حينما تتغير المواقف وتتبدل التحالفات، تظل الكويت ثابتة كجبلٍ راسخ لا تهزه العواصف، فمنذ عقود طويلة، كانت القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا في السياسة الخارجية للكويت، وظلت الكويت داعمًا مخلصًا لهذه القضية، سياسيًا، دبلوماسيًا، وعسكريًا، وفي ظل موجة التطبيع التي اجتاحت المنطقة، رفضت الكويت التخلي عن مبادئها، مؤكدة أن لا تطبيع مع الاحتلال ما دامت الحقوق مسلوبة، هذا التقرير يلقي الضوء على الدور التاريخي والدبلوماسي للكويت في دعم القضية الفلسطينية، مع التركيز على موقفها الراسخ من التطبيع، رغم الضغوط الدولية والإقليمية.
أولاً: العلاقات التاريخية بين الكويت وفلسطين:
ترتبط العلاقات الكويتية الفلسطينية بجذور متينة تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حيث استقبلت الكويت أول وفد فلسطيني، وازداد هذا الارتباط مع نكبة عام 1948م، عندما فتحت الكويت أبوابها للاجئين الفلسطينيين، الذين أسهموا في بناء الكويت الحديثة، سواء في المجالات التعليمية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
– الدور العسكري:
لم يقتصر الدعم الكويتي على المستوى الشعبي، بل شمل الدعم العسكري الفعلي:
– عام 1967م، حرب النكسة: شاركت الكويت بلواء اليرموك إلى جانب الجيوش العربية ضد «إسرائيل».
– عام 1973م، حرب أكتوبر: شاركت الكويت بقوات لواءي اليرموك والجهراء على الجبهتين المصرية والسورية.
– الدور المالي:
أدت الكويت دورًا كبيرًا في دعم الشعب الفلسطيني ماليًا من خلال المساهمات في مؤتمرات القمم العربية والدولية، ومن أبرز هذه المساهمات:
– 150 مليون دولار لصندوق الأقصى في قمة القاهرة الطارئة عام 2000م.
– 124 مليون دولار في القمة العربية بالجزائر عام 2005م.
– 300 مليون دولار في مؤتمر المانحين في باريس عام 2007م.
– 200 مليون دولار لإعادة إعمار غزة في مؤتمر شرم الشيخ عام 2009م.
هذه الأرقام ليست مجرد أموال، بل تعبير عن التزام دائم وثابت بالقضية الفلسطينية، رغم الظروف السياسية والاقتصادية المتغيرة.
ثانياً: الدبلوماسية الكويتية في دعم القضية الفلسطينية:
تحولت الكويت إلى صوت فلسطيني مؤثر في المحافل الدولية، حيث استخدمت عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن (2018 – 2019م) كمنصة لتسليط الضوء على الانتهاكات «الإسرائيلية»، والعمل على تعزيز الحماية الدولية للفلسطينيين.
الإنجازات الدبلوماسية في مجلس الأمن
– رفض «صفقة القرن»: كانت الكويت من أوائل الدول العربية التي أعلنت رفضها لـ«صفقة القرن»، حيث اعتبرت أن هذه الخطة تفتقر إلى العدالة ولا تلبي الحقوق الفلسطينية.
– مشروع حماية المدنيين الفلسطينيين (مايو 2018م): تقدمت الكويت بمشروع قرار يهدف إلى توفير حماية دولية للمدنيين الفلسطينيين، لكن المشروع أُفشل بسبب «الفيتو» الأمريكي.
– رفض تصنيف حركة «حماس» كمنظمة إرهابية: تصدت الكويت لمحاولة الولايات المتحدة إصدار قرار في مجلس الأمن يعتبر «حماس» منظمة إرهابية، وتمكنت من إفشال هذه المحاولة.
– إدانة المستوطنات «الإسرائيلية»: دعت الكويت إلى جلسة طارئة في مايو 2019م لمناقشة النشاط الاستيطاني «الإسرائيلي»، حيث طالبت بوقف التوسع الاستيطاني غير القانوني، وهو ما اعترضت عليه الولايات المتحدة.
الموقف من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس: عارضت الكويت قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس المحتلة، ودعت إلى جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صوّتت الأغلبية ضد القرار الأمريكي، في انتصار سياسي ودبلوماسي عُدّ إنجازًا لفلسطين والكويت معًا.
ثالثاً: موقف الكويت من التطبيع مع «إسرائيل»:
رغم الضغوط التي مورست على الكويت لتطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، ظلت الكويت متمسكة بمبادئها الثابتة، حيث رفضت الانجرار وراء موجة التطبيع الخليجي.
– قال الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله: عصرنا الحاضر لم يشهد مثيلاً قط لمأساة هذا الشعب، الذي هو صاحب قضية انتهكت فيها حقوق الإنسان وكل الأعراف والقوانين المرعية، وأضاف: 36 سنة مرّت على القضية والعدو لا يزال جاثماً على صدر الشعب الفلسطيني.
– الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، أكد مرارًا أن التطبيع لن يحدث ما دامت الحقوق الفلسطينية مغتصبة، وشدد على رفض أي اتفاق لا يحقق العدالة للشعب الفلسطيني.
– الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، رحمه الله: سار على خطى الأمير الراحل، وأكد أن موقف الكويت لن يتغير، بل سيظل داعمًا لفلسطين في جميع المحافل الدولية.
– قال سمو أمير البلاد الشيح مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه: نجدد إدانتنا للاحتلال «الإسرائيلي» الغاشم على أرض فلسطين المحتلة، وللإبادات الجماعية المتعاقبة بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، داعياً المجتمع الدولي إلى ضمان الوقف الفوري لإطلاق النار، وتوفير الحماية الدولية للمدنيين الأبرياء، وضمان فتح الممرات الآمنة ووصول المساعدات الإنسانية العاجلة.
الموقف الشعبي والبرلماني
– حراك شعبي واسع: رفع الشعب الكويتي شعارات رافضة للتطبيع، وظهرت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل «#الكويت_ضد_التطبيع»، و«#شكراً_الكويت»، تأييدًا لموقف الحكومة الكويتية الرافض للتطبيع.
– الدور البرلماني: أعلن مجلس الأمة الكويتي رفضه لأي شكل من أشكال التطبيع، حيث تقدم 18 نائبًا بطلب إقرار قانون لتجريم التطبيع، وقد وقع 38 نائبًا على بيان يدعو الحكومة إلى التمسك بالموقف الرافض للتطبيع، في مشهد يعكس التوافق الكامل بين القيادة والشعب.
______________________
1- كتاب تطور العلاقات الكويتية الفلسطينية، د. فلاح المديرس.
2- التوجه القومي العربي في سياسة الكويت الخارجية 1971-1990 د، فيصل أبو صليب الكويت: مجلة العلوم الاجتماعية.
3- النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت د. شفيق الغبرا.