ذهبت قبل 25 عاما إلى جاكرتا لافتتاح مسجد، وعندما زرت السفير علي زكريا الأنصاري قال: أنصحكم بالاهتمام بالتعليم.
وأيدت نصيحته، ثم خرجت بعدها مع مدير الجمعية الخيرية المنفذة للمسجد، وذكرت ما قاله لي السفير، فقال: كلامه صحيح، فيستطيع المسلم الصلاة في أي مكان، لكن الفقراء لا تتوافر لهم سبل التعليم.
وأشار في الطريق إلى كنيسة، وقال: هي الوحيدة في كل المنطقة، لكنهم يقومون بكفالة التعليم والعلاج للفقراء، ويقولون لهم هذا هدية من المسيح عليه السلام.
أذكر هذه الرواية لانشغال العديد من المؤسسات الخيرية في العالم في أمرين رئيسين: الإغاثة التي أشغلنا بها تجار الحروب، والمساجد بناء على طلب المتبرعين، للحديث الوارد بها، ويأتي بعدها الأيتام والتعليم والصحة.. وغيرها، وقليل منها ما كان يهتم بالتنمية البشرية، رغم أن الاهتمام بالإنسان هو الأصل.
وهناك إجماع على أولوية الاهتمام بالتعليم، فمن يتعلم سيهتم بصحته وأسرته ودينه ووطنه، وستكون فرص العمل لديه أكثر، ويستطيع أن يخدم مجتمعه في عدة ميادين.
كما أن التعليم في دول غير المسلمين، سيحفظ للأجيال القادمة دينهم، ويحفظهم من الزلل، ويعزز لديهم القيم الإيجابية، ويرسخ مفهوم المواطنة، والحقوق والواجبات.
وحتى دول أوروبا الغربية ذات المستوى العالي من التعليم، فإنها تحتاج إلى إسناد تعليمي وتربوي، لما فيها من سلبيات قيمية، مثل: الإباحية المشروعة في تلك البلاد، وممارسة الرياضة المختلطة بما فيها السباحة، وحتى لو كانت غير مختلطة فالعورات منكشفة، وتعليم الجنس، ومن خلاله يتم ترويج اعتبار ممارسته دون زواج أمرا عاديا، وحتى الشذوذ والمثليين (أو المخنثين) أصبح أمرا عاديا في المدارس.. وغير ذلك.
كما أن المجتمع المسلم بشكل عام يحتاج إلى دورات تدريبية وتأهيلية في مجالات عديدة، فالتعليم لا يقتصر على المناهج المدرسية فقط، بل هو أوسع من ذلك بكثير.
ومع مراعاة الفروق بين البلدان والمجتمعات، أقترح تركيز المتبرعين على دعم المشاريع الآتية:
1 – تعليم وتدريب المحتاجين بشكل عام، علميا ومهاراتيا وحرفيا (كفالة طالب).
2 – انتقاء النخب المتفوقة علميا وذهنيا وقياديا، ودعمهم لاستكمال دراساتهم الجامعية والعليا (كفالة طالب متميز).
3 – تدريب المعلمين في المدارس التي تخدم المسلمين (كفالة معلم).
4 – تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية والقرآن الكريم.
5 – تقديم دورات تدريبية وورش عمل في مختلف المجالات، للعاملين في المراكز الإسلامية، وطلبة العلم، والشباب.
ولا يكون ذلك إلا من خلال التسويق الإعلامي والشرعي لها، وإنشاء وقفيات خاصة للتعليم، ولعلي لا أبالغ إن قلت إن الأولية الآن لأوروبا كونها بلاد هجرة، فمن المعروف أن الجيل الثالث من المسلمين في أوروبا مهدد بضياع دينه وثقافته وقيمه وأخلاقه، بسبب طبيعة الثقافة الأوروبية المنفتحة زيادة عن اللزوم، ويحتاجون لجرعة تربوية زائدة لإبقائهم على دينهم وقيمهم.
ولنا في تجربة د.عبدالرحمن السميط، رحمه الله، نتائج مبهرة، عندما اهتم بالتعليم، فكان في العديد من الدول الافريقية أطباء وأساتذة جامعات وسفراء ووزراء من أيتام جمعيته، الذين كفلهم تعليميا في جامعات متميزة.
لذا.. هي دعوة لأهل الخير للتبرع لدعم التعليم بشكل كبير، تطبيقا لقاعدة: «البشر قبل الحجر»، و«الساجد قبل المساجد».