يعيش المسجد الأقصى لحظة مفصلية في مسار تاريخه، لحظة مفتعلة من الكيان الصهيوني كعادته، لإيجاد سبب لطغيانه وتوفير غطاء لجرائمه، فالقتل عنده تسلية، وإيذاء الناس هواية.
وها هو الكيان «الإسرائيلي» ينقض العهود المرة تلو الأخرى، ويقتحم المسجد الأقصى، ويعربد ويقتل الناس، ثم يغلق المسجد دون وجه حق، وأقول دون وجه حق لأنه ليس المسؤول عنه حسب المواثيق الدولية، فللمسجد الأقصى إدارة مستقلة (مثل رئاسة الحرمين الشريفين)، وتشرف عليها حسب الاتفاقيات الأممية المملكة الأردنية منذ عام 1967م.
لم يكن دخول جنود الكيان الصهيوني المسجد الأقصى هذه المرة عبثا وإغلاقه سذاجة، بل وراء ذلك أمران رئيسان:
الأول: سرقة ما يمكن من الوثائق التاريخية والآثار وما تقع عليها أيديهم، وذلك بعد تفريغ المسجد من الناس.
الثاني: قياس رد فعل العالم الإسلامي –وليس الفلسطينيون– تجاه ذلك الاعتداء على المسجد الأقصى، الذي وصل إلى حد البرود، ويحتاج إلى الحبة الزرقاء!
نعم.. فلقد كان العالم الإسلامي ينتفض عند أي اعتداء في عموم فلسطين، وخصوصاً القدس والمسجد الأقصى، وبدأ البرود يدخل أطراف العالم الإسلامي تدريجياً وأشغلوه بحاله، وبقي العرب وحدهم ينتفضون عند أي اعتداء، إلا أن البرود وصلهم بشكل غير مسبوق، رغم أنهم عرفوا بالحرارة، وتتمنى الغربيات الاقتران بهم لحرارتهم، إلا أن العجز انتشر بينهم، وصارت حالهم كما وصفها بعض الأطباء بارتفاع مرتادي عيادة العجز حتى من فئة الشباب!
وهروباً من ذلك العجز، بدأ البعض باستصدار آراء سياسية جديدة، فمرة يقولون: هذا شأن فلسطيني، ومرة يقولون: إن القيادة الفلسطينية (عرفات، وعباس، ودحلان.. إلخ) فرطت في فلسطين وسرقت أموالها، وأنهم خونة لا يستحقون المساندة.. وغير ذلك، ويتحجج البعض محلياً بأن موقف «فتح» كان مؤيداً بالكامل لصدام وللاحتلال العراقي للكويت، وموقف «حماس» وإن كان معارضاً للاحتلال العراقي للكويت، فإنه كان معارضاً للاستعانة بجيوش غير المسلمين، وبالتالي لا نساندهم!
والأغرب من ذلك من يتعذر بأن «حماس» صنفت إرهابية، ولا تستحق فلسطين المساندة!
هذا التسطيح للفكر السياسي والديني والثقافي لدى الشعوب العربية تحديداً سببه أمران، الإعلام الموجّه، والكبر؛ أما الإعلام الموجّه، فهو صناعة إستراتيجية ناجحة تستخدمها المؤسسات في توجيه الناس بشكل ناعم على المدى البعيد، من خلال اختراق العقل الباطن، وإعادة البرمجة العقلية والفكرية، وبشكل ثوري على المدى القريب، من خلال الاستثارة والكذب والإشاعة، التي غالباً تكون لها آثار عكسية، ويدعم ذلك البساطة التي تعيشها عموم شعوب العالم، وأحياناً الجهل.
وأما الكبر؛ فهو ينطلق من هوى النفس، وهو هنا له معنيان، الاستكبار على الآخرين، وبطر الحق وظلم الناس (الحديث)، وهذا ما يحدث عندما نسمع الحق ونصد عنه لأنه لا يوافق هواناً.
وللأسف تتجلى هذه الأمور في مواقف البعض تجاه أي اعتداء «إسرائيلي» على فلسطين، متناسين أن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى ملك للمسلمين لا للفلسطينيين وحدهم، فهي أرض مباركة، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، لذلك نجد أن دول الخليج لم توقف مساعدتها الإنسانية لأهل فلسطين إلى الآن، بشكل مباشر أو غير مباشر.
فلا تدَعوا الأفكار السلبية التي بناها البعض تعشعش في قلوبنا وتسيطر على عقولنا، ولنقف جميعاً صفاً واحداً أمام الاعتداء «الإسرائيلي» على المسجد الأقصى، قبل أن يتم تدميره، وحينها لا ينفع ندم.
_____________________
المصدر: «الأنباء»، 25/ 7/ 2017م.