اغتيال الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال الصهيوني ليس مجرد استهداف جسدي للأسرى الفلسطينيين أو محاولة لعزلهم عن شعبهم، بل هو خطة ممنهجة تهدف إلى القضاء على الفكر المقاوم وروح النضال التي تمثلها هذه الحركة.
فالأسرى ليسوا مجرد أرقام خلف القضبان، بل هم رموز للصمود وعناوين للوحدة الوطنية الفلسطينية، التي يسعى الاحتلال إلى تفكيكها بكافة الوسائل.
الممارسات الإجرامية بحق الأسرى داخل المعتقلات، وخاصة الإهمال الطبي المتعمد، كما يحدث في مستشفى «سيروكا»، تكشف عن الوجه الحقيقي للاحتلال، فبدلاً من تقديم الرعاية الطبية، يُستغل هذا المستشفى كأداة لتعذيب الأسرى جسدياً ونفسياً.
شهادات الأسرى المرضى تكشف فصولاً مؤلمة من الإذلال، حيث يتحول المرض إلى وسيلة لإخضاعهم، وغالباً ما يكون المستهدفون قادة ومفكرين، كأسرى قضوا سنوات طويلة في قيادة العمل الوطني من داخل الزنازين، يسعون للحفاظ على وحدة الحركة الأسيرة وإلهام الأجيال الجديدة بضرورة مواصلة طريق النضال.
استهداف الحركة الأسيرة ليس فقط عملاً عدائياً، بل يعكس إدراك الاحتلال للدور المحوري للأسرى في إشعال شرارة الثورة وتجديد روح المقاومة، فالاحتلال يعلم أن الأسرى، رغم قيد السلاسل، يشكلون خطراً إستراتيجياً، لأنهم يحملون رسالة واضحة بأن الحرية تُنتزع بالنضال، وبأن الظلم مهما طال فإن مصيره الزوال، والحركة الأسيرة تمثل قلب القضية الفلسطينية النابض، فهي الحافظة لذاكرة النضال والجسر الذي يربط بين أجيال المقاومة في ملحمة تحرير مستمرة.
هذه السياسات القمعية ليست أحداثاً منفصلة عن سياقها، بل جزء من منظومة استعمارية تسعى إلى محو الهوية الوطنية الفلسطينية بكل مكوناتها، ويدرك الاحتلال أن قتل روح المقاومة داخل السجون خطوة أولى في مشروع محو الهوية الوطنية خارجها، لكن الفلسطينيين، الذين تربوا على قيم الصمود والكرامة، يُدركون أن الأسرى ليسوا مجرد أشخاص معتقلين، بل هم أبطال وشعلة متقدة لا تنطفئ، يُلهمون شعبهم في ميادين النضال.
الصمت الدولي أمام هذه الجرائم يكشف عن ازدواجية فاضحة في المعايير، فالمنظومة الدولية، التي تزعم حماية حقوق الإنسان، تقف عاجزة أو متواطئة حين يتعلق الأمر بالاحتلال، فكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يُطالب الفلسطيني بالالتزام بالقانون الدولي بينما تُغض الطرف المؤسسات الدولية عن انتهاكات الاحتلال اليومية؟!
ازدواجية المعايير هذه تضع النظام العالمي في مأزق أخلاقي خطير، فالطفل الفلسطيني الذي يُجبر على مشاهدة هدم بيته واعتقال أهله لن يؤمن بعدالة هذه المؤسسات الدولية، بل سيزداد إيماناً بأن النضال هو الخيار الوحيد لتحقيق الحرية.
إن هذا الواقع المظلم يعمّق قناعة الفلسطينيين بأن المقاومة هي السبيل الوحيد للتصدي لآلة البطش الصهيوني واسترداد حقوقهم المشروعة.
استهداف الأسرى داخل السجون ليس سوى جزء من محاولات الاحتلال لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، فالأسرى، الذين يمثلون خط الدفاع الأول عن القضية، يُعتبرون تهديداً وجودياً للاحتلال لأنهم يُجسدون الصمود والثبات، وعلى الرغم من قيود الزنازين، فإن الأسرى يستمرون في إرسال رسائل الأمل لشعبهم، مؤكدين أن الاحتلال، مهما استخدم من أساليب قمعية، لن يتمكن من القضاء على روح النضال.
الشعب الفلسطيني يدرك أن حريته لن تُمنح له عبر قرارات دولية أو مفاوضات عقيمة، بل يجب أن تُنتزع بالنضال والمقاومة، والحركة الأسيرة تُعدّ أحد أبرز رموز هذا النضال، إذ تلهم الشعب الفلسطيني للاستمرار في مواجهة الاحتلال.
ورغم كل محاولات الاحتلال لكسر عزيمة الأسرى، أثبتت الحركة الأسيرة أنها عصية على الكسر، فهي ليست مجرد مجموعة من المعتقلين، بل هي مدرسة نضالية تُخرّج أجيالاً مؤمنة بأن الحرية حق ينتزع بالنضال، والجرائم التي يرتكبها الاحتلال، بدلاً من أن تُضعف الحركة الأسيرة، تزيدها قوة وتُجدد روحها النضالية.
القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي معركة من أجل الكرامة الإنسانية والعدالة، والأسرى الفلسطينيون، الذين يدفعون حياتهم ثمناً للحرية، يُثبتون يومياً أن الاحتلال لن يستطيع إطفاء شعلة المقاومة التي تشتعل في قلوبهم، فهم العنوان الأبرز للصمود، وشعبهم يدرك أن حريته مرتبطة بتحرر هؤلاء الأبطال، الذين قدموا أغلى ما لديهم من أجل وطنهم.