لم أستغرب كثيراً من مقال الأخ عبدالهادي الصالح في جريدة “القبس” الصادرة اليوم (أمس) الإثنين 18 يناير 2016م والذي أتى بعنوان “انشق الجيب!!”، فالمقال أتى بعد أن باح أكثر من رمز سياسي ينتمي للإخوة الشيعة بالاعتراض على ما جاء في حكم محكمة الجنايات الأخير الذي أدان الخلية الإرهابية المسلحة المسماة “خلية العبدلي”، وباتخاذهم موقفاً أكثر حدية بمقاطعة جلسات مجلس الأمة، والتصريح من أحدهم بأن الحكم جاء جائراً ومخالفاً للعدالة, ناهيك عن تداعيات الأحداث الإقليمية، وبالأخص الصراع السعودي الإيراني!
وباستعراض مقال الأستاذ عبدالهادى الصالح، نجد أن الكاتب خطا بشكل عام ذات الخط الذي تبناه نواب المجلس الحالي المقاطعين، وبتأصيل فكري وسياسي يخالف المبادئ الدستورية بخصوص متطلبات المواطنة، ويضع أسساً جديدة تخالف الإجماع الكويتي؛ من خلال إعطاء الطائفة الشيعية خصوصية تتجاوز الكويتيين لم يعهدوا عليها من قبل, وفيما يلي نورد للقارئ الكريم ملاحظاتنا على المقال المذكور:
الأصل أنه لا تفرقه بين السُّنة والشيعة والحضر والقبائل، وفقاً للدستور، فالكل متساوون أمام القانون, ولكن التاريخ يؤكد أن بعض السياسيين من الشيعة في الحقبة الأخيرة وليس عموم الشيعة الكويتيين وبسبب ما قام به البعض في تأبين مغنية المتورط في حادث اختطاف طائرة تعود للخطوط الجوية الكويتية وضعوا أنفسهم محل المساءلة والاستهجان؛ مما دفع هؤلاء السياسيين إلى انتهاج خط حماية ودعم الطائفة من أبناء المذهب الشيعي، والتحالف مع السلطة على حساب المبادئ الدستورية التي كسروها في أكثر من مناسبة من خلال عضوية البعض في مجالس الأمة السابقة والحالي, لقد وضع هؤلاء تحديداً خصوصية لأبناء المذهب الشيعي من الكويتيين, فأصبح الشغل الشاغل لهم دعم الطائفة على حساب الدولة ومكونات المجتمع الأخرى؛ وهو ما جعلهم مكوناً يعزل نفسه بنفسه عن مكونات المجتمع الأخرى، ويضع خطوطاً لممارساته تتجاوز أحياناً القانون؛ مما ساهم في تعزيز حالة الانقسام المجتمعي أكثر مما هو عليه.
– لقد حمل المقال المذكور مغالطات صارخة عندما أشار إلى أن البعض من السياسيين الشيعة تبنوا القاعدة الشرعية “درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة”، وبناءً عليها امتنعوا عن القيام بواجباتهم الدستورية وبالأخص الرقابية منها أثناء ما قام به أصحاب مشروع الربيع الكويتي كما أسماه الكاتب، وتجاوز هؤلاء البعض عن قناعاتهم الذاتية تأييداً للسلطة في مواجهة تلك الأحداث! وللأمانة والتاريخ، فإن أحداث تأبين مغنية، وهي المرحلة التاريخية الفارقة في تحالف السياسيين الشيعة مع السلطة، سبقت أحداث “الربيع العربي” بسنوات كثيرة، ولم تكن هي سبب التحالف القائم بين السياسيين الشيعة والسلطة، فقد مارس بعض من السياسيين الشيعة مواقف غريبة ومخالفة للدستور في العديد من القضايا الوطنية والسياسية، تخالف مبادئ الصواب والصحة، وخير مثال على ذلك تأييدهم للحكومة في أحداث ديوان الحربش، ودعمهم لشطب الاستجوابات في مجلس 2009م، إضافة إلى وقوفهم الغريب مع رفع الحصانة عن النائب السابق فيصل المسلم الذي كشف داخل قبة عبدالله السالم حقائق الأموال السياسية التي دفعت لعدد من النواب نظير مواقف سياسية! وكافة هذه الأحداث كانت قبل أحداث “الربيع العربي” أو الكويتي على حد قوله.
