصاب الفضة بنظر الأقل منهما، فينظر للأقل من نصاب الذهب أو نصاب الفضة على أن يكون نصاب الذهب 85 جراماً، أو نصاب الفضة 595 جراماً من الفضة.
2- زكاة الراتب الشهري:
هو الأجر الذي يتقاضاه الأجير الخاص مقابل عمله كل شهر، وهذا هو الغالب الآن على الموظفين، فإنهم يأخذون أجوراً شهرية لا سنوية ولا كل شهرين.
يقول الكاتب بعد تبيين تجمع أكثر من راتب لدى صاحبه ولم ينفق منه (ادخره) وإن غلب عليه نفع المستحقين والاحتياط فنقول: هذا يضرب وقتاً محدداً وينظر إلى الرواتب التي تجمعت عنده ولم يستهلكها، فما حال عليه الحول يكون قد أدى زكاته في حوله، وما لم يحل عليه الحول يكون قد عجّل زكاته وتعجيل الزكاة عند جمهور العلماء جائزة خلافاً لما ذهب إليه الإمام مالك، فإنه لا يرى تعجيل الزكاة إلا في المسألة اليسيرة.
3- زكاة مكافأة نهاية الخدمة:
وهي حق مالي أوجبه ولي الأمر بشروط محددة على رب العمل لصالح الموظف عند انتهاء خدمته، والترجيح: أن هذه المكافأة التي يقبضها الموظفون سواءً كانوا تابعين لمؤسسات الدولة أو تابعين للشركات الأخرى أن هذه المكافأة لا تجب فيها الزكاة إلا بعد أن يحول عليها الحول، فإن استهلكوها قبل الحول فإنه لا زكاة فيها.
4- زكاة المال المحرم:
وفيها قسمان، الأول: المال المحرم لذاته مثل الخمر والدخان فلا تجب فيه زكاة.
الثاني: وهو المال المحرم لكسبه مثل الرشوة أو الربا يعرض الكاتب رأيه الفقهي بعد عرض آراء العلماء بين القبول وعدمه، فيرجح رفض قبول الزكاة في هذا المال أيضاً فلا تجب فيه الزكاة.
5- زكاة السندات:
وهي عبارة عن صكوك تُصْدِرُها بعض الدول أو بعض الشركات تُمَثل قرضاً عليها تلتزم بسداد هذا القرض الذي عليها في زمن محدد وبفوائد ثابتة، وأما حكمها فبعد عرض طبيعة تلك السندات بأنها ديون مؤجلة أو مال محرم يقول المؤلف: السندات عبارة عن ديون بفوائد، والغالب أن الذي يصدر هذه السندات شركات أو بنوك أو دول وهذه الشركات أو البنوك أو الدول في حكم المليء الباذل، فتأخذ هذه السندات حكم القسم الأول من أقسام الديون فنقول: تجب الزكاة في هذه السندات لأنها عبارة عن ديون على هذه البنوك أو الشركات أو الدول، وهذه تكون في حكم المليء الباذل ولو كانت مؤجلة كما سلف لنا أن الزكاة تجب في الأموال المؤجلة.
أما ما يتعلق بالفائدة الربوية، فهذه موضع خلاف وسبق أن ذكرنا أن الأموال المحرمة لا تجب الزكاة فيها، فنقول هذه القروض تجب الزكاة فيها أما بالنسبة لفوائدها الربوية فنقول: لا يزكيها.
6- زكاة الحساب الجاري:
هي المبالغ النقدية التي يودعها صاحبها المصرف ويلتزم المصرف بدفعها لصاحبها متى طالب بها، وفيها رأيان، أولاً: أنها قرض للبنك يتصرف فيه كيفما شاء، والثاني: أنها مجرد وديعة تسترد وقت الحاجة إليها، وحكمها أن هذه الأموال التي يودعها أصحابها في هذه المصارف تزيد وتنقص تقدم لنا في الراتب الشهري أنه الأحسن كما أفتت اللجنة الدائمة بالمملكة السعودية أن الإنسان يحدد له وقتاً من أول راتب يتملكه ينظر بعد أن يحول الحول إلى ما تجمع عنده من الأموال، فإن كانت حال عليها الحول يؤدي زكاتها في وقتها وإن كانت لم يحل عليها الحول فإن يكون قد عجل زكاتها.
7- حفر الآبار للفقراء من الزكاة:
وهذا يوجد اليوم عند كثير من الجمعيات الخيرية وخصوصاً الجمعيات الخيرية التي تعمل خارج البلاد ويحتاج المسلمون في تلك البلاد إلى حفر الآبار، فهل لهذه الجمعيات الخيرية أن تقوم بحفر الآبار من الزكاة أو لا؟
وحكمها باعتبار أن الزكاة يجب أن تملك للفقير والبئر لا يملك له ويستفيد منه الأغنياء كما يستفيد منه الفقراء فبهذا لا تجوز الزكاة في حفر الآبار.
8- شراء بيت للفقير من مال الزكاة:
هل يجوز أن نشتري للفقير بيتاً من مال الزكاة؟
هذه المسألة تنبني على مسألة، وهي ما مقدار ما يعطاه الفقير من الزكاة؟
ويظهر من حيث الدليل أن أرجح الأقوال في هذه المسألة هو: ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل من أن الفقير يعطى من الزكاة كفاية عام كامل أو تتمته من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية؛ لأن الزكاة تجب كل عام، وحينئذٍ يأخذ كفايته هذا العام إلى العام المقبل مع استثناء واحد وهو أن نعطيه ما يفتح محلاً، بحيث إنه يكتفي وقدر ما يعطى ما يشتري به الآلة وما يكون رأسمال تجارة بقدر ما ينفق عليه هو ومن يمونه لا زيادة على ذلك.
