عند البحث عن الصورة الذهنية للشهيد، يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، لدى الكيان الصهيوني، فور الإعلان عن اغتياله، ستجد أول ما تجد، إيجابيات عدة، أهمها الحديث عن تشدده في دينه ومقاومته للاحتلال، وحزمه وقوته وثقته التامة في نفسه ومقتله وحيدًا.
حاول الخبراء الاستراتيجيون والكُتاب الصهاينة رسم صورة ذهنية ليحيى لسنوار، فلم يجدوا إلا صفات وميزات إيجابية لا يتمتع بها سوى رجل عسكري من الطراز الأول، خاصة وأنه “يعتبر نفسه شخصية روحية، ولا يهاب الموت أو يخافه، كما أن ما عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، وضعته في تاريخ حركة حماس والشعب الفلسطيني بأسره.
الكرة بيد السنوار
في البداية، رأت القناة 12 العبرية أن السنوار ظل باقيًا طوال الحرب على غزة داخل القطاع ولم يخرج منه، وإنما أراد البقاء بجانب عناصره وقواته العسكرية، حيث تكررت تلك الرؤية في القناة ذاتها، خاصة وأنها نقلت عن الجنرال عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية “أمان”، بأن موت السنوار بداية نهاية الحرب في غزة، وكذلك نهاية بداية الحرب الإقليمية بين الكيان الصهيوني وإيران.
الغريب أن الجنرال عاموس يادلين قد أنهى مقاله المهم في القناة العبرية بجملة مهمة وقوية وهي أن “الكرة بيد الحكومة الإسرائيلية الآن”، بمعنى أنها طوال العام الماضي، وخلال الحرب على غزة كانت الكرة بيد المقاومة الفلسطينية ككل والسنوار على وجه الخصوص، وأن الهدف المهم بالنسبة لبلاده بات يتمثل في إعادة المحتجزين إلى عائلاتهم وذويهم.
التغيير الشامل للشعب الفلسطيني وسط صورة البطل
الفكرة نفسها تبنتها صحيفة “معاريف” من أن الأساس للكيان الصهيوني بعد استشهاد السنوار هو “فكرة التغيير الشامل للفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية، سواء بإعطاء الأولوية لإعادة المحتجزين من غزة، أو بتغيير المناهج الدراسية للفلسيطينيين ككل”، بمعنى أن السنوار كان حاميًا للشعب الفلسطيني من أي تغييرات سياسية أو عسكرية أو ثقافية تستهدف مستقبل المقاومة في الأراضي المحتلة.
بالتوازي مع ذلك، اعترفت كل وسائل الإعلام العبرية بأن السنوار استشهد وهو يقاتل الجيش الصهيوني، ولم يختبأ داخل أنفاق غزة، كما ردد الصهاينة من قبل، مرارًا، وكأن “الإسرائيليين” قدموه في “صورة البطل” دون قصد، حينما تحدثت عن مقتله بصاروخ انطلق من دبابة أو رصاصة في الرأس ومن قبلهما خلال تبادل إطلاق النيران مع قوة صهيونية، لم تصدق أنها نجحت في إقصاء الهدف الأول والأهم على قائمة الجيش الصهيوني خلال سنوات طويلة.
“سبحة” و”أذكار يومية” وسط البندقية
ونشرت تلك الوسائل صورة السنوار وبجواره مدفعه الرشاش وقنابل يدوية، رجحت قتاله أمام قوة عسكرية ضخمة لساعات وربما ليومين متتالين، فضلا عن “سبحته” التي وجدوها في “بنطاله”، وورقة بـ”أذكاره” اليومية، وذلك كله بعدما رصدوه وهو يتنقل بين شوارع بلدة تل السلطان بمدينة رفح، جنوبي غزة.
ودون أن تدري، أكدت تلك الوسائل من خلال تداول صور استشهاد السنوار، مقتله وهو مُقبل وليس مُدبرًا، ولم يستسلم كما أنه قتل داخل أحد المباني وليس بداخل نفق، كما حاول الدفاع عن نفسه بعصا على الأرض وقبلها البندقية.