– غالط الكاتب في محاولة منه لخلط الأوراق في مقاله حين تعرض لتحركات المعارضة الإصلاحية الكويتية، وربطها بأنها تأتي ضمن أحداث “الربيع العربي”, والتاريخ يؤكد أن تحركات المعارضة جاءت قبل أحداث “الربيع العربي” بفترة, بل أكد الكثير من رموز المعارضة وفي أكثر من مناسبة أن التحركات ليست ضد النظام السياسي القائم، وأنها تسعى للإصلاح في إطار النظام الدستوري، وكان أبرزها تصريح العم أحمد السعدون في تلك الفترة والذي أشار فيه إلى سمو أمير البلاد: “نحن حراس قصرك إذا حجت حجايجها”، ولا يعني ما سبق عدم وجود عدد من السلبيات التي أحاطت بالحراك الإصلاحي، ولكن وبكل تأكيد لا تمس الأمن الوطني وليس هذا محلها في النقاش.
– الكاتب لم يوفق في مقاله حين ذكر أن السياسيين النواب من الشيعة جمدوا أدواتهم الرقابية حتى لا يساء فهمها, ويعد ما قاله الكاتب إقراراً بوجود أمور مستحقة لتفعيل الرقابة فيها باعتبارهم نواباً يمثلون الأمة، إلا أنهم تخلوا عن واجباتهم الدستورية من أجل مصالح خاصة! ومن جانب آخر؛ فإن ما أورده الكاتب يعد معلومة مغلوطة، فالنواب من أصحاب المذهب الشيعي تقدموا بعدد من الاستجوابات خلال تلك الحقبة التاريخية, فقد تقدم النائب صالح عاشور باستجواب ضد وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح في عام 2011م, وتقدم النائب فيصل الدويسان باستجواب ضد وزير النفط والإعلام أحمد العبدالله في عام 2011م, وتقدم النائب صالح عاشور باستجواب ضد رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك في مجلس فبراير 2012م, وتقدم النائب السابق حسين القلاف باستجواب ضد وزير الإعلام الشيخ محمد عبدالله المبارك في مجلس فبراير 2012م، وهو ما يجعل تأسيس الكاتب على امتناع السياسيين من تقديم الاستجوابات لا محل له، بل يمثل مغالطة تاريخية, وهو ما جعل الكثير من المراقبين يرون أن تلك الاستجوابات تحديداً تأتي ضمن تحالفات بعض السياسيين الشيعة مع أطراف في الساحة السياسية، وأطراف في السلطة دفعتهم للقيام بتقديم تلك الاستجوابات من أجل غايات سياسية في لعبة التجاذبات السياسية الداخلية، وليس كما أشار الكاتب إلى أنهم امتنعوا عن ممارسة أدواتهم الرقابية حتى لا يساء فهمها، على حد ما ذكره الكاتب!
