اندلعت انتفاضة الأقصى والتي عرفت إعلامياً باسم “الانتفاضة الفلسطينية الثانية” للدلالة الواضحة على ما آلت إليه أمور التسوية في مجال الصراع مع الغاصب المحتل.
اندلعت انتفاضة الأقصى والتي عرفت إعلامياً باسم “الانتفاضة الفلسطينية الثانية” للدلالة الواضحة على ما آلت إليه أمور التسوية في مجال الصراع مع الغاصب المحتل.
ففي 28 سبتمبر 2000م انطلقت الانتفاضة بعد اقتحام المجرم “أرييل شارون”، رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل، بحماية أكثر من ثلاثة آلاف جندي صهيوني للمسجد الأقصى المبارك وتدنيسه؛ مما أثار مشاعر الفلسطينيين من أهل القدس وغيرها، فهبوا لنجدته وحمايته؛ فكان التجمهر داخل المسجد الأقصى
ومحاولة التصدي لهذا الاقتحام، وهبت الأمة أجمعها لنصرة أولى القبلتين ومسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم دفاعاً ودعماً وتأييداً لهذه الانتفاضة المباركة.
إن مما ميز “انتفاضة الأقصى” عن سابقتها هو كثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة التحركات العسكرية بين المقاومة الفلسطينية الباسلة بكل مكوناتها وجيش الكيان الصهيوني الغاصب، فكان حصاد هذه الانتفاضة 4412 شهيداً فلسطينياً، و48322 جريحاً، وتضررت مئات من المنشآت الحكومية وآلاف من البيوت بشكل كلي أو جزئي، وغيرها من الأضرار التي أحدثها الكيان الغاصب بحق البشر والأرض والحجر, بينما كانت خسائر الكيان الصهيوني 1069 تراوحت بين قتلى وجرحى, وتم عطب عدد 50 دبابة “نوع ميركافا”، ودمر عدد من الجيبات والمدرعات العسكرية الصهيونية.
وقد خاضت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية خلال “انتفاضة الأقصى” عدة اجتياحات صهيونية أبرزها كان “الدرع الواقية”, و”أمطار الصيف”, و”الرصاص المصبوب”.
“انتفاضة الأقصى” لم تكن وليدة لحظة مفاجأة، فلقد سبقتها أسباب هيأت لها لتكون بحجم تلك الشرارة التي أشعلتها وفجرتها، وأهمها كان في نهاية عام 1999م حيث ساد شعور عام بالإحباط لدى الفلسطينيين لانتهاء الفترة المقررة لتطبيق الحل النهائي بحسب اتفاقيات “أوسلو”, والمماطلة وجمود المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني بعد قمة “كامب ديفيد”, حيث كان واضحاً للعيان محاولة “الإسرائيليين” بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية فرض حل على الفلسطينيين بعيداً عن قرارات الشرعية الدولية (242, 338, 194), ذلك بالإضافة إلى عدم تطبيق الكيان الصهيوني للعديد من الأمور التي تم الاتفاق عليها في أوسلو، والاتفاقيات والمفاوضات اللاحقة.
ومن الأسباب كذلك استمرار الصهاينة في سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية ورفض الكيان القيام بالإفراج عن الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال.
واستمرار بناء المستوطنات واستبعاد عودة اللاجئين وعدم الانسحاب إلى حدود 1967م, فكان أن تيقن الفلسطينيون أن القمم والمفاوضات والمعاهدات وغيرها عديمة الجدوى وبلا نتيجة للوصول إلى تحقيق الاستقلال الوطني.
كل تلك الأسباب كانت الوقود الأساسي لإشعال فتيل “انتفاضة الأقصى”، وإعطاءها القوة لتستمر وتحقق ما حققته من مكاسب كبرى للطرف الفلسطيني، فكانت تلك الانتفاضة أول غرس لصنع الصواريخ محلية الصنع بجميع أشكالها؛ وهذه الصواريخ هي ما يتم استخدامه حالياً من غزة؛ الأمر الذي شل الكيان الغاصب وزرع في قلبه الخوف؛ مما جعل هذا الكيان المسخ أن يشن حرباً على غزة لإيقاف هذه الصواريخ، ولم يتمكن من ذلك وفشل فشلاً ذريعاً، وأدى ذلك إلى انعدام الأمن والأمان في المناطق التي يحتلها الكيان, وشلت حركة السياحة بسبب العمليات الباسلة النوعية الاستشهادية, وتم اغتيال وزير السياحة الصهيوني “زئيفي” ومقتل قائد وحدة الهبوط المظلي (الكوماندوز الإسرائيلي) في معركة مخيم جنين.
