لم تكن روسيا بعيدة عما أحدثته الرسوم المسيئة للرسول من ردود أفعال رسمية وشعبية، فمن ناحية هناك إدانة للعنف الذي حصل في هيئة تحرير مجلة “شارلي إبدو” الباريسية، وما أسفر عنه من قتل، ومن ناحية أخرى هناك إدانة أيضاً من الجانب الرسمي الروسي والشعبي للكاري
د. أحمد عبدالله
لم تكن روسيا بعيدة عما أحدثته الرسوم المسيئة للرسول من ردود أفعال رسمية وشعبية، فمن ناحية هناك إدانة للعنف الذي حصل في هيئة تحرير مجلة “شارلي إبدو” الباريسية، وما أسفر عنه من قتل، ومن ناحية أخرى هناك إدانة أيضاً من الجانب الرسمي الروسي والشعبي للكاريكاتير، حيث يتضح من استطلاعات الرأي، وتصريحات الباحثين الاجتماعيين، أن المواطنين الروس، عموماً، لا يؤيدون نشر رسوم كاريكاتيرية مثيرة للمشاعر الدينية للناس.
المسلمون يتحركون
رد فعل المسلمين في روسيا كان متفاوتاً، ولكنه كان معبراً بطريقة سلمية عن موقفهم من مثل هذه الرسوم، حيث تقدم العديد من المسلمين بطلبات للقيام بمظاهرات احتجاجية على الرسوم وإدانة للموقف الفرنسي الرسمي الداعم لهذه الرسوم على أساس ما يعتبرونه “حرية التعبير”.
وقد شهدت عدة جمهوريات تحركات شعبية، كانت على رأسها جمهورية الشيشان الواقعة في منطقة شمال القوقاز الروسية، فقد خرجت حشود كبيرة جابت عدة شوارع للعاصمة الشيشانية جروزني، وتجمعت في الساحة الرئيسة، وبحسب السلطات المحلية، فقد شارك في هذه الفعالية التي أطلق عليها “حب النبي محمد”، نصف مليون شخص من سكان الجمهورية البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، وقال الرئيس الشيشاني، “رمضان قاديروف”، على موقعه الإلكتروني: “نحن نحترم جميع الأديان، ولكننا لا نسمح لأي كان بالإساءة للنبي، ومن يحاول ذلك، فهو عدو لنا”.
وكان الرئيس “قاديروف” قد أعلن في وقت سابق رئيس شركة “يوكاس” النفطية السابق “ميخائيل خودوركوفسكي” عدواً شخصياً له؛ بسبب دعوة الأخير الصحفيين إلى إعادة نشر الرسوم الساخرة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقال رئيس الشيشان: إن رجل الأعمال المقيم في سويسرا أصبح “عدو المسلمين في جميع أنحاء العالم”؛ وبالتالي “عدوه الشخصي”، ودعا إلى معاقبة “خودوركوفسكي” بشدة، وأعرب عن أمله بوجود أشخاص قادرين على محاسبة “خودوركوفسكي”.
من جهة أخرى، خرج عشرات الآلاف من الأشخاص في مسيرة في جمهورية أنجوشيا المحاذية لجمهورية الشيشان يوم الأحد، وكذلك الحال بالنسبة لجمهورية الداغستان وغيرها من الجمهوريات الإسلامية داخل الاتحاد الروسي.
وفي الوقت نفسه، أدان مجلس المفتين في روسيا تصرفات الصحيفة الفرنسية، التي نشرت رسوماً كاريكاتيرية جديدة مسيئة للنبي رداً على تصرفات المتطرفين، ومتحدية مشاعر المسلمين في كافة أنحاء العالم، وقد أشار المجلس إلى أن وسائل الإعلام بسلوك كهذا، إنما تهين مشاعر المؤمنين وتثير غضبهم، لكنه دعا المسلمين في روسيا إلى ضبط النفس وعدم الرد على الاستفزازات من أي طرف كانت.
الموقف الرسمي
الموقف الرسمي الروسي كان واضحاً، وأدان بشدة الرسوم، واعتبر أن أي عمل يثير غضب المؤمنين وأي إساءة إلى المظاهر الدينية إنما هي فتيل لإشعال نار الغضب لدى المؤمنين، وهو أمر غير مقبول تماماً؛ ولذلك سارعت السلطات الرسمية بالدعوة إلى عدم إعادة نشر الرسوم الفاضحة، وقام أحد الفروع الإقليمية لجنة الرصد والمراقبة “روس كوم نادزور”، التي تراقب أداء وسائل الإعلام الروسية، بلفت انتباه الصحفيين، إلى عدم السماح بنشر أية رسوم كاريكاتيرية لرجال الدين، واعتبرت المؤسسة أن أي إساءة للمظاهر الدينية أو الرموز الدينية هي بمثابة “إرهاب” وسيتم محاكمة من يقوم بذلك على أساس قانون الإرهاب.
وفي وقت لاحق أكدت مصادر في اللجنة المذكورة اتخاذَها “تدابير وقائية” مع وسائل الإعلام الإقليمية، وتذكيرها بأهمية الالتزام بالتشريعات التي تحظر إثارة الخلافات بين الطوائف.
المواطنون الروس
أشارت استطلاعات الرأي قامت بها شركة “ليفادا- سنتر” المستقلة للدراسات الاجتماعية، بأن الباحثين الاجتماعيين، والمواطنين الروس عموماً، لا يؤيدون نشر رسوم كاريكاتيرية مثيرة للخصام، وأن المواطنين الروس بمعظمهم، يشعرون بالأسى عند التطرق “لمواقف وتصورات أيديولوجية فاضحة، مثيرة للجدل”.
ويشير “ليونيد سيدوف”، الباحث في شؤون المجتمع إلى أن الروس، وإن كانوا لا يبدون قدراً كبيراً من الغيرة الدينية في حياتهم اليومية، فهم يقفون موقفاً سلبياً جداً من التطاول على “المقدسات والقيم السامية”، ويرى الباحث الروسي أن “للوعي العقائدي” عند مواطني روسيا دوره في ذلك، وخلافاً للبلدان الغربية، يُلاحظ في روسيا أن المواطنين لا يعتبرون نشر الرسوم الكاريكاتيرية مظهراً من مظاهر حرية التعبير.