يبدو أن المناهج التعليمية العربية لم تعد تكتب عن الصراع العربي – الصهيوني إلا من وجهة نظر المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وذلك بعد الابتزاز المالي التي مارسته الدول الغربية الداعمة والضغط الصهيوني على العرب، فاقتصر الانتقاد الدولي على غياب دولة الكيان عن خارطة الوطن العربي، وأوصى بإدخالها ضمن خارطة دول المنطقة؛ أي حذف جغرافيا فلسطين التاريخية واستبدال دولة الكيان بها.
كما أوصى بإزالة كل تعبير يصف الصهيونية أو دولة الكيان بالعنصرية، ومنع ذكر المقاومة والتحرر، وحث على الإشادة باتفاقيات السلام والتطبيع والتبادل الثقافي والتنوع المعرفي مع دولة الكيان الصهيوني المحتل، وبات من الواضح أن القوى الغربية بشكل عام، وعبر آليات متعددة، قد أثرت بشكل غير مباشر على النظم التعليمية في الوطن العربي، مثل نشر قيم معينة، أو فرض مناهج تعليمية لم تكن دائماً متوافقة مع الثقافة أو الهوية العربية.
الصهيونية سعت إلى تحريف المعلومات المتعلقة بتاريخ فلسطين والعرب والمسلمين
تُعد الإستراتيجيات الصهيونية في التحكم بالتعليم بالوطن العربي من المواضيع التي تثير الكثير من الاهتمام؛ لأنها تمثل أحد أوجه الحرب الثقافية والتاريخية التي تسعى من خلالها الحركة الصهيونية لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية من خلال:
– التأثير على المناهج الدراسية:
تُعتبر المناهج الدراسية إحدى الوسائل الأساسية للتأثير على العقل العربي، حيث سعت الصهيونية إلى تغيير أو تحريف المعلومات المتعلقة بتاريخ فلسطين والعرب والمسلمين، مثل تصوير الصراع العربي الصهيوني بشكل يتجاهل حقوق الفلسطينيين، ويقلل من أهمية القضية الفلسطينية، وإعادة كتابة التاريخ الذي يقلص دور العرب والمسلمين في تاريخ المنطقة، وتقديم الرواية الصهيونية باعتبارها الرواية الوحيدة، ومحاولة الترويج لفكرة التطبيع والتعاون مع دولة الكيان من خلال برامج تعليمية تدّعي نشر السلام بين الشعوب.
كما سعت إلى كتابة ودراسة المناهج العربية من ناحية الصراع العربي – الصهيوني وفقاً لنظرة الغرب الاستعماري والصهيوني إلى مفهوم «الإرهاب» الذي صاغه هذا الغرب، الذي ينظر إلى كل شعب أو حركة ثورية لدى العرب تحاول التحرر من الاستعمار والغزو الفكري على أنها إرهابية، وأن «محور المقاومة» هو العدو الذي يجب مواجهته، والنظر إلى دولة الكيان على أنها دولة ديمقراطية والتسامح، ويجب التعامل معها على أنها جزء من المنطقة العربية، وإزالة مفهوم الاستعمار والاحتلال عنها.
.. وضغطت على الحكومات العربية لتبني سياسات تعليمية تتماشى مع مصالحها
وكأن الشعب الفلسطيني، وأرضه، التي قامت على أنقاضها دولة الكيان، وارتكبت بحقه أبشع المجازر وشردته من أرضه ووطنه، ليس لديه أسباب حقيقية ومصيرية للدفاع عن نفسه ومحاربة الاحتلال الصهيوني، ويتم تغييبه ونزع حقه وإرادته، عن الخارطة السياسية في المنطقة والعالم، من قبل دول استعمارية تدعو إلى الاعتراف بالآخر.
– الضغط على الحكومات العربية:
سعت الصهيونية من خلال الدعم الغربي والتأثير الدبلوماسي إلى الضغط على الحكومات العربية لتبني سياسات تعليمية تتماشى مع مصالحها، مثل دعم المبادرات التربوية التي تدعو إلى السلام معها، وتعزيز برامج التبادل الطلابي أو المؤتمرات التعليمية التي ترسم صورة دولة الكيان الديمقراطية المسالمة في ذهن الطلاب العرب، وتمويل ودعم المنظمات غير الحكومية أو المؤسسات التعليمية التي يمكن أن تنشر المناهج التربوية التي تصيغ التاريخ بطريقة تلائم الرواية الصهيونية.