وأهم نتائج الانتفاضة تحطيم مقولة “الجيش الذي لا يقهر” في معركة مخيم جنين التي قتل فيها ما يقارب 58 جندياً صهيونياً وجرح عدد 142.
عربياً وإسلامياً: فقد تفاعل الشارع العربي والإسلامي مع الانتفاضة حيث عمَّت التظاهرات الضخمة في عدد من البلدان؛ مما أحرج الأنظمة العربية الحاكمة للخروج عن صمتها ودفع الدول الإسلامية لعقد “مؤتمر الدوحة الإسلامي” وتمت تسميته بـ”قمة الأقصى”، وانبثق عنه بيان ناقم لأول مرة على الولايات المتحدة الأمريكية التي أعطت الضوء الأخضر للكيان الغاصب بفعل ما يحلو له وتدعمه في احتلاله.
تلك الانتفاضة المباركة أحيت جوانب كانت قد أضحت في طي النسيان، فعادت من جديد الدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية كوسيلة ضغط، ونشطت تلك الوسيلة بشكل كبير.
دولياً.. خرج المجتمع الدولي عن صمته وقام بإدانة الاعتداءات الصهيونية واستخدامه غير المتوازن للقوة العسكرية، حيث صدرت العديد من القرارات والمقترحات الدولية التي تعتبر وثائق إدانة للكيان الصهيوني المحتل.
من المفارقات أن “الانتفاضة الأولى” التي انطلقت في 9 ديسمبر 1987م في غزة أدت إلى سلسلة اتفاقات بما يسمى بـ “اتفاقات السلام” التي بدأت في أوسلو، وانتهت عام 1993م بتوقيع اتفاق المبادئ, فجاءت “انتفاضة الأقصى” ربانية مباركة من أجل الذود عن كرامة المسجد الأقصى والدفاع عن الحق في الأرض والعرض, فقامت الانتفاضة لأجل دفن عملية السلام وإظهار الرفض الفلسطيني الشعبي لها.
وهنا تم نسيان الحديث عن عملية السلام وتفرد الحديث عن قرار (242) الذي يطالب بانسحاب الكيان الغاصب عن الأراضي التي احتلتها في حرب 1967م.
توقفت انتفاضة الأقصى وذلك بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في شرم الشيخ، حيث عقدت بين محمود عباس، و”أرييل شارون”، رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك، في 2 فبراير 2005م.
هذه حكاية “انتفاضة الأقصى” فصولها ستظل تروى للأجيال ولن تنتهي؛ فما أن تخبو نارها إلا وتشتعل من جديد وبشكل جديد، وسيظل المسجد الأقصى رمزاً للأمة كلها وهو العنوان لانتفاضة المستقبل القريب.
وفي النهاية، نذكركم – إخواننا – بواجبكم العملي تجاه الأرض المباركة والمسجد الأقصى؛ أن هبوا لنجدته بكل ما أوتيتم من قوة, تحركوا قبل أن يتحرك، ادعموا الرباط فيه، ولترتبط نيتكم بنيتهم؛ نية الجهاد والرباط في أرض الإسراء والمعراج، فلقد سجل إخوانكم المرابطين والمرابطات في القدس والداخل آيات العز والفخار في الثغور المقدسة المباركة على بوابات الأقصى وفي ساحاته ومصلياته؛ وكانوا درعاً حامية لمسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم أمام هذه الاقتحامات الهمجية من قطعان الصهاينة، والذين باتوا يدنسون الأقصى كل يوم، فأين أنت منهم؟! فإلى الأمة جمعاء نقول كما قال الشاعر أيمن العتوم:
لا تبرحِ الأرضَ واحمِ القدسَ والتحـــمِ وانقشْ دِمـــــــاكَ علـــــى بَوَّابـة الحـــــــــــرمِ
واقبضْ على الجَمْرِ إنَّ القابضينَ على جمرِ البلاد أضاؤوا عِــــــــــزَّةَ الأُمـــــــــــــم
وخلِّ خلفــكَ كــــــلَّ الراكنيـــــنَ إلى صلح اليهـودِ، وإنْ ساغــــوهُ فاتَّهـــــــــــــم
وجابهِ الموتَ عاري الصدر، مُشرعَــــهُ وإنْ أتاكَ رصاص الغـــــدر فابتســــــــــــم
وغــنِّ للأرض، إنَّ الأرض عاشقــــــــةٌ وسوف تَطرب إنْ بالغتَ في النغـــــــــم
وكلّمـا طَربـــــــتْ واهتزّ جانبهــــــا تساقطتْ شهداء القدس كالحمـــــــــــم
(*) المنسق العام لرابطة شباب لأجل القدس العالمية