التمييز ضد المسلمين في الوظائف، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، يمثل مشكلة متزايدة تواجهها هذه الفئة في العديد من البلدان، بما في ذلك الهند، ورغم أن الدساتير والقوانين تنص على المساواة وعدم التمييز، فإن المسلمين في كثير من الأحيان يواجهون عقبات كبيرة تمنعهم من الحصول على فرص عمل متساوية، يتجلى هذا التمييز من خلال معدلات توظيف أقل، وتجاهل للطلبات المقدمة من المسلمين، وتحيزات اجتماعية ودينية تؤثر على قدرتهم في تحقيق النجاح المهني.
هذا المقال يسلط الضوء على التمييز ضد المسلمين في الوظائف، ويدرس أسبابه وتأثيراته، ويقترح حلولاً عملية لمعالجته.
أظهرت أبحاث حديثة أجرتها مؤسسة «ليد باي» (LedBy)، وهي حاضنة قيادة مهنية غير ربحية للنساء المسلمات في الهند، وجود عقبات جدية تعترض طريق النساء المسلمات في سوق العمل، ولغرض الدراسة، تم إنشاء سيرتين ذاتيتين مؤهلتين بالتساوي لامرأة مسلمة وهمية تدعى حبيبة علي، وامرأة هندوسية وهمية تدعى بريانكا شارما، لم يحمل أي من الملفين صورة شخصية على مدار عشرة أشهر، تم تقديم 1000 طلب توظيف من كل ملف إلى 1000 موقع توظيف عبر الإنترنت مثل «لينكد إن»، و«نوكري».
من بين 1000 طلب تم تقديمه، حصلت بريانكا على 208 ردود إيجابية، بينما حصلت حبيبة على 103 ردود إيجابية فقط، وعلى الرغم من أن المؤهلات والقدرات كانت متشابهة، حصلت حبيبة على نتائج أقل تفضيلاً، تلقت كلتا المرأتين 88 استجابة إيجابية من نفس المؤسسات، لكن بريانكا حصلت على 120 استجابة من مؤسسات فريدة، بينما حصلت حبيبة على 15 استجابة فقط، نادراً ما تلقت حبيبة مكالمات متابعة، في حين أن نسبة كبيرة من ردود بريانكا كانت على شكل مكالمات متابعة، حيث كان المجندون يتواصلون مع بريانكا بشكل استباقي على ملفها الشخصي عبر الإنترنت، تلقت حبيبة استجابة إيجابية واحدة فقط من المجندين الذين وجدوا ملفها الشخصي عبر الإنترنت، بينما تلقت بريانكا 15 استجابة من هذا النوع.
جنود «الهندوتفا» والمساعدون لهم في حكومة حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي يدعون إلى مقاطعة اقتصادية للبائعين المسلمين والعمال اليوميين والحرفيين وغيرهم من مقدمي الخدمات، وتؤكد أبحاث مؤسسة «ليد باي» أن هذا الشعور المعادي للمسلمين قد امتد إلى القطاع الخاص أيضًا، حيث يعتقد المجندون أن النساء المسلمات أقل قدرة على الوظائف التي هن مؤهلات لها بالكامل.
التمييز في التوظيف في القطاع الحكومي
رغم أن الدستور الهندي، على سبيل المثال، ينص على المساواة أمام القانون وعدم التمييز على أساس الدين أو العرق، فإن الواقع مختلف، فالمسلمون يجدون أنفسهم بشكل متزايد مهمشين في العديد من الوظائف الحكومية، ويتم استبعادهم بشكل غير مباشر بسبب معايير أهلية تعسفية، ونقص شبكات الدعم، والتحيزات المتأصلة في المجتمع.
