هكذا تدوم الأمم وهكذا تنتهي وتستبدل إن اخطأت الطريق ولا يظلم ربك أحداً.
هناك معايير بشرية أصَّلها علماء الاجتماع نتيجة الخبرة والممارسة تتنبأ بمواعيد الزلازل والدمار الاجتماعي للكيانات العامة.. وهي صادقة لا تكذب ولا تجامل شعباً ولا أمة ولا دولة ولا هيئة، فهي مقاييس محايدة وقد شبهوها بعمر الإنسان من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة ثم أرذل العمر ومغادرة الدنّيا.
فمن غادر الشباب، اقترب من النهايات، ولا يفصله عنها إلا بقيةُ عيشٍ نكد، ليكون عالة على من حوله، وهو الإنذار الأصدق والأقرب وهكذا حال الأمم والدول.
فمن كثُر عُواره وانكشفت سوءاته، وتمسك بكل ما تطاله يده ظنه ملكية خاصة له.
ومن أطبق عينيه فلم يسمح لهما أن تبصرا.
ومَن أصم أذنيه عن سماع الصراخ ودَويّ الانفجارات ونداءات الاستغاثة عاش في عالم آخر، انتظاراً للمصير المحتوم، واقرأ إن شئت في مطالعات ابن خلدون في المقدمة.
أمّا الرسالة السماوية وما فهم من مقاصدها العامة ففيها من المؤشرات المباشرة الواضحة البينة التي لا تغادرها العين المبصرة ما يكفي لتحديد الخطر على الأمم.
ولسان حالها (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {117}) (هود).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – إجابة عن سؤال: متى تهلك القرى وهي عامرة؟ قال: “إذا علا فجّارها أبرَارها”.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجلسائه يوماً: أيها الناس، ما تفعلون إذا مِلتُ برأسي إلى الدنيا هكذا؟
وأمال رأسه على كتفه، فلم ينطق أحد فأعادها الثانية وفي الثالثة، قال له أحدهم: إن ملت للدنيا برأسك هكذا قلنا لك بسيوفنا هكذا (أي يضرب عنقه)، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل من أمة محمد من يقوِّم عمر.
ومعاوية بن أبي سفيان وهو الخليفة يومذاك حيث اعتلى المنبر وقال: أيها الناس، المال مالنا والفيء فيؤنا، فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه، ولم يرد عليه أحد ثم أعادها في الجمعة الثانية، وفي الثالثة.. فقام أحد المسلمين وقال: بل المال مال الله والفيء فيء الله، فمن حال بيننا وبينه حاكمناه بسيوفنا، ولما أنهى الصلاة ناداه وأكرمه وقال: أنقذك الله كما أنقذتني، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سيأتي قوم يتكلمون فلا يرد عليهم يتقاحمون في النار تقاحم القردة”، فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا عليّ أحياني أحياه الله ورجوت ألا يجعلني الله منهم”.
وأما أحمد بن حنبل رحمه الله فيقول: لا نزال بخير ما كان في الناس من ينكر علينا.
هكذا تدوم الأمم وهكذا تنتهي وتستبدل إن اخطأت الطريق ولا يظلم ربك أحداً.
وقد قرر الله في كتابه: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ {38}) (محمد).