لقد جعل الإسلام العيد شعيرة من شعائر الله، حيث اختار الله تعالى للمسلمين عيدي الفطر والأضحى، وإذا كان الله عز وجل قد اختار لنا الأعياد؛ فيجب علينا أن نعظمها، وأن نقف على ما أراده الله تعالى منا فيها فنفعله، وما نهانا عنه فنتجنبه، وفيما يأتي بيان أهم العبادات في الأعياد:
أولاً: اجتناب المعاصي:
ليس معنى العيد والفرحة فيه أن نتحلل من الأوامر الشرعية أو نفعل المحرمات أو نبارز الله تعالى بالمعصية، فالحرام حرام في كل الأيام، والمعصية ممنوعة في كل الأوقات، وإن الله جعل الأعياد في الإسلام بعد عبادات عظيمة، فعيد الفطر يأتي بعد صيام رمضان، فيفرح فيه المسلم بالصيام، وعيد الأضحى يأتي بعد قضاء فريضة الحج أو صيام يوم عرفة، فيفرح المسلم بطاعته، كما قال عز وجل: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58)، فإذا كانت الأعياد تأتي بعد الطاعة لنفرح بها؛ فلا ينبغي أبداً أن نضيع الطاعة بارتكاب المعاصي، فإن علامة قبول الطاعة فعل الطاعة بعدها.
ثانياً: التجمل والتزين:
أمر الله تعالى بذلك عامة، حيث قال الله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف: 31)، وقد شرع الإسلام الاغتسال للعيد، حيث روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى(1)، ولأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة، فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة، وإن اقتصر على الوضوء أجزأه، ويستحب أن يتزين ويتنظف ويحلق شعره ويلبس أحسن ما يجد ويتطيب ويتسوك، كما يستحب تزيين الصبيان ذكوراً كانوا أو إناثاً؛ لأنه يوم زينة(2).
ومن مظاهر الزينة في العيد أن يلبس المسلم أحسن ثيابه، فعَنْ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدَ مَا نَجِدُ»(3)، وعن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قال: وجد عمر حلة إستبرق تباع في السوق، فأتى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ الحلة، فتجمل بها للعيد وللوفود(4).
ثالثاً: حضور صلاة العيد:
سنّ الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة العيد، وحث على أدائها في الأماكن الخالية، التي تستوعب الجماهير من الناس، فيسعدون بهذا اللقاء، ولا ينبغي التهاون بصلاة العيد والتخلف عنها بغير عذر؛ فإنها شعيرة من شعائر الإسلام، (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32)؛ ولهذا حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم الجميع على الحضور، حيث روى البخاري عن حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا (الفتيات) أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا، قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ، قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ»، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بِأَبِي نَعَمْ، وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ، وَالْحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى»، قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: الْحُيَّضُ؟ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ، وَكَذَا وَكَذَا، ففي هذا الحديث تأكيد على استحباب خروج المرأة لصلاة العيد، حتى تشهد الخير وتسعد به.
رابعاً: صلة الأرحام:
صلة الرحم واجبة في كل وقت، لكنها في العيد أوجب، لأن أيام العيد هي أيام التواصل والتزاور والالتقاء بين الناس، وهنا تشتاق كل رحم إلى أهلها، فتأنس بهم وتسعد، وقد حث الإسلام على هذه الصلة، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه»، فعلى كل مسلم أن يحرص على صلة رحمه، وذلك بأي وسيلة ممكنة، مثل: الاتصال الهاتفي، أو الزيارة الفردية أو العائلية، أو غيرها.
خامساً: إدخال السرور على الأهل والناس:
روى البخاري عن جابر بن عبد الله قال: «كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ»، قال ابن حجر: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك: ليعمهم في السرور به، أو التبرك بمروره وبرؤيته، والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء، أو التعلم والاقتداء والاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم، وغير ذلك(5).
وإن إدخال السرور على الناس عبادة من أحب الأعمال إلى الله تعالى، حيث روى الطبراني عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ»، وأولى الناس بهذا السرور الأهل والأقارب.
سادساً: التكبير ومداومة ذكر الله:
إن الله تعالى جعل التكبير في ختام آيات الصيام وشعائر الحج، في إشارة إلى أهميته، حيث قال عز وجل في أواخر آيات الصيام: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185)، وقال في خواتيم آيات الحج: (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج: 37)، وقد شرع الرسول صلى الله عليه وسلم التكبير في العيدين، حيث أوضح الفقهاء أن التكبير المقيد يكون في عيد الفطر من رؤية الهلال حتى صلاة العيد، وفي عيد الأضحى من فجر يوم عرفة حتى عصر ثالث أيام التشريق، ويكون عقب الصلوات.
سابعاً: الصدقة على الفقراء والمساكين والتوسعة على المحتاجين:
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة عيد الفطر وصباح يومه أن يخرج المسلم زكاة الفطر، من أجل التوسعة على المحتاجين، أما في عيد الأضحى فتأتي الأضحية التي ينتظر الفقراء منها حقهم، وقد راعى الإسلام ذلك، واستحب أن يأخذوا منها، قال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج: 36).
________________________
(1) أخرجه ابن ماجة (1 / 415).
(2) الموسوعة الفقهية الكويتية (31/ 115).
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك، (4/ 256).
(4) رواه البخاري (2889).
(5) فتح الباري، (2/ 473).