يحتفل المسلمون في العالم هذه الأيام بعيد الأضحى المبارك، ورغم تشابه مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة، فإن لهذا العيد في الصين طبيعته الخاصة، حيث يحرص المسلمون الصينيون بكل طوائفهم وفئاتهم العمرية على حضور هذه المناسبة، والسبب في هذا أن هناك مقولة تنتشر بين أوساط المسلمين الصينيين تقول: «إذا لم تستطع أن تكون مؤمناً حقاً كل يوم، فكن مؤمناً حقاً ولو مرة في العام»؛ لذا فعموم المسلمين وحتى غير الملتزمين يحرصون على حضور صلاة العيدين وإظهار مشاعر الفرحة والسرور، والتزاور ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وعادة ما تؤخر صلاة العيد حتى الساعة العاشرة صباحاً؛ حتى يتمكن أكبر من الحضور، حيث يأتي الكثير من المسلمين من مناطق بعيدة.
عيد القربان
يُسمى عيد الأضحى في الصين بـ«عيد القربان»، ويعرف في اللغة الصينية بنفس الاسم والنطق «Gǔ’ěrbāng 古尔»، وهو بمعنى التضحية والفداء، ويسمى في بعض المناطق بعيد بر الوالدين، وفقاً للقصة التي حدثت بين الخليل إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل، كما يسمى أيضاً بالعيد الأكبر.
ويحرص المسلمون الصينيون على إحياء السُّنة في هذا اليوم، فيخرجون للصلاة في الساحات والمساجد الكبرى، ثم ينحرون الأضاحي فيأكلون منها ويوزعون اللحم على الأقارب والفقراء، ثم يتزاورون فيما بينهم، ومن عاداتهم في بعض المناطق أن ينتهوا من لحم الأضحية في أيام العيد، فلا ينقضي العيد وقد بقي من لحمها شيء.
حي نيوجيه في العاصمة بكين
يعد حي نيوجيه أشهر أحياء المسلمين في العاصمة الصينية، حيث يقع مسجد نيوجيه العريق، ومقر الجمعية الإسلامية الصينية، ومدارس أبناء المسلمين ومحالهم ومساكنهم، وفي العادة تقوم حكومة البلدية بعقد اجتماع دوري عشية العيد لترتيب الأمور الخاصة بأمن وتنظيم الحي والشارع والمناطق المجاورة للمسجد، وتنفيذ كافة التدابير الوقائية المختلفة، وتنظيم الإدارات المتعددة لإجراء عمليات تفتيش شاملة والإشراف على سلامة الموقع وسلامة المرافق، وينتشر أفراد الشرطة للقيام بمهامهم في تنظيم المرور وتوفير قدر أكبر من الحماية والسهولة في تأدية المسلمين لصلاة العيد.
ورغم أن العاصمة بكين تضم أكثر من 70 مسجداً، فإن مسجد نيوجيه يشهد حضور عدد كبير من المسلمين، حيث يتوافد المصلون صباح يوم العيد من كل مكان لحضور الصلاة، والاستماع إلى خطبة العيد، ولقاء الأصدقاء والأحباب، كما يشهد المسجد حضور عدد لا بأس به من أبناء الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في بكين، وفي العادة فإن قاعات الصلاة وساحات المسجد تمتلئ عن آخرها، وتعم الجميع سعادة وفرحة غامرة بهذا العيد المبارك، كما تنتشر حول المسجد المحال والمطاعم التي تبيع اللحوم الحلال لمن لم يضحِّ، كما تبيع الأطعمة الأخرى والمخبوزات والخضراوات والفواكه، ويقبل عليها عدد كبير حتى من غير المسلمين.
العيد في شمال غرب الصين
يعد شمال غرب الصين أكثر مناطق الصين من حيث تركز المسلمين، حيث تجمع مناطق ومقاطعات نينغشيا وقانسو وتشينغهاي وشينجيانغ، النسبة الكبيرة من سكان المسلمين في الصين؛ ولذا فإن العيد في هذه المناطق يشهد حضوراً غير عادي، وغالباً ما يصلى العيد في الساحات حيث لا تتسع المساجد لأعداد المصلين.
