تذمر الكثيرون وأحبط آخرون أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، على إثر قيام ضباط كبار وعدد من مساعديهم في مؤسسات الدولة المختلفة منها القضاء بمغامرة جنونية للغاية هدفها الاستيلاء على الحكم، لإقصاء أي دور إسلامي في الدولة.. بالرغم من أن ليلة الخامس عشر من تموز كانت عصيبة بكل المقاييس، لكل من الحكومة والانقلابيين على حد سواء، وأيضاً كثير من داعمي الطرفين داخلياً وخارجياً.. فمن خاف من نجاح هذه المحاولة الانقلابية هم كل أولئك الذين يخافون على مستقبل هذه الأمة، حيث يرون أن تركيا تمثّل آخر معقل ومربط فرس لهم من الحكومات المنتخبة ديمقراطياً، وإن إسقاط هذه النظام يعني قلع آخر عمود يتكئون عليه ولو معنوياً.. وأيضاً على الطرف الآخر ضحك الكثيرون في عبهم وآخرون أعلنوها قبل الوقت، لتمنيهم نجاح هذه المحاولة الجنونية لكرههم الإسلام السياسي وأردوغان شخصياً كرمز له، فلا نستبعد أن البعض منهم مول ذلك.. إلا أنهم والحمد لله أصيبوا بخيبة أمل كبيرة وعضوا على الخشب بعد إسقاط هذه المحاولة الانقلابية وتبديد أحلامهم خلال ساعات قليلة فقط..
إلا أن هذا الحدث الجلل سيكون له ما بعده من تداعيات، أهمها في اتجاهين: الأول هو منح الانقلابيين فرصة ذهبية لأوردوغان لم يحلم بها، وهي تطهير مؤسسات الدولة من معظم أولئك المتربصين به وهو يعلمهم جيداً، والذين تربطهم شبهات بوقوفهم ضد عجلة البرنامج الأردوغاني النهضوي لتركيا، وأيضاً ارتباطهم بالخارج والتنسيق معه لإحباط أي عمل نهضوي في البلاد، ووضع العراقيل في عجلة ترسيخ حكم العدل والتقدم والازدهار فيها وهو مشروع تركي وطني بامتياز..
هؤلاء يعيشون ويعيثون فساداً لخدمة مصالح الخارج على حساب مصلحة الأمة، فإعادة هيكلة الجيش والشرطة والقضاء، بل كل مؤسسات الدولة وخاصة السيادية منها سيكون أولوية الأولويات لأردوغان الآن دون أن يسمح لأي انتقاد داخلي أو خارجي، وقد يحظى بدعم حتى من قيادات الأحزاب المعارضة لأن الخطر يشمل الجميع.. هذه الفرصة لم يكن ليستطيع أن يقدم عليها أردوغان قبل محاولة الانقلاب الفاشلة هذه، وذلك لأسباب كثيرة كان أهمها اتهامه بالتأسيس لحكم سلطاني تسلطي وديكتاتوري وشمولي.. والحقيقة هم لا يريدون أن يعيد التاريخ نفسه وذلك ببناء دولة تركية قوية، يرونها امتداداً للأمبراطورية العثمانيّة التي فرضت عليهم الجزية صاغرين لعدة قرون…
النهج الثاني: تقييم حقيقي لكل التحالفات أو العلاقات السابقة مع دول بعينها إقليمية ودولية، حيث إنه كان يمشي في حقل ألغام واسع من الأعداء الذين يرغبون بإزالته من المشهد السياسي، لا لشخصه بل كنظام ذي ميول إسلامية ينهض بالأمة ويرى فيه الكثيرون قبلتهم.. وهذا الحقل يمتد من أمريكا غرباً والتي صرّح أحد أعضاء الكونغرس قبل فترة بأن أمريكا ستبارك أي انقلاب على أردوغان، فهل كان يعلم بالتخطيط لهذا الانقلاب، أم فقط الرغبة دفعته للتصريح لا نعلم؟!!
هذا الحقل يمر بدول أوروبية غربية بعينها، وأخرى تصفق لذلك، هذه الدول لا تريد بقاء أردوغان في السلطة، وهي دائماً تشحن الرأي العام ضده، وهذا ما تابعناه في صحافتهم وإذاعاتهم ووسائل التواصل الاجتماعي.. حقل الألغام هذا يمتد وصولاً إلى روسيا التي لا يمكن لبوتين أن يبلع الإهانة التركية له بإسقاط الطائرة “القيصرية”، حتى بعد “تطبيع” العلاقات الاقتصادية مع تركيا، إلا أن الانقضاض على أردوغان سيبقى هدف قيصر الكرملين لإيمانه بالثأر لكرامة روسيا.. ولا ننسى أيضاً دور الدولة الصهيونية التي ما فتأت تحفر تحت رأس أردوغان منذ أحداث سفينة مرمرة التركية..
ومن نافلة القول، موقف حلف بغداد متمثلاً بالحقد الشيعي الصفوي من طهران للضاحية، مروراً بدمشق.. تبقى هذه مواقف قد لا تصل إلى حد إمكانية التخطيط بهذا الحجم، للإيقاع بأردوغان باستثناء بعض الدول كما يراها المحللون من حيث تنفيذ محاولة الانقلاب هذه.. فالمواقف الغربية التي تريثت حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود تعطي إشارات بهذا الاتجاه، فالبعض كان يتابع ما يحدث إلى أن تبين أن محاولة الانقلاب فشلت فأعلن موقفه الداعم للحكومة.. بعض الدول العربية اعتبرت الأحداث ثورة أصيلة على نظام أردوغان فرقصوا وغنوا قبل العرس وخاب ظنهم وفألهم، فما نعلم الآن عن حالهم النفسي، وخاصة يراود الكثيرون الشك بتمويل بعض العرب لهذه العملية الجنونية مالياً ومساعدتها مخابراتياً، والتي لا نعلم ما هي مصلحتهم بتمويل كل ما هو ضد مصالح الأمة إن صحت التكهنات..؟!