وهو ما جعل صحيفة “يسرائيل هايوم” العبرية ترى في استشهاد السنوار بمثابة “الإنجاز المهم” للكيان، رغم تأكيده بتواجد السنوار في رفح ما يعني استشهاده داخل القطاع الذي لم يخرج منه منذ بداية السابع من أكتوبر، حيث سقط بين “سبحته وبندقيته” التي لم يتركهما أبدًا، وهي الصورة التي تتداولها وسائل الإعلام العبرية، دومًا، حين البحث عن كلمة “السنوار” باللغة العبرية.
هدية وشرق أوسط جديد
تغنَّت صحيفة “ماقور ريشون” العبرية بيحيى السنوار، خاصة مع رؤيتها أنه كان المُحدِد للأحداث التاريخية التي يعيشها الكيان الصهيوني في الوقت الراهن، وبأنه “القلب النابض” لهذا الحدث، مضيفة أن القلب نفسه ليس الموجود في إيران أو لبنان أو اليمن، وإنما كان بغزة؛ فقد كان المحرك الرئيس لعملية “طوفان الأقصى” وغيرها من العمليات العسكرية الأخرى ضد الكيان خلال السنوات الماضية؛ مضيفة أنه بـ”مقتل السنوار تلقت “إسرائيل” هدية ثمينة، ممثلة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد، بزيادة عدد الدول العربية المُطبعَّة من بلاده بحسب رؤية اتفاقات إبراهام”.
الثابت من تقرير الصحيفة أن عملية السابع من أكتوبر نجحت، فعليًا، في تأجيل حالات التطبيع بين دول عربية وإسلامية مع الكيان الصهيوني، وهو ما كان سببًا واضحًا خلال عمر الحرب على غزة؛ لذلك أسرعت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في التأكيد على أن استشهاد السنوار قد غيَّر من قواعد اللعبة في المنطقة ككل، بعدما حثت حكومة نتنياهو على اتخاذ خطوات من شأنها الاستفادة ممن زعمت أنه “إنجازات تكتيكية” جرت في القطاع، تحمل أبعادًا استراتيجية في تلك اللحظة المهمة من تاريخ الشرق الأوسط.
يخدم غطرسة نتنياهو
وعلى النقيض من تلك الرؤى السابقة، فإن الكاتب والمحلل السياسي “الإسرائيلي”، يوسي ميلمان، قد ذكر في مقال له بصحيفة “هاآرتس”، أن “القضاء على السنوار لن يقرب عودة المحتجزين الإسرائيليين من غزة، ولكنه سيخدم غطرسة وغرور بنيامين نتنياهو”، وهي الرؤية التي تقضي بأن رئيس الوزراء الصهيوني مستمر في خططه الصهيونية والخاصة بالقضاء على الأخضر واليابس، وأن المحتجزين إحدى ضحاياه، ولن يُقدم على الدخول في مفاوضات لإطلاق سراحهم، بدعوى إعادتهم عبر عمليات عسكرية فقط.
الغريب أن القناة السابعة العبرية قد اعترفت بأنه فور مقتل السنوار، تزايدت الدعوات الصهيونية المنادية ببناء مستوطنات يهودية داخل غزة، بعد إعلان كثير من الحركات الصهيونية إقامة مؤتمر بالقرب من حدود القطاع للدعوة للاستيطان اليهودي، بزعم تحقيق الرؤية التاريخية لشعب “إسرائيل”، منوهة إلى أن هذا المؤتمر سيحضره وزراء وأعضاء كنيست وحاخامات وغيرهم من الصهاينة الراغبين في تدشين أولى المستوطنات اليهودية داخل غزة؛ وذلك كله استنتاجًا لاستشهاد السنوار.
إنجاز تاريخي
إجمالا، رأت وسائل الإعلام العبرية أن استشهاد السنوار بمثابة “إنجاز تاريخي”، وبداية لإجراء تغييرات في المنطقة عبر تدشين شرق أوسط جديد، يتوافق والرؤى الصهيونية لنتنياهو، وتجديدها لمسار التطبيع مع دول عربية وإسلامية؛ وذلك رغم تصويرها لـ”السنوار”، كالبطل، دون قصد، ومقتله داخل غزة، ورفضه التام الخروج من القطاع، بالإضافة إلى استشهاده وسط بندقيته التي رافقته، دومًا، ومعها “السبحة” و”الأذكار اليومية”، حاملا لواء “الجهاد المقدس” باعترافها بتشدده في دينه ومقاومته للاحتلال الصهيوني.