9- شراء المواد الدراسية للفقير:
نقول: هذا جائز ولا بأس أن نعطي الفقير زكاة ويقوم بشراء مواد الدراسة؛ لأن هذا داخل في الحوائج الأصلية، وكما أسلفنا أنه يعطى من الزكاة ما يحتاج إليه لمدة عام من النفقات الشرعية، وكذلك أيضاً الحوائج الأصلية.
وقد نص العلماء على أن طالب العلم إذا تفرغ لطلب العلم وترك العمل فإنه يعطى من الزكاة، وكذلك نصوا على أنه يعطى من الزكاة ما يشتري بها كتباً يحتاج إليها في طلب العلم.
10- صرف الزكاة لعلاج الفقراء:
جمع من المتأخرين جوّزوا صرف الزكاة لعلاج الفقراء بشروط:
الأول: ألا يتوفر علاجه مجاناً.
الثاني: أن يكون العلاج مما تمس الحاجة إليه، وأما الأمور التي لا تمس الحاجة إليها كأمور التجميل أو الأمور الكمالية فهذا ليس له ذلك.
الثالث: أن يراعى في مقدار تكاليف العلاج عدم الإسراف بحيث يبحث عن أقل المصحات تكلفة.
11- العاملون على الزكاة:
الفقهاء يتفقون على أن المراد بالعاملين بالزكاة هم السعاة الذين ينصبهم الإمام لجمع الزكاة من أهلها، فنأخذ من هذا أنه يشترط في العاملين أو في العامل أن يكون ممن نصبه الإمام الأعظم وعينه (الدولة)، وعلى هذا لا يدخل في العاملين من يوليه آحاد الناس، وأما بالنسبة للجمعيات الخيرية فجمهور أهل العلم يتوسعون في تفسير العامل، وأما الحنفية فإنهم يضيقون.
لما فهمنا ما المراد بالعاملين وأنه يشترط أن ينصبهم الإمام اختلف المتأخرون في هؤلاء الموظفين الذين تحت إدارة هذه الجمعيات الخيرية هل لهم أن يأخذوا من الزكاة أو ليس لهم أن يأخذوا من الزكاة.
هذا ينقسم إلى أقسام:
الأول: العاملون الذين وظفتهم الدولة وصرفت لهم رواتب، وهؤلاء لا يجوز لهم أن يأخذوا من الزكاة، مثل موظفي مصلحة الزكاة والدخل، فإنهم يكتفون بما تعطيه الدولة لهم.
الثاني: العاملون في الجمعيات الخيرية لكن الدولة لا تصرف لهم رواتب، فهذه الجمعيات إن كانت بإذن الدولة فهي نائبة مناب الإمام، وكما أن الإمام له أن يبعث العامل فكذلك أيضاً هذه الجمعيات فيجوز صرف الزكاة لهم كرواتب؛ لأن هذه الجمعية لما أذن فيها الإمام أصبحت نائبة مناب الإمام.
الثالث: الجمعيات التي لم تأذن فيها الدولة، وإنما هي اجتهاد من جمع من الناس فأنشؤوا هذه الجمعية وقاموا بجمع الأموال، فنقول: هؤلاء لا يجوز للعاملين تحت إدارتها أن يأخذوا من الزكاة، وإنما لا بأس أن يعطوا من الصدقات.
12- صرف الزكاة لنفقة الزواج:
الخلاصة في هذه المسألة: أن دفع الزكاة للمتزوج جائز ولا بأس به بشرط ألا يكون له أحد ينفق عليه قادر أن يزوجه ممن يجب عليه أن ينفق عليه، فالأب يجب عليه أن يزوّج ولده، ولا يجوز له أن يمتنع؛ لأن هذا داخل في النفقة، وإن كان الأب قادراً فإن الولد لا نعطيه من الزكاة، يجب على أبيه أن يزوجه، اللهم إلا إذا امتنع الأب فحينئذٍ لا بأس أن نعطيه من الزكاة، لكن الأب يأثم في هذه الحالة.
وإذا كان ليس له أب ينفق عليه أو جدّ أو نحو ذلك أو له أب لكنه فقير لا يستطيع، فإننا نعطيه كفاية الزواج وهي ما يتزوج به مثله أو تمام الكفاية.
13- قيمة الإركاب لابن السبيل:
والمراد بابن السبيل هو المنقطع، وهو من أهل الزكاة، فيعطى من الزكاة ولو كان غنياً، ويعطى من الزكاة ما يوصله إلى الغرض الذي قصده وما يرجعه إلى بلده، هل يعطى أجرة سيارة، أو يعطى أجرة طائرة؟ لأن الركوب في وسائل النقل هذا يختلف، فهل نعطيه قيمة عالية أو قيمة متوسطة أو قيمة أدنى؟
نقول: هذا يختلف باختلاف الشخص، فإذا كان من عامة الناس وفقرائهم هذا نعطيه أجرة السيارة، وإذا كان من الأغنياء الذين يركبون الطائرة فهذا نعطيه أجرة الطائرة وعلى هذا فقس.
تلك هي أهم ما ورد في الكتاب القيم «فقه النوازل في الزكاة»، ولمن أراد الاستزادة في هذا الخضم فليعد للكتاب وله فيه فوائد جمة.