– التأثير على المؤسسات التعليمية:
حيث عملت الصهيونية على التأثير على المؤسسات التعليمية العربية عن طريق التعاون مع الجامعات، وإنشاء شراكات معها لتقديم برامج دراسات عليا أو مؤتمرات أكاديمية تُروج للقيم الغربية، أو تساهم في نشر الأفكار الصهيونية، والاستفادة من اللوبيات التعليمية عبر استخدام مؤسسات أكاديمية ومراكز بحثية قريبة من الفكر الصهيوني لتوسيع نطاق التأثير على العملية التعليمية.
.. وعملت على تزييف الوعي الشعبي في العالم العربي بالقضية الفلسطينية
– استغلال التعليم الديني:
التعليم الديني في العالم العربي يُعتبر أحد المجالات المهمة التي يمكن أن تتأثر بالصهيونية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي هذا الإطار، سعت الحركة الصهيونية إلى التأثير على التفسير الديني للحدث الفلسطيني من خلال الترويج لفهم ديني قد يتماشى مع التوجهات السياسية الصهيونية في المنطقة، والترويج للرؤية الصهيونية التي ترى في القدس عاصمة لهم بدلاً من اعتبارها عاصمة لفلسطين.
– تعليم لغة وثقافة العدو:
حيث اجتهدت الصهيونية في إدخال اللغة العبرية في المناهج الدراسية ونشرها بين طلاب المدارس أو الجامعات في بعض الدول العربية؛ ما يساهم في فهم الثقافة الصهيونية والتواصل معها بشكل غير مباشر، واستغلال السياحة والأنشطة الثقافية لتعليم الشباب العربي اللغة العبرية ثم جذبهم إلى زيارة دولة الكيان، أو المشاركة في فعاليات ثقافية أو رياضية تشرف عليها مؤسسات صهيونية؛ ما يعزز من تقبّل ثقافتها.
– دعم المنظمات غير الحكومية:
تعمل بعض المنظمات غير الحكومية، المدعومة من جهات صهيونية، على تنفيذ برامج تعليمية تهدف إلى نشر أفكار تتماشى مع السياسات الصهيونية في المنطقة العربية، هذه المنظمات تسعى إلى تقديم منح دراسية للطلاب العرب في دولة الكيان مع تقديم برامج دراسات مغرية؛ ما يساهم في تغيير نظرة الشباب العربي تجاهها، وتوفير برامج تبادل ثقافي تهدف إلى تعزيز الحوار مع الشباب العربي، وتركز على إبراز جوانب معينة من الثقافة الصهيونية.
– تقليل الوعي بالقضية الفلسطينية:
من خلال هذه الإستراتيجية، تعمل الصهيونية على تقليل الوعي الشعبي في العالم العربي بالقضية الفلسطينية، وتشويش الرأي العام عن ممارسات الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وكذلك تقليل الاهتمام بالقضية في أذهان الأجيال الجديدة.
ضرورة تعزيز المناهج التي تعكس الحقيقة التاريخية وتدعم حقوق الشعوب العربية
يمكن القول: إن الصهيونية تسعى إلى التأثير في التعليم العربي على مستويات متعددة، سواء عبر المناهج الدراسية أو وسائل الإعلام أو حتى من خلال التعاون الأكاديمي والثقافي، هذه الإستراتيجيات تهدف إلى تشكيل صورة إيجابية لدولة الكيان الصهيوني في العقول العربية، وفي الوقت نفسه، تقلل من التركيز على القضية الفلسطينية وتاريخها النضالي.
ومن أجل ذلك ولمجابهة هذه السياسات الخبيثة والإستراتيجيات الصهيونية الخادعة، يجب مصادمتها بممارسات لصدها من خلال التوعية والوعي الثقافي في العالم العربي بأهمية القضية الفلسطينية كقضية عربية لا يمكن محوها أو نسيانها، وأن أرضها مغتصبة من قبل دولة الكيان الاستعمارية التي احتلت الأرض واغتصبت الحق وقتلت الإنسان الفلسطيني وهجرته، وأيضاً من خلال تعزيز التعليم الحقيقي والمناهج الصادقة التي تعكس الحقيقة التاريخية وتدعم حقوق الشعوب العربية، وخاصة الفلسطينيين.