الشعب التركي انحاز إلى القيادة التي توفر له الرفاه الاجتماعي والتقدم الاقتصادي والأمن السياسي
فوز رئيس وزراء تركيا «رجب طيب أردوغان»، وبرنامجه الانتخابي الذي اقترحه، وتبنيه للقضايا العربية، وسياساته القائمة على ما سماه «صفر مشكلات»؛ أي لا يريد أي مشكلات مع الجوار والعالم.. وقضايا أخرى ناقشناها في هذا الحوار مع الكاتب والباحث السياسي التركي «محمد زاهد جول».
– ماذا يعني الفوز الكبير والساحق الذي حققه «رجب طيب أرودغان»؟ وهل هو مؤشر على زيادة شعبية هذا الرجل أكثر من الانتخابات السابقة؟
– هذا الفوز لحزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات البلدية يعني أن الشعب التركي مع القيادة التي تصنع له النجاح، وتوفر له الرفاه الاجتماعي والتقدم الاقتصادي والأمن السياسي، ولا شك أن حجم النجاح ونسبته العالية 46% مؤشر أكيد على نجاح رئيس الوزراء التركي «رجب طيب أردوغان» في كسب ثقة الشعب التركي، وعدم قناعة الشعب بأحزاب المعارضة.
– هناك مشكلات كبيرة تواجه الدولة التركية، منها المشكلة السورية، والعلاقات المتأزمة مع بعض الدول الغربية، كيف ستواجه تركيا تلك المشكلات؟
– المشكلة السورية لا تواجه تركيا وحدها، وهي ليست مشكلة تركية، لأنها أزمة شعب شقيق يعاني المآسي الإنسانية، وله مع تركيا حدود تزيد على 900 كم، فتركيا لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي أمام مجازر ومذابح يتعرض لها الشعب السوري، ولا ذنب له إلا أنه طالب بالحرية والديمقراطية والإصلاح الاجتماعي، فالمشكلة التركية بخصوص سورية هي من أجل سورية وليست مع سورية، وكذلك مع باقي الدول العربية سواء كانت مصر أو دول الخليج أو غيرها، فتركيا تتطلع إلى علاقات حسنة مع كافة الدول العربية، وهي مع مطالب الشعوب في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كخيار للشعوب ودون أن تتدخل تركيا في الشؤون الداخلية لأي دولة.
– معارضة تركيا للانقلاب في مصر وتأييدها للرئيس «د. محمد مرسي»، هل سيستمر ذلك؟ وكيف ستوازن تركيا ذلك ضمن إطار علاقاتها مع الدول العربية التي دعمت الانقلاب؟
– تركيا لا تعارض الانقلاب المصري إلا لأنه انقلاب، فالانقلاب عمل غير دستوري وغير قانوني، وضد حقوق الشعوب ولا يأتي بخير، وتأييد تركيا للرئيس السابق «محمد مرسي»؛ لأنه رئيس منتَخَب من الشعب المصري فقط، ولو فاز الجنرال «أحمد شفيق» وجرى عليه الانقلاب لكان موقف تركيا نفسه، وتركيا عانت من الانقلابات العسكرية ورفضتها في داخل تركيا وخارجها، سواء كان الانقلاب في دولة عربية أو أفريقية أو أوروبية أو غيرها، فلن تعترف تركيا بأي انقلاب عسكري في العالم.
– ما أهم المشاريع التي طرحها «أردوغان» ضمن برنامجه الانتخابي التي حازت اهتمام الشارع التركي؟
– الانتخابات التي جرت بتاريخ 30 مارس 2014م هي انتخابات بلدية ومحلية، وليست تشريعية برلمانية؛ وبالتالي فإن برامجها تكون داخل حدود كل محافظة أو مدينة أو بلدة، وهي تصب في مصالح أهل تلك المنطقة من مشاريع خاصة بها، أما مشروع حزب «العدالة والتنمية» العام فهو مواصلة الانفتاح الاجتماعي وتقديم المزيد من الحزم الديمقراطية التي تصالح قوميات المجتمع التركي أكثر، وتحقق له التقدم الاقتصادي والقوة السياسية للدولة التركية، فالمخطط أن تكون تركيا في عام 2023م ضمن أفضل عشر دول في العالم إن شاء الله، وهذا يحتاج إلى عمل كبير.
– كيف سيتعامل «أردوغان» مع معارضيه «فتح الله كولن» المتهم بتدبير محاولات انقلاب وتآمر ضد الحكومة؟
– ينبغي أن نفرق بين معارضة سياسية تستخدم حقوقها الدستورية في المعارضة السياسية، ومعارضة تخريبية تحاول أن تقود البلاد إلى الفشل والاضطرابات، وبين معارضة مجرمة تتآمر على الدولة التركية وتتجسس على أمنها الوطني والقومي، وتعرض أمن البلاد إلى الخطر، وتكشف أسراره إلى أعداء تركيا في الخارج، فهذه ثلاثة أنواع من المعارضة.