– لقد أكد الكاتب أن هناك تفاهمات مع السلطة (ونحن نسميها تحالفات) من خلال القيام أو الامتناع عن مواقف سياسية يرى أنها تحقق مصلحة البلاد “درء المفسدة”، على حد قوله، وبالمقابل كان للسياسيين والنواب من الشيعة رقم كبير ودور أكبر في مسيرة المجالس الأخيرة، وبالأخص التي جاءت بعد اعتماد النظام الانتخابي لـ”الصوت الواحد”، فتلك المجالس ومواقف النواب الشيعة صبت سلبياً في المسار السياسي العام وفي اتجاه قمع الحريات العامة والإعلامية, فقوانين الجرائم الإلكترونية والإعلام الإلكتروني المجحفة أقرت في عهد برلمان هم أطراف رئيسه فيه، وسحب الجناسي دون وجه حق من بعض المواطنين تمت بمباركة وتحريض من بعض السياسيين الشيعة, كما كانوا طرفاً رئيساً في اعتماد مراسيم الضرورة الصادرة في عام 2012م على عدم ضرورتها وضعفها، وأتى الزمن ليؤكد ذلك, ناهيك عن الأداء الرقابي المتهالك الذي شهده الشعب من خلال تداول قضايا وطنية رئيسة كالإيداعات والتحويلات المليونية، وكـ”الداو”، والقسائم الزراعية؛ مما جعلهم طرفاً رئيساً في معادلة قمع الحريات وتراجع الدور الرقابي للمجلس والفوضى التشريعية التي تشهدها البلاد مؤخراً, ناهيك عن التصريحات الطائفية الصادرة عن البعض من هؤلاء السياسيين والمسيئة لمكونات أخرى في المجتمع أو الداعمة لإيران بكل شاردة ووارده مع ممارستها العدوانية المتكررة ضد الكويت، وإساءات البعض الفجة لبعض شعوب وزعماء دول الخليج الشقيقة؛ مما ساهم بصورة أكبر في انقسام المجتمع وإحراج الكويت مع الأشقاء.
– أشد ما كان مؤلماً ما أورده الكاتب من وجود مطالبات مستحقة قانونياً، على حد قوله، لبعض الأطراف التي لم تتحقق، ويقصد بذلك أبناء الشيعة الكويتيين كالتعيين في الوظائف الحكومية، أو إقامة مساجد لم يمكنوا من ذلك مع إبقاء مساجد “الكيربي” المخالفة لأبناء السُّنة! وهنا يجب الإشارة إلى أن المطالبات الفئوية أو العائلية أو الحزبية مرفوضة على حساب الوطن وسيادة القانون, وكان الأجدر من الكاتب أن ينادي هو وغيره خاصة في ظل وجود ثقل سياسي له في المجلس والحكومة بأن يتم تعزيز القانون من خلال وجود قوانين صارمة في التعيين والتوظيف أساسها الكفاءة والأمانة التي لم نرَ جهداً يُبذل من المجالس الأخيرة في هذا التوجه, وكان الأجدر من النواب السياسيين المطالبة بقوانين واضحة وشفافة وجادة فيما يتعلق ببناء المساجد ودور العبادة وفقاً لضوابط محددة، لا أن يتم التركيز على جانب محدد وينسى أن هناك المئات من دور العبادة (الحسينيات) قائمة دون ترخيص أو رقابة, فإذا أردنا تطبيق القانون فليكن للجميع وعلى قدم المساواة وفق سيادة القانون، لا وفقاً للأمزجة أو ما تسفر عنه تدافع التحالفات السياسية التي يعلمها الكاتب جيداً.
– يؤسفني أن الكاتب كتب مقاله بالروحية البعيدة عن روح المواطنة بعد أحداث رئيسة ألمت بالوطن وبالإقليم عموماً, وكان أبرز الأحداث مؤخراً الحادث الإرهابي على مسجد الإمام الصادق، واكتشاف وإدانة المحكمة للخلية الإرهابية المسلحة, وتطورات الأحداث الإقليمية وبالأخص التجاذب السياسي القائم بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران, ولا يمكن فكاك تلك الأحداث عن بعضها بعضاً في رأينا، فهي لا تخرج من التأثيرات الإقليمية على المحيط الكويتي, ففي الحادث المجرم على مسجد الإمام الصادق رضي الله عنه هب الكويتيون حاكماً ومحكومين صفاً واحداً ضد العملية الإجرامية، وتناسى الجميع أي خلافات تذكر، وظهر معدن الكويتيين