وتشير الإحصاءات إلى تمثيل منخفض بشكل مقلق للمسلمين في الوظائف الحكومية، سواء في المستويات العليا أو حتى في الدرجات الدنيا، على سبيل المثال، كشفت الدراسات أن نسبة الموظفين المسلمين في الإدارات الحكومية لا تتناسب مع نسبتهم من السكان، وغالبًا ما يتم رفض توظيفهم بسبب خلفياتهم الدينية، على الرغم من المؤهلات المناسبة، هذا التمييز ليس فقط نتيجة السياسات المؤسسية، ولكن أيضًا بسبب المواقف السلبية تجاه المسلمين في المجتمع الأوسع.
تأثير السياسات الحكومية
في ظل الحكومات التي تعزز السياسات القومية الهندوسية، مثل حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) في الهند، تعرض المسلمون لتهميش أكبر في عمليات التوظيف الحكومية، السياسات التي تستهدف المسلمين مثل «التمحيص الأمني» تزيد من التمييز، بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك دعوات علنية من بعض الجهات لمقاطعة العمال المسلمين في بعض القطاعات، ما يزيد من تعقيد حصولهم على الوظائف.
التمييز في القطاع الخاص
أظهرت العديد من الدراسات أن التمييز ضد المسلمين في التوظيف لا يقتصر على القطاع الحكومي، بل يشمل أيضًا القطاع الخاص، ووفق دراسة أجرتها مؤسسة «LedBy» في الهند، أظهرت أن النساء المسلمات يواجهن تمييزاً كبيراً في سوق العمل، فعلى سبيل المثال، يتلقى المسلمون نصف عدد المكالمات الإيجابية مقارنة بنظرائهم من الهندوس عند التقديم على نفس الوظائف بمؤهلات متساوية.
غالباً ما يتم استبعاد المسلمين من التوظيف بناءً على أسمائهم أو مظهرهم الخارجي مثل ارتداء الحجاب أو اللحية، فهذه العوامل تُستخدم كمعايير غير معلنة لرفض توظيفهم، حيث يُفترض أن المسلمين أقل قدرة على التكيف مع الثقافة المؤسسية، أو أن توظيفهم قد يؤثر سلبًا على صورة الشركة في المجتمع.
أسباب التمييز ضد المسلمين في التوظيف
– «الإسلاموفوبيا» والتحيزات الاجتماعية:
«الإسلاموفوبيا» المتزايدة في العديد من المجتمعات تساهم بشكل كبير في التمييز ضد المسلمين في التوظيف، تصورات سلبية عن المسلمين، مثل أنهم أقل ولاءً للدولة أو أكثر ارتباطًا بالعنف والتطرف، وتؤثر على فرصهم في الحصول على وظائف، وهذه التحيزات تجد طريقها إلى القرارات التوظيفية، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص.
– القومية المتزايدة والسياسات التمييزية:
في ظل الحكومات القومية التي تسعى إلى تعزيز الهوية الدينية المسيطرة، يتم توجيه السياسات بطرق تزيد من التمييز ضد المسلمين، على سبيل المثال، الدعوات لمقاطعة الأعمال التي يديرها مسلمون أو التشكيك في ولائهم الوطني تؤدي إلى استبعادهم من السوق بشكل غير مباشر.
– غياب شبكات الدعم والمساواة:
المسلمون في كثير من الأحيان لا يملكون شبكات الدعم المهني التي يمكن أن تساعدهم في الحصول على فرص عمل، ويعتمد الحصول على العديد من الوظائف على العلاقات الشخصية والشبكات الاجتماعية، وهذه العناصر قد تكون غير متاحة أو ضعيفة في المجتمعات المسلمة، كما أن السياسات التي تهدف إلى تعزيز التنوع والمساواة ليست دائمًا شاملة للأقليات الدينية.
التمييز ضد المسلمين في الوظائف يمثل تحديًا كبيرًا يجب معالجته بشكل فوري وحاسم، من خلال تعزيز القوانين، وزيادة الوعي، وتبني سياسات توظيف شاملة، يمكن تحقيق بيئة عمل أكثر عدالة وتنوعًا تتيح للجميع فرصة متساوية للنمو والنجاح.