و«فتح الله كولن» مارس الأنواع الثلاثة من المعارضة، فعندما كان يعارض سياسة الحكومة في البداية وينتقد أداءها لم يتم التعرض له إطلاقاً، حتى وهو يمارس المعارضة السياسية كجماعة دون حقوق دستورية، لأنه لم يشكل حزباً سياسياً، مثل باقي أحزاب المعارضة التركية السياسية والتي تستخدم حقوقها الدستورية في معارضة الحزب الحاكم. أما السلوك الآخر الذي سلكه «فتح الله كولن» وعارض فيه الحكومة التركية فهو تأييده للمواقف «الإسرائيلية» في مسألة سفينة «مرمرة»، وتحميل الحكومة التركية مسؤولية الشهداء التسعة الذين قضوا نحبهم شهداء في سبيل الله ومن أجل فك الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة، فهذه معارضة تخدش الشعور القومي التركي، وكذلك تسيء إلى المشاعر الإسلامية.
أما المعارضة الثالثة التي مارسها «فتح الله كولن» وتعتبر غير محتملة وتدخل في دائرة الجريمة فهي تنظيمه لجماعة سرية داخل مؤسسات الدولة، هي أشبه بـ«تنظيم الدولة الموازية»، تقوم بالتجسس على أمن الدولة والمؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية، بل تتجسس على اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي، وتُفشي أسرار اجتماعاته وما يدور فيها من أسرار على الإنترنت، وقد ثبت تجسس جماعة «فتح الله كولن» على أكثر من ثلاثة ملايين تركي خلال العامين الماضيين، وتقوم بانتهاك حرمات الحياة الخاصة والأسرار المنزلية والعائلية لهؤلاء المواطنين بمن فيهم رئيس الوزراء «أردوغان».
-تحذير المعارضة من خلال وسائل الإعلام المختلفة بأن «أردوغان» بعد فوزه سيسيطر على القضاء ويقيد حرية الإنترنت، ماذا تقولون عن ذلك؟
– رئيس الوزراء «رجب أردوغان» رئيس وزراء منتَخَب وله حقوق وعليه واجبات، والدستور التركي هو من يحدد له صلاحياته، ولا يملك كرئيس وزراء في دولة ديمقراطية أن يتجاوز صلاحياته، فهذه التهم يمكن أن تصرف في الدول غير الديمقراطية، أما في تركيا فالبرلمان التركي هو صاحب الصلاحية في محاسبة رئيس الوزراء إذا تجاوز صلاحياته، وليس من صلاحيات رئيس الوزراء التدخل في القضاء ولا تقييد حرية الإنترنت ولا «التويتر» ولا «اليوتيوب» ولا غيرها، فهذه تحتاج إلى قرارات برلمانية أو قضائية أي من المحاكم، وليس قرارات سياسية.. وما تم من إغلاق لـ«تويتر» و«اليوتيوب» وأصدرت المحاكم أحكاماً برفضه دليل على أن المحاكم صاحبة الصلاحية في ذلك، وليس الحكومة، ولكن على المعترضين معرفة أن شركات «التويتر» و«اليوتيوب» وغيرها هي شركات تجارية تبيع منتجاتها الإلكترونية كأي شركة تجارية.
– هل سيقوم «أردوغان» بتعديل الدستور أو بعض نصوصه خاصة بعد ادعاء المعارضة بأنه سيقوم بذلك لأجل تغيير فقرة النص على سنوات الحكم لكي يتمكن من ترشيح نفسه للسنوات القادمة؟
– في الدول الديمقراطية لا يقوم رئيس الوزراء بتغيير الدستور ولا بكتابته، ولا يوجد في الدستور التركي ما يمنع ترشح «أردوغان» للمرة الرابعة لرئاسة الوزراء، وإنما الموجود هو خاص في اللوائح الداخلية لحزب «العدالة والتنمية»، فهي تمنع أن يتولى رئيس الحزب منصبه أكثر من ثلاث دورات انتخابية، سواء كان رئيس وزراء أو وزيراً، فالمانع من ترشح رئيس الورزاء «رجب طيب أردوغان» لرئاسة الحكومة القادمة هو قانون في لوائح حزب «العدالة والتنمية» الداخلية، وليس من الدستور التركي، وهذا الأمر سوف يتم التغلب عليه من خلال أعضاء الحزب بالسماح لـ«أردوغان» بالترشح للمرة الرابعة، وإلا فلن يتمكن من ذلك، فالقرار عائد لأعضاء حزب «العدالة والتنمية» فقط.
– أخيراً، ما انعكاس فوز «أردوغان» على الاقتصاد والليرة التركية؟
– من الملاحظ أن الليرة التركية تحسنت كثيراً، فارتفعت قيمتها إلى ما قبل أحداث الاحتجاجات، وكذلك تحسنت حال الاقتصاد التركي بعد الانتخابات البلدية؛ لأن الفوز أعطى الاقتصاد التركي أملاً أكبر في الاستقرار، وقد باءت كل محاولات المعارضة التآمرية بالفشل بعد ظهور نتائج الانتخابات، وتم توجيه صفعة عثمانية لكل من حاول الإساءة إلى الدولة التركية.