الأصيل في تدعيم اللحمة والوقوف صفاً واحداً ضد تلك التحديات، بل إن كافة الشخصيات التي تمثل كافة الشرائح في المجتمع أدانت جرائم تنظيم “داعش”، واعتبرته تنظيماً إجرامياً وخطراً كبيراً على الكويت والإقليم, أما في الحادثين الخاصين بالصراع السعودي الإيراني أو الخلية الإرهابية فقد وجدنا موقفاً من الكتلة السياسية الشيعية الحالية، وبالأخص في ضبط الخلية الإرهابية ومحاكمتها شذ عن الإجماع الوطني، ودخل في نفق مستهجن وغريب عن المجتمع الكويتي، ابتداءً بالتشكيك في مؤسسات الدولة وبالأخص رجال الأمن, وتهويناً لما ضبط من ترسانة مسلحة مهولة وكبيرة يقر الجميع بثبوت امتلاك أعضاء الخلية لها على نحو يعرض أمن البلاد والشعب إلى خطر كبير, وأخيراً قيام عدد من السياسيين بالدخول في حالة من الابتزاز السياسي كمقاطعة الجلسات، والمطالبة بأمور خارج الآلية الدستورية لصالح أطراف في الساحة (لم ينكر النواب المقاطعون حتى تاريخه ما نشرته عدد من الصحف بشأن مطالبات المقاطعين!)؛ مما يجعل الأمر يدور ليس في إطار حفظ أمن البلاد أو عدم إحراج السلطة في مواقفها تجاه أحداث المنطقة، كما أشار الكاتب، بل يدور في إطار تحقيق مصالح خاصة تتجاوز أحكام القضاء والحقوق الدستورية لعموم الكويتيين، وهو ما يمثل موقفاً مستهجناً وبعيداً عن الوطنية التي يدعيها البعض خاصة, ومن جانب آخر، فقد أقحم عدد من السياسيين الشيعة أنفسهم في موقف أحرج الحكومة الكويتية وفئات كبيرة من الشعب الكويتي بمعارضتهم للعمل الخليجي في اليمن، وكذلك موقف دول الخليج من الاعتداءات الإيرانية على السعودية، وكأنهم طرفاً داعماً لإيران على الرغم من قيام إيران بممارسات عدوانية عديدة على الشأن الكويتي، كان أبرزها ضبط الشبكة التجسسية الإيرانية في عام 2010م، وآخرها ضبط ومحاكمة وإدانة الخلية الإرهابية المسلحة المرتبطة بإيران و”حزب الله”.
– وختاماً؛ إنها فرصة لمناداة العقلاء من أبناء الشيعة وهم كثر، الذين نراهم شركاء في الوطن لهم وعليهم ما لنا وعلينا، بضرورة لجم التحالفات السياسية ومغامرات البعض الخارجة عن القانون، والتي نتج عنها وبفعل فاعل سياسي وضع غريب جعل البعض يظن أن الطائفة فوق الدولة، وأساء لعموم أبناء الوطن من الشيعة ممن لا ناقة لهم ولا جمل فيها، إلى ضرورة رسم الخريطة السياسية من جديد بعيداً عن التجاذبات السياسية الإقليمية والداخلية، وإلى تعزيز التلاحم مع مكونات المجتمع الأخرى, وهي فرصة كذلك لمطالبة السلطة بأن يكون لديها مسطرة واحدة قوامها الدستور والقانون في التعامل مع مكونات المجتمع، فالأحداث الإقليمية الملتهبة تجعل فعل السلطة الماضي باللعب في توازنات الساحة السياسية من الأمور الخطيرة التي تصب في اتجاه زعزعة الأمن القومي الكويتي، ناهيك عن دور التلاعب بالتوازنات والتحالفات مع مكون ضد الآخر لها دور كبير في تعطل مسيرة الإدارة والتنمية والحياة السياسة في البلاد, إن مسؤولية الجميع تجاه الوطن أن تتقارب المسافات في مشروع وطني إصلاحي يهدف إلى تقويم المسار السياسي والتنموي باتجاه تعزيز اللحمة الوطنية، وتخفيف حدة الصراعات أو الأثر السلبي للتداعيات الإقليمية، ويساهم الجميع حكاماً ومحكومين في مسار يطور أداء السلطات الدستورية ومؤسسات الدولة للقيام بواجباتهم الدستورية بتحقيق الأمن والتنمية للشعب الكويتي, فالكويت كالسفينة التي يجب أن يراعي فيها بعضنا بعضاً، وأن يأخذ كل منا بيد الآخر لمواجه التحديات، وإلا غرق الجميع, والله المستعان.