في عالم الفوضى وزمن الانحدار، في ظل أمية مسيطرة، وجهل مطبق، وغياب للرؤية، وضعف في الوعي والاستيعاب؛ تنهال على ثوابتنا الرصاصات، رصاصات القول والفعل التي تكون أدمى في الفتك من رصاصات البارود.
في عالم الفوضى وزمن الانحدار، في ظل أمية مسيطرة، وجهل مطبق، وغياب للرؤية، وضعف في الوعي والاستيعاب؛ تنهال على ثوابتنا الرصاصات، رصاصات القول والفعل التي تكون أدمى في الفتك من رصاصات البارود.
الإساءة للمقدسات الإسلامية ليست وليدة اليوم ولا قرينة العصر، فمنذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنزلت عليه الرسالة، ومازالت تلك الحوادث تتكرر، وعلى ما يبدو لن تنتهي.
إلا أن المشهد الآن برمته مختلف، فلم تعد وظيفة إطلاق رصاص القذف على المقدسات بيد العدو، بل تصدَّر بعض المنتمين لأمتنا وحضارتنا لهذا الأمر، وأصبحت أصواتهم وأقلامهم مدافع حشوها رصاص يهدم كل ما هو مقدس وكل ما هو ثابت.
والنصرة وإن كانت فرضاً وواجباً حيث الدفاع عن الإسلام وثوابته وأعظمها كتاب الله، وأول من حمل رسالة تبليغه صلى الله عليه وسلم، ثم الصحابة الذين نقلوا لنا هذا الدين، وما صح من كتب الأئمة الصحاح، فإن النصرة لابد لها من شروط وأسس حتى لا تتحول إلى دفاع أعمى خسارته أكبر من مكاسبه، ومن ذلك:
أولاً: لا تكن بوقاً ينفث في النار فتشتعل: فكثير من أحداث الإساءة تكون شرارة إطفائها بتركها للريح؛ لأنها لا وزن لها ولا قيمة، وفي ذلك واقعة تداولها البعض عبر صفحاتهم في التواصل الاجتماعي حين سُئِـل الشيخ الشعراوي – رحمه الله – عن رأيه في كتاب أحد المستهزئين بالإسلام الذي كثر عنه الحديث في التسعينيات، فرد: لم أقرأه، ولن أقرأه.
فقالوا: كيف وقد كثر الكلام عنه؟
فقرأ عليهم الشعراوي قول الله تعالى في سورة “النساء”: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً {140) (النساء).
ثانياً: النصرة على بصيرة: فكيف بمن يجهل المناقب والسيرة ولم تبحر مراكبه في شواطئ المعرفة بالإسلام ورسوله أن يكون ناصراً، فما الجهل إلا عدو وسلاح مصلت على صاحبه، ولنا في قصة الصحابة الذين أشاروا على أحدهم في غزوة بأن يغتسل وهو جريح فمات، فلما علم النبي قال: قتلوه قتلهم الله، برغم أنهم أرادوا أن ينفذوا توجيهاً نبوياً في الغسل، لكن عدم الإدراك حوّل النصرة إلى كارثة.
ثالثاً: النصرة بالفعل لا بالقول: فقد قالوا: “لا تقف عند شاطئ الإساءة واقصد ميناء النصرة؛ لعلك تركب سفينة الشفاعة”، إن ما نحتاجه اليوم هو عمل حركة سلوك يقدم الصورة الصحيحة، ويضبط الموازين المختلة، ويقدم صحيح الإسلام في ظل تحريف وتشويه جعل من دين التسامح بعبعاً وعنواناً لكل صور التطرف والعنف.
رابعاً: النصرة لا تحتاج أرضاً بعيدة: إن ما نعيشه من واقع تتجسد ملامحه في كارثة الانهيار الأخلاقي وضعف الثقافة والأمية التي وصلت في العالم الإسلامي 40% في صفوف الرجال، و65 % في صفوف صانعة الرجال، وقس على ذلك أمية الدين والعلم والمعرفة والفهم، وما ينعكس بذلك على سلوكنا.
خامساً: النصرة رسالة: فالنصرة ليست رد فعل، وليست موقفاً، بل هي رسالة تتجسد فيما قاله الربيعي بن عامر لـ”رستم”: “لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”.