العيد شكل آخر في مدينة شينينغ
تعد مدينة شينينغ حاضرة مقاطعة تشينغهاي شمال غرب الصين كل عام، محط أنظار المسلمين ليس في الصين فقط، بل في مناطق كثيرة في العالم، حيث تشهد صلاة العيد فيها حضور ما يزيد على 100 ألف مصل في مشهد مهيب، ولهذا فإن حكومة المقاطعة تجري استعدادات كبيرة تسبق يوم العيد، بمساعدة الجمعية الإسلامية الصينية هناك، حيث تغلق عموم المساجد في المدينة أبوابها حتى يجتمع المسلمون جميعاً في مسجد دونغقوان الكبير، وهو أحد أكبر وأعرق المساجد في الصين، ويرجع تاريخه إلى 900 سنة، كما يتم غلق الشوارع الجانبية والمحيطة بالمسجد، وتتوقف الحركة في المدينة كلها.
ورغم أن مساحة المسجد تزيد على 13600 متر مربع، وموعد الصلاة يكون في العاشرة صباحاً، فإنه ومع طلوع النهار يتوافد الآلاف من المصلين على المسجد، وخلال وقت قصير تمتلئ قاعات الصلاة والأجنحة الشرقية والغربية وساحاته بالمصلين؛ مما يضطر الناس إلى افتراش الشوارع والأرصفة.
في حوار مع الشيخ إسماعيل جينغ بياو، إمام مسجد دونغقوان العريق، وسؤاله عن استعدادات مجلس إدارة المسجد لاستقبال العيد، قال: بالنسبة لمسلمي الصين، فهم يستعدون لعيد الأضحى من ناحيتين؛ الأولى: العبادات، والثانية: المعاملات، فمن ناحية العبادات فهم يحرصون على حضور الصلاة وشراء الأضاحي من البقر والغنم، وهم لا يفرطون أبداً في هذه الشعيرة، ويحرصون على ذبح الأضاحي بعد الصلاة، وأما من ناحية المعاملات فهم يحرصون على زيارة بعضهم بعضاً، والتهنئة بالعيد السعيد، وتوزيع اللحوم على الفقراء والمحتاجين.
وأما النساء فلهن أيضاً دور مهم، فهن ينظفن بيوتهن ويجملنها، ويعددن الأطعمة اللذيذة، ويحرصن على حضور الصلاة حيث إن لهن مصلى خاصاً بهن، ويقضي الجميع العيد بفرحة وسرور كبيرين.
وأضاف: بالنسبة لي كإمام لهذا الجامع الكبير، فإن لديَّ كثيراً من الأمور والاستعدادات التي أقوم بها ومعي عموم المسلمين للترتيب لصلاة العيد، فمسجد دونغقوان هو المسجد الذي يشهد أكبر حضور للمسلمين في عموم الصين.
ثم ختم الشيخ إسماعيل حديثه بالدعاء بأن يحفظ الله تعالى المسلمين في الصين وفي كل بقاع الأرض، وأن يثبت إخواننا المستضعفين في غزة، وأن ينصرهم الله على عدوهم نصراً عاجلاً غير آجل.
العيد في جنوب الصين
أما في جنوب الصين، حيث تتواجد أعداد كبيرة من الجاليات العربية والإسلامية، فالعيد هناك ومظاهرة تشبه إلى حد كبير مظاهر العيد في البلدان العربية، حيث يضفي العرب هناك طابعاً عربياً على هذه المناسبة، وتنتشر المطاعم التي تقدم الأطعمة العربية.
ومن أشهر المساجد التي يحضر المسلمون فيها صلاة العيد مسجد وقاص ومسجد هوايشنغ بمدينة قوانغتشو، ومسجد إيوو الكبير بمدينة إيوو جنوب شرق الصين