سعد السبيعي
التربية القيادية ليست مجرد تعليم نظري أو إرشاد بالكلمات، بل هي ممارسة يومية تتجلى في الأفعال والسلوكيات، وتتطلب من المربي أن يكون قدوة يُحتذى بها، النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان أعظم مثال للقيادة التربوية بالقدوة، حيث ربّى جيلًا من الصحابة الذين غيّروا وجه التاريخ بقوة إيمانهم وعلو أخلاقهم.
تربية النبي لصحابته
كان صلى الله عليه وسلم نموذجًا قياديًا يُلهم الصحابة بفكره وسلوكه، لم يطلب منهم شيئًا إلا وكان أول المطبقين له، فعندما أمرهم بالصبر، ضرب أعظم الأمثلة بصبره على أذى قريش، وعندما دعاهم للبذل، كان أول من يضحي، في غزوة «الخندق»، على سبيل المثال، شاركهم في حفر الخندق بنفسه رغم الجوع والتعب، مما زادهم حماسًا وثباتًا.
ولعل أبرز مواقفه القيادية في التربية عندما قال لأحد أصحابه: «لا تغضب»، لم يكن هذا مجرد نصيحة عابرة، بل تجسدت في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المواقف التي قد تستفز أي إنسان، لكنه كان دائمًا يرد بالهدوء والعفو، مما علّمهم عمليًا معنى ضبط النفس.
فهم فكري وتطبيق عملي للشباب
الشباب بطبيعتهم طموحون ومتحمسون، لكن لتحقيق النجاح الدعوي أو القيادي، يحتاجون إلى توازن بين الفهم الفكري والتطبيق العملي، النبي صلى الله عليه وسلم ركّز على هذا التوازن في تربيته للشباب، فقد كان يعقد المجالس الفكرية التي يشرح فيها الإسلام، ويوضّح مبادئه، ثم يصحبهم في المواقف العملية ليطبّقوا ما تعلموه.
فعندما أرسل مصعباً بن عمير، الشاب اليافع، إلى المدينة قبل الهجرة ليكون سفير الإسلام، لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بتعليمه العقيدة فقط، بل علّمه كيفية التواصل مع الناس بحكمة، وكيف يكون قدوة في السلوك والتعامل، والنتيجة أن نجح مصعب في كسب قلوب الأنصار، وأصبح نموذجًا للداعية الشاب الذي يجمع بين الفهم والتطبيق.
تطوير وسائل المربين ضرورة
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كانت وسيلة التعليم الأساسية الخطاب المباشر والتوجيه العملي، لكن مع تسارع وتيرة المعلومات في عصرنا، أصبح تطوير وسائل التربية ضرورة حتمية، النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمد على وسيلة واحدة، بل استخدم كل ما هو متاح في وقته، واستغل الحوار لشرح المفاهيم، كما في حديث الشاب الذي جاءه يطلب الإذن في الزنى، حيث لم ينهره بل ناقشه بهدوء حتى أقنعه، لجأ إلى القصص لتوضيح الأفكار، مثل قصة الغار التي حكى فيها عن توكل ثلاثة رجال على الله عندما أغلقت عليهم الصخرة.
على المربين اليوم أن يستلهموا هذا النهج ويطوّروا أدواتهم، باستخدام التكنولوجيا الحديثة، والفيديوهات التوعوية، وتطبيقات الهواتف لتوصيل الرسائل بطرق تناسب الجيل الحالي.
القدوة أساس التأثير
يظل العنصر الأهم في التربية القيادية القدوة، الشاب لن يتأثر بالمحاضرات فقط، بل بما يراه من أفعال تتجسد أمامه، النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، هذه الأخلاق لم تكن شعارات، بل أفعال تكررت يوميًا أمام الصحابة، فأصبحت نمط حياتهم.
إذا أراد المربون اليوم النجاح في تربية جيل قيادي ودعوي، فعليهم أن يجمعوا بين العلم والفعل، وبين الفكر والقدوة، وأن يواكبوا متغيرات العصر دون التخلي عن الأساسيات.
ختامًا، يبقى نهج النبي صلى الله عليه وسلم في التربية القيادية بالقدوة مدرسة خالدة نستلهم منها كيف نربي، وكيف نكون قادة حقيقيين يقودون بالحب، والحكمة، والعمل.