في «اليوم العالمي للعمل الإنساني» وكل يوم نرى نوراً يشع بالخير في قطاع غزة رغم ظلمة الحرب، هذا النور يأتي من معنى التكافل الذي تجسد واضحاً لأهل غزة الصابرة، الأمر الذي عزز بفضل من الله تعالى صموداً يشهد له العالم.
في غزة، يقتسم أهلها كسرات الخبز اليابسة فيما بينهم، وتقسم حبة التمر بين أطفالها حتى يشعروا بحلاوة التكافل على مرارة الجوع، وزجاجة الماء الصغيرة منها فهي بالنسبة لهم تكفي عدداً كبيراً من الأطفال، وإن لم ترو عطشهم، فلا يفضل أحدهم طفله على غيره، بل يتقاسمون طعامهم المتواضع مع جيرانهم في الخيمة الملاصقة لهم.
لقد ضربوا أروع الأمثلة في التعاون عملاً بقول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ».
حينما نتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»، فهي دعوة للجميع بالتصدق والتكافل ولو بالقليل، فكل إنسان يستطيع أن يقدم المساعدة لغيره بالوسع الذي يقدر عليه.
وهذا الذي يجسده اليوم أبناء غزة، فرغم بشاعة الحرب وظلم الاحتلال، فإن أهل غزة يرسمون جمال صمودهم وثباتهم بالتكافل الذي يصعب أن يكون له مثيل في العالم، ليس بالطعام فحسب؛ بل بكل ما تستطيع به نفسه.
صحيح أنه رغم المجاعة التي أنهكت أمعاءهم الخاوية، وشح المواد الغذائية، وارتفاع الأسعار غير المعقول، فإن هناك الكثير منهم ما إن يحصل على شيء يؤكل فإنه يتقاسمه مع جاره الذي تعرّف عليه بمعاناة نزوحه.
وهذا الأمر لم يولد في الحرب فقط؛ بل كان على سنوات طويلة ممتدة سبقتها عاشت من خلالها غزة معاناة الحصار لأكثر من 17 سنة وما تزال.
فإن كان أحد يريد أن يصفق بحرارة لأصحاب العمل الإنساني فأهل غزة نالوا بجدارة بأن يكونوا رواداً لها، خاصة أنهم يستمدون ذلك من صحيح عقيدتهم وشريعة إسلامهم التي حثت على التعاون والخير والعطاء؛ (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2).
ومن أبطال صور التعاون الجميل تمثلت في أفنان التي نزحت مع عائلتها إلى مدرسة، إلا أن مرارة نزوحها ومعاناتها والقليل جداً من الإمكانات كانت حافزاً بأن يكون لها بصمة في عمل الخير؛ فأخذت خطوة طيبة بأن تحول أحد الفصول الدراسية إلى مركز تحفيظ القرآن الكريم للنازحات الصغيرات والكبيرات، ولم تقتصر على ذلك؛ بل شمرت عن ساعديها لتقديم المساعدات الغذائية للحافظات من خلال الحصول على تبرعات من أهل الخير وشرائها بنفسها وتجهيزها وتوزيعها كذلك.
طبيب الخير
أما النازح الطبيب أيمن، فقد قرر بعمله أن يكون نموذجاً مشرفاً للعمل الإنساني من خلال افتتاح عيادة أسنان داخل خيم، يعمل قدر المستطاع في توفير الأدوات الأساسية، التي من خلالها يخفف أوجاع الأطفال بشكل مجاني.
والأمر ذاته الذي سار على نهجه اختصاصي العلاج الطبيعي محمود، فقد جعل من تخصصه ملاذاً للمصابين والجرحى وغيرهم الذين هم بحاجة لتخصصه في محاولة منه للتخفيف عنهم؛ فجعل من خيمته مركزاً للعلاج المجاني بمعداته المتواضعة، لعله يكون سببًا في إعادة بسمة الشفاء للنازحين.
مدرسة على الطريق
بينما المعلمة نور حاولت تعليم أطفال النازحين عبر «مدرسة على الطريق»، فقد تمثلت الفكرة في حقيبة مربعة كبيرة تحملها على كتفها متجولة فيها بين الأطفال النازحين، فرغم ثقلها التي تحمل بها سبورة وأقلاماً وأوراقاً وبعض الأدوات التعليمية، فإنها ترى تعبها يزول بمجرد أن تعلم طفلاً حرفاً أو كلمة أو ترسم ابتسامة غيَّبتها بشاعة الحرب، تتنقل من مكان لآخر ويلتف حولها الأطفال في اشتياق كبير لحنينهم للعودة للمدرسة.
وغيرهم الكثير الذين يحملون أفكارهم الجميلة في تطبيقاتها بين خيام النازحين وعلى ركام البيوت في محاولة منهم أن يكونوا اليد الحانية لأهالي غزة الذين أثقلت على أنفاسهم